دونالد ترامب والأمين العام لحلف الأطلسي... حليفان غير متوقعَين في المعركة ضدّ «الدولة الإسلامية»!

نشر في 14-05-2017
آخر تحديث 14-05-2017 | 00:07
بدأ تحالف جديد ينشأ بين الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ والرئيس الأميركي دونالد ترامب. يريد الرجلان جمع أموال إضافية لدعم التحالف وحثّ الدول الأعضاء على تصعيد المعركة ضدّ «الدولة الإسلامية». لكن لم تقتنع جميع الدول الأعضاء بهذه الخطة. التفاصيل عرضتها «شبيغل».
من وجهة نظر دونالد ترامب، كان أمين عام حلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ رئيس تحالفٍ أفقده التاريخ أهميته. أوضح الرئيس الأميركي الجديد خلال حملته الانتخابية أنه يعتبر حلف الأطلسي جزءاً من بقايا الحرب الباردة، بمعنى أنه كيان عقيم ومكلف وغير نافع. لكن حين حضر ستولتنبرغ مؤتمراً صحافياً مشتركاً خلال زيارة له للرئيس الأميركي الجديد في البيت الأبيض، لم يثبت أمر في كلامه بغضه لحلف الأطلسي. أدلى ترامب بتصريح مختلف على نحو مفاجئ فقال: «قلتُ إنه تحالف قديم لكنه لم يعد كذلك».

ما الذي تغيّر إذاً؟ ضحك ستولتنبرغ حين طُرِح عليه هذا السؤال قبل أن يضع حزام الأمان بسرعة. كانت طائرة ركاب تابعة للقوات الجوية البلجيكية تمرّ في مدرج مطار روما استعداداً للإقلاع باتجاه بروكسل. قال ستولتنبرغ: «نتعلم درساً جديداً كل يوم. ناقشنا أنا وترامب الخطوات التي يجب أن يتخذها حلف الأطلسي كي يطوّر نفسه لأن العالم تغيّر».

يعني هذا التغيير في المقام الأول أنّ الأوروبيين سيضطرون إلى زيادة إنفاقهم العسكري مستقبلاً، علماً بأن ترامب الجمهوري وستولتنبرغ الديمقراطي الاجتماعي اتفقا حول هذه المسألة. في الأسابيع الأخيرة، نشأ تحالف بين رجلين مختلفين جداً. يبدو أن الرئيس الأميركي الصاخب الذي يفتقر إلى الخبرة في شؤون السياسة الخارجية والأمين العام النروجي المتّزن بدآ يتعاونان الآن ويرغب الاثنان في جمع أموال إضافية دعماً للتحالف.

يزور ستولتنبرغ (58 عاماً) راهناً العواصم الأوروبية لجمع الأموال اللازمة. بدوره يخطط ترامب للسفر إلى أوروبا للمرة الأولى كرئيس الولايات المتحدة، وليست مصادفة أن تشمل أولى زياراته مقر حلف الأطلسي الجديد في بروكسل. إلى جانب مطالبته بأموال إضافية من الدول الأعضاء الأخرى في الحلف، يأمل ترامب أيضاً بأن يؤدي حلف الأطلسي دوراً أكبر في المعركة ضد «الدولة الإسلامية».

مبالغ مالية هائلة

يستهدف هذا التحالف الجديد ألمانيا في المقام الأول كونها تشكّل حتى الآن أقوى اقتصاد بين الدول الأعضاء في حلف الأطلسي داخل أوروبا. قال ترامب للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن ألمانيا تدين بـ«مبالغ مالية هائلة» لحلف الأطلسي.

زار ستولتنبرغ برلين يوم الخميس. قال وهو يسترخي في مقعده الجلدي: «نحن لا نزيد حجم الإنفاق الدفاعي كي نسدي خدمة للرئيس ترامب. بل ننفذ ما وعدنا به خلال قمة ويلز».

رداً على قرار بوتين إلحاق شبه جزيرة القرم بروسيا، اتفق زعماء الدول الأعضاء في حلف الأطلسي قبل فترة طويلة من انتخاب ترامب على زيادة حجم الإنفاق الدفاعي في بلدانهم بنسبة %2 من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات العشر اللاحقة. منذ ذلك الحين، ارتفعت الميزانيات الدفاعية ببطء في عدد من بلدان حلف الأطلسي، لكن لم يكن بعض لقاءات ستولتنبرغ مثمراً، من بينها اللقاء الأخير مع باولو جنتيلوني في روما. أدلى رئيس الحكومة الإيطالي بتصريحات إيجابية عن التحالف، لكنه لم يطلق وعوداً ملموسة. أشاد ستولتنبرغ من جهته بإيطاليا واعتبرها «حليفة حيوية» مع أن هذا البلد لا يزال بعيداً عن الالتزام بالزيادة التي تبلغ نسبتها %2.

اكتفت الولايات المتحدة من الكلام ويريد ترامب أن يرى التزاماً أكثر جدّية وسيطلب من الدول الأعضاء في حلف الأطلسي أن تقدّم كشفاً سنوياً عن إنفاقها الدفاعي وتنشره علناً. رُفِضت هذه الفكرة على نطاق واسع حتى الآن، لكن تهدف خطط أخرى إلى إعداد تقارير دورية حول تطور الميزانيات الدفاعية.

مواقف رافضة في برلين

يبدو أن ألمانيا ليست راضية على الوضع القائم وحاولت وزيرة الدفاع أورسولا فون دير لاين حديثاً أن توضح هذا الموقف لستولتنبرغ. تقابل الاثنان على الفطور في فندق خمس نجوم في مالطا خلال قمة وزراء الدفاع الأوروبيين. جلست فون دير لاين مقابل ستولتنبرغ مباشرةً وأحاط بهما عدد من المستشارين فيما وقف حراس الأمن على الأبواب ووضعوا سماعات.

كان يُفترض أن يركّز اللقاء على قمة حلف الأطلسي المرتقبة مع ترامب وعلى الإنفاق الدفاعي الألماني، لكن أرادت فون دير لاين في البداية أن تتكلم عن كندا. ذكرت أن الأخيرة لا تنفق راهناً أكثر من %1 من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، ما يساوي نصف النسبة المطلوبة. لكن يقدم الكنديون طبعاً معظم الجنود لنشر قوات التدخل السريع التي استقرت حديثاً في لاتفيا لحماية أسطول حلف الأطلسي من التهديد الروسي الذي يجب أخذه بالاعتبار أيضاً.

تريد فون دير لاين أن تضيف إلى خطط ترامب المرتبطة بالتقارير السنوية «لائحة نشاطات» تغطّي جوانب كانتشار القوات الكندية وخدمات مماثلة إلى جانب الميزانيات الدفاعية. في النهاية، يُعتبر الجيش الألماني إحدى أبرز الجهات التي تقدم القوات العسكرية للتحالف في مهام تمتدّ من أفغانستان إلى كوسوفو. كذلك يشارك في بعثات الاتحاد الأوروبي، من بينها بعثة مالي. تعهّد ستولتنبرغ بأن يفكر بهذا الاقتراح قائلاً: «إذا تمكّنا من تحسين طريقة تقييمنا للعمليات، سأكون منفتحاً على تلك الفكرة».

تحديات كبرى

على عكس ستولتنبرغ، كان الأميركيون أكثر صرامة في جهودهم الرامية إلى إنجاح زيارة الرئيس المرتقبة إلى بروكسل. يواجه ترامب ضغوطاً شديدة محلياً ويمكن أن يستفيد من تحقيق انتصار سياسي في بروكسل. كتب دبلوماسي في حلف الأطلسي في وثيقة أرسلها إلى بلده الأم أن التحالف «يواجه تحديات كبرى كي يثبت شفافيته، لا سيما في مسألة انتشاره جنوباً». بعبارة أخرى، لا يسعى ترامب إلى جمع المال بكل بساطة، بل يريد أيضاً أن يعزّز مستوى التزام الدول. خلال قمة حديثة لسفراء حلف الأطلسي، أعلن الأميركيون صراحةً أنهم يريدون أن ينضم حلف الأطلسي رسمياً إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «الدولة الإسلامية».

يتردد بعض الأوروبيين حتى الآن في تنفيذ هذه الخطوة. اعتبر الألمان والفرنسيون أن الدول الأعضاء كافة في حلف الأطلسي تشارك أصلاً في العمليات الحاصلة ضد «الدولة الإسلامية». أرسلت ألمانيا مثلاً طائرة «تورنادو» للقيام باستطلاع جوي في سورية. يظن الأوروبيون أيضاً أن انضمام دول حلف الأطلسي رسمياً إلى التحالف لن يغيّر الوضع، حتى أنه قد يكون سلبياً ويعطي الإرهابيين حجّة لاعتبار هذا التدخل بمنزلة غزو غربي.

من ناحية أخرى، يمهّد طلب واشنطن لإبرام اتفاق محتمل. ربما ينضّم حلف الأطلسي رسمياً إلى العمليات ضد «الدولة الإسلامية»، لكن لن يُطلَب من الدول الأعضاء أن تقوم بأكثر مما تقوم به أصلاً. في المقابل، ستبدي الولايات المتحدة تساهلاً في مطالبتها بزيادة الإنفاق بنسبة %2.

يدرك ستولتنبرغ مدى حساسية الوضع ويحاول بناء الجسور بين مختلف الأطراف: «لا أحد يتوقع أن يشارك جنود حلف الأطلسي في الحرب الأهلية السورية. حتى أنّ هذا الموضوع ليس محطّ نقاش». لكن كانت قوات حلف الأطلسي تُدرّب المقاتلين الذين يحاربون «الدولة الإسلامية» في العراق منذ يناير الفائت ويفكر ستولتنبرغ باحتمال زيادة أعدادها: «بحسب رأيي سيكون تدريب القوات المحلية، كما في العراق وأفغانستان، أحد أفضل الأسلحة لمحاربة الإرهاب». كذلك يفكر التحالف بعدم استعمال «نظام الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً» للقيام برحلات استطلاعية فحسب بل لتحسين طريقة توجيه طائرات التحالف في المجال الجوي السوري. يقول ستولتنبرغ: «ربما نزيد اتكالنا على الطائرات العاملة بنظام الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً فوق تركيا».

جزء من بقايا اعتداءات 11 سبتمبر

بعبارة أخرى، سيبقى الوضع على حاله عموماً، وربما لا يكون هذا التدبير كافياً بالنسبة إلى ترامب. حتى أن الأميركيين أخذوا على عاتقهم مهمة إيجاد أدلة واضحة على مدى جدّية حلف الأطلسي في التعامل مع الحرب على الإرهاب. يخطّط الرئيس للكشف عن منحوتة أمام مقر حلف الأطلسي الجديد لتذكير الأوروبيين بحقيقة الوضع، وهي مصنوعة من أنقاض معدنية مأخوذة من مركز التجارة العالمي: إنه جزء من بقايا الاعتداءات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.

*وبيتر مولر

الأوروبيون يظنّون أن انضمام دول حلف الأطلسي رسمياً إلى التحالف لن يغيّر الوضع

ستولتنبرغ يزور راهناً العواصم الأوروبية لجمع الأموال اللازمة للتحالف
back to top