سياسة ترامب الخارجية غير المضبوطة

نشر في 15-05-2017
آخر تحديث 15-05-2017 | 00:05
 ناشيونال ريفيو ماذا نتوقع، في ظل غياب القيادة الرئاسية، غير سعي مَن يشغلون المناصب الأدنى إلى ملء الفراغ؟

كانت نيكي هالي خلال أول شهرين في منصبها تشق طريقها بقوة بصفتها السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، وبدت أقرب إلى خصوم ترامب الجمهوريين الرئيسيين المهزومين من ترامب نفسه، فقد أعلنت أن العقوبات المفروضة على روسيا لن تُرفع ما لم تعِد القرم إلى دولة أوكرانية مستقلة، وعندما سئلت عما إذا كانت على توافق مع الرئيس أجابت: "اسمعوا! إنه الرئيس. يستطيع أن يقول ما يشاء متى يشاء، لكن التوجيهات التي تلقيناها تفرض علينا القيام بعملنا والحرص على أن الولايات المتحدة قوية، وهذا ما نفعله جميعنا"، ولا شك أن جوابها يشكّل عذراً ذكياً، ولكن في نهاية المطاف أبلغ وزير الخارجية هالي أن عليها من اليوم فصاعداً أن تدافع عن سياسة ترامب في المسائل الكبرى، لا أن تعلن سياستها الخاصة.

قبل عشرة أيام أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر تخطى الرئيس، وأكّد لحلفاء الولايات المتحدة الكوريين الجنوبيين أن الأميركيين سيدفعون كلفة النظام الصاروخي الدفاعي الجديد، بعدما كان ترامب قد هدد سابقاً بإلغائه إن لم تسدد كوريا الجنوبية كلفته.

علاوة على ذلك ذكر مراسل تابع لصحيفة "ناشيونال بوست" الكندية يوم الاثنين أن مسؤولي البيت الأبيض اتصلوا برئيس الوزراء جاستن ترودو لحضه على التواصل مع رئيسهم وإقناعه بعدم الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا). ونسب مراسل شبكة Breitbart المالي جون كارني هذه المراهنة الغريبة إلى زوج إيفانكا نفسه، غاريد كوشنر، مع أننا نسمع راهناً نظريات أخرى تشير إلى أن كوشنر كان يسهّل عملية تواصل بين حليفين كانت ستحدث في مطلق الأحوال. تشكّل كندا جزءاً من أجندة كوشنر، إلا أنها تأتي بعد إحلال السلام في الشرق الأوسط، وإدارة العلاقات في منطقة المحيط الهادئ، وإقناع الشعب الأميركي بإنفاق تريليون دولار على البنية التحتية.

في حالتَي هالي ومكماستر، عبّر ترامب أو مصادر في الإدارة الأميركية عن استياء واضح، فقد ذكر ترامب مازحاً أن من السهل استبدال هالي، وأخبر حلفاء ترامب إيلي لايك Bloomberg أن الرئيس استشاط غضباً بسبب ما فعله مكماستر، وربما علينا تجاهل رواية "كوشنر ينقذ نافتا" إلى أن يقرر ترامب مازحاً خفض منصبه من زوج إيفانكا إلى زوج تيفاني.

لطالما بدا جلياً أن ترامب سيواجه صعوبة في السيطرة على فرعه التنفيذي عقب انتخابه، تتطلب هذه الخطوة توظيف آلاف الأشخاص وكبار المسؤولين الملتزمين برؤيتك، ولكن بما أن ترامب شعبوي معزول ولم يحظَ بولاء كبير من حزبه، ولم يتوافر له فريق عمل مماثل، فقد ظهر بوضوح أن السياسة الخارجية كانت ستتحول إلى تحدٍّ كبير عندما وقّع عشرات الباحثين والخبراء في مجال السياسة الخارجية الميالين إلى الحزب الجمهوري رسالة مفتوحة تندد بترامب خلال حملته.

أُدرك ما تفكّر فيه، تفضّل أن تدع هالي، ومكماستر، و(بخوف) غاريد كوشنر يديرون هذه المسائل بدل ترامب، لا بأس في ذلك، ولكن من المهم أن نحظى ببعض الوضوح بشأن نوايا الولايات المتحدة. قبل أيام تبنى رجب طيب أردوغان، قائد تركيا حليفة الولايات المتحدة، خطاباً عدائياً في تعاطيه مع إسرائيل حليفة أخرى للولايات المتحدة، وإذا نشب صراع كبير بين حليفتينا هاتين، أترغب في أن تتمحور السياسة الأميركية حول ما إذا كان المستثمرون في قطاع الفنادق في إسطنبول ورمات غان يملكون رقم هاتف إيفانكا الصحيح؟ إلى أن تحدد إدارة ترامب أولوياتها بفاعلية وتنتهي من توظيف مساعدي الوزراء في الحكومة، قد يكون هذا شكل سياستنا الخارجية.

تعكس هذه الفوضى والحيرة شخصية الرئيس نفسه، لكن ازدهار الولايات المتحدة وقوتها يقومان على امتلاكها أشخاصاً يتمتعون بضبط النفس، إلا أنها لا تحظى اليوم برئيس يتحلى بهذه الصفة، ينتقل ترامب من موقف سياسي إلى آخر كلما تبدل مزاجه على ما يبدو، فضلاً عن ذلك، لا يعين الموظفين بالاستناد إلى انتمائهم السياسي أو كفاءتهم، بل بالاستناد الى ما إذا كان مظهرهم ملائماً لهذا الدور.

في ظل غياب القيادة الرئاسية، ماذا نتوقع غير سعي مَن يشغلون المناصب الأدنى إلى ملء الفراغ؟ تتحدث هالي أولاً عن التزام الولايات المتحدة وحزبها بالقيادة المعنوية الأميركية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، مناقضةً أحياناً بكل وضوح وعود ترامب خلال حملته. ويسارع كوشنر إلى التدخل ليحرص على عدم إفساد ترامب اتفاقاً تجارياً استثمر فيه اثنان من حلفاء الولايات المتحدة المقربين الكثير. أما مكماستر فيسعى لطمأنة حليف قديم إلى أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بأمنه، لكن ما نخشاه حقاً أن نكتشف في نهاية المطاف أننا كلنا نسارع للملمة سياسة محطمة.

* مايكل برندان دويرتي

* «ناشيونال ريفيو»

back to top