طريق الموت في أعماق البحر المتوسط!

الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تجنّب أزمة لاجئين جديدة

نشر في 08-05-2017
آخر تحديث 08-05-2017 | 00:04
لاجئون يسابقون الموت في عرض البحر
لاجئون يسابقون الموت في عرض البحر
خلال اجتماع مع كبار المسؤولين الأمنيين في مبنى البرلمان الألماني الأسبوع الماضي، لم يحمل كلام أنجيلا ميركل أي مجاملة. أشادت المستشارة الألمانية بمنطقة الشنغن لأنها تسمح للأوروبيين بالسفر من دون إجراءات على الحدود، لكنها قالت أيضاً إن تلك المنطقة لن تنجح إلا عند حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بالشكل المناسب. بحسب رأيها، تعني منطقة الشنغن أن الدول المجاورة لألمانيا لم تعد تقتصر على النمسا أو بولندا بل باتت تشمل روسيا وتركيا وليبيا.
قالت ميركل إن أزمة اللاجئين عام 2015 علّمتنا «دروساً محورية»، من بينها ضعف تدابير الحماية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، معتبرةً أن الوضع تحسّن جذرياً منذ ذلك الحين «لكننا لم نحقق بعد كل ما نحتاج إليه». من الواضح أن المستشارة محقة للأسف.
ارتفع عدد المهاجرين الذين يعبرون طريق البحر المتوسط الخطير بدرجة ملحوظة منذ بداية السنة ويخشى المسؤولون الأوروبيون أن يتدهور الوضع.
حتى الآن، لم تتمكّن بروكسل من الاتفاق على حل واضح. «شبيغل» تابعت التفاصيل.
تعهدت أنجيلا ميركل بعدم تكرار أزمة اللاجئين التي وقعت منذ سنتين: لن تشهد أوروبا مجدداً تدفق ملايين الناس بذلك المستوى الخارج عن السيطرة. نسمع دوماً أن اتفاق اللاجئين مع تركيا ساري المفعول وأن الأزمة انتهت. لكن ربما يكون هذا الاستنتاج خاطئاً.

مع اقتراب الانتخابات الألمانية في 24 سبتمبر، ستتوقف حملة إعادة انتخاب ميركل على عدم تجدّد أزمة اللاجئين، حتى لو لم تكن بحجم تدفق الناس في عام 2015. لكن في غرب طريق البلقان المغلق، بدأت تنشأ موجة جديدة من توافد المهاجرين منذ بداية السنة. بين 1 يناير و23 أبريل، مرّ 36851 مهاجراً بطريق البحر المتوسط المركزي من شمال إفريقيا إلى إيطاليا. سُجّلت زيادة نسبتها 45% مقارنةً بالفترة نفسها من السنة الماضية التي شهدت مرور عدد قياسي من المهاجرين (181 ألف شخص) عبر البحر المتوسط. تقول إيزابيلا كوبر، المتحدثة باسم الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود «فرونتكس»: «الوضع يدعو للقلق!».

حتى الآن، يبقى معظم القادمين الجدد في إيطاليا. لكن قرّر وزير الداخلية الألماني توماس دو مازيير المنتمي إلى حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي ترأسه ميركل أن يقدّم طلباً، بالتعاون مع المفوضية الأوروبية، للسماح بتوسيع تدابير المراقبة بين الحدود الألمانية والنمساوية بما يتجاوز تاريخ انتهاء صلاحيتها في مايو الجاري. حصل على ذلك الإذن أخيراً وتحدثت المفوضية عن ضرورة إلغاء تدابير المراقبة بحلول نهاية السنة. كذلك يطالب المحافظون الألمان بفرض تدابير مماثلة على حدود البلد مع سويسرا.

حصر تفسير حقوق اللجوء

يعمل الاتحاد الأوروبي راهناً على وضع خطة طارئة لاستباق أي «أزمة جدّية». تركّز النقاشات القائمة على السيناريو الذي يتطلب إعادة توزيع أكثر من 200 ألف لاجئ كل سنة.

يدعو تقرير غير منشور وصادر عن مالطا التي تتولى راهناً رئاسة المجلس الأوروبي بالتناوب إلى حصر التفسير المرتبط بحقوق اللجوء في ظروف مماثلة. بعبارة أخرى، سيكثّف الاتحاد الأوروبي جهوده الرادعة إذا ارتفع عدد المهاجرين الوافدين. لا تزال الاقتراحات المثيرة للجدل بشأن إنشاء مخيمات لاستقبال اللاجئين في شمال إفريقيا قيد النقاش.

يُقدِم معظم الأشخاص الذين يهربون راهناً من بلدان مثل نيجيريا وغينيا وساحل العاج على هذه الخطوة هرباً من الفقر المدقع، على أمل بإيجاد فرص أفضل في أوروبا. لكن يتراجع عدد من يحصلون على حق اللجوء. أدى هذا الواقع إلى تصعيب عملية إعادة توزيع المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي. بموجب القانون الراهن، يُفترض أن يعود من أخفقوا في الحصول على حق اللجوء إلى ديارهم في أسرع وقت ممكن بدل إرسالهم إلى بلدان أوروبية أخرى.

كان الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا محورياً بالنسبة إلى الحل الذي اقترحته ميركل لأزمة اللاجئين بين عامَي 2015 و2016. دعا ذلك الاتفاق تركيا إلى تحسين تدابير المراقبة على ساحل بحر إيجة الذي شكّل جسر عبور نحو طريق البلقان عبر الجزر اليونانية. في الوقت نفسه، امتنع كثيرون عن القيام بهذه الرحلة نتيجة لتشديد سياسة الترحيل التي تقضي بإعادة اللاجئين الذين يبلغون اليونان إلى تركيا. كان ذلك الاتفاق، إلى جانب قرارات إغلاق الحدود، كافياً للتخلي عن ذلك الطريق.

لكن لن تنجح تلك الاستراتيجية مع طريق البحر المتوسط المؤدي إلى إيطاليا، ولن ينجح أيضاً تشديد تدابير مراقبة السواحل أو الترحيل السريع. في النهاية، لا يمكن ترحيل الوافدين إلى أي بلد. يأتي معظمهم من ليبيا التي أصبحت اليوم عبارة عن دولة فاشلة حيث تخوض الحكومة والعشائر وجماعات أخرى متعطشة للسلطة صراعاً متواصلاً.

على نطاق واسع، يُعتبر هذا البلد عاجزاً ويتراجع احتمال نشوء حكومة مستقرة في المستقبل المنظور. لا يتوقع مسؤول في الحكومة الألمانية «نزعات إيجابية» مرتقبة. لكن تتعلق المشكلة الحقيقية بالعجز عن حل مشكلة تدفق اللاجئين راهناً من دون تعاون ليبيا، إذ يبدأ 90% من المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط باتجاه إيطاليا رحلتهم من الساحل الليبي.

لا حلول منظورة

حين تقع «أزمة خطيرة»، تدعو الوثيقة إلى تطبيق «إجراءات قانونية مبسّطة»، ما يعني على الأرجح تطبيق الحد الأدنى من المعايير المذكورة في «اتفاقية جنيف للاجئين».

لن تقدّم الاقتراحات الواردة في الوثيقة أي حل في المستقبل القريب، لذا تحثّ اللجنة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تسريع عمليات الترحيل. في هذا السياق، تشير تقديرات المسؤولين إلى رفض نحو مليون طالب لجوء في عامَي 2015 و2016، ما يعني اضطرارهم إلى العودة إلى ديارهم. لكن منذ عام 2015، لم يُرحَّل ولا حتى نصف ذلك العدد. وتكون العودة إلى البلدان الإفريقية مستحيلة غالباً، بحسب دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: «ترفض البلدان استرجاع مواطنيها أحياناً أو يكون اللاجئون المضطرون إلى الرحيل اختفوا منذ فترة طويلة».

في غضون ذلك، تزداد المطالب في برلين بتشديد تدابير المراقبة على الحدود الألمانية السويسرية. سجّلت الشرطة الاتحادية الألمانية 1880 وافداً غير شرعي عبر الحدود خلال أول ثلاثة أشهر من هذه السنة. ليس هذا العدد ضخماً لكنه زاد بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2016 رغم غياب أي تدابير ثابتة لمراقبة الحدود كتلك المطبّقة على الحدود الألمانية النمساوية. بعبارة أخرى، سيكون العدد الحقيقي للوافدين غير الشرعيين أعلى بكثير على الأرجح.

يقول أرمين شوستر، نائب ألماني من حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»: «إذا استمرّ عدد المهاجرين القادمين عبر البحر المتوسط في التزايد، لن نتمكن من تجنّب تدابير المراقبة على الحدود الألمانية السويسرية». يطالب المحافظ ستيفان ماير بدوره «بتشديد المراقبة على الحدود، ولو بشكل أحادي الجانب عند الحاجة، ومن دون إذن الاتحاد الأوروبي».

تتخذ برلين وبروكسل مجموعة متنوعة من الخطوات لمنع نشوء أزمة لاجئين جديدة، من بينها تكثيف عمليات الترحيل إلى بلدان المنشأ ومراقبة الحدود وتطبيق التدابير اللازمة لمحاربة أسباب الهرب. تعلّمت المستشارة ميركل درساً مهماً بعدما واجهت أصعب أزمة خلال ولايتها: حين يبدأ تدفق المهاجرين بالضغط على حدود أوروبا الخارجية، لا يمكن أن تتجاهل ألمانيا ما يحصل. قالت ميركل في أواخر أغسطس 2016: «نحن الألمان تجاهلنا المشكلة لفترة طويلة».

اليوم، يتكلّم المسؤولون الحكوميون عن الأزمة وكأنها وقعت خلال «فترة لم نكن فيها ندرك حقيقة المشكلة». لكنهم يقولون إنهم تعلّموا درسهم، ويبدو أنهم صادقون. يدرك الجميع حجم المشكلة هذه المرة لكن لا وجود لأي حل منظور حتى الآن.

أرباح وافرة

من دون نشوء دولة فاعلة في ليبيا، لا يمكن فرض تدابير ناجحة لمراقبة الحدود. يغرق الوضع في الفوضى، بحسب التقرير الداخلي الصادر عن بعثة المساعدة الحدودية للاتحاد الأوروبي في ليبيا في أواخر يناير الفائت، علماً بأن هذه البعثة تعمل راهناً من تونس. يذكر التقرير أن تهريب المهاجرين يشكّل مصدر دخل لمنظمات جريمة منظمة تنشط «وسط مخاطر محدودة وأرباح وافرة».

قدّمت الحكومة الليبية إلى الاتحاد الأوروبي لائحة بحاجاتها لتحديث خفر السواحل، فطالبت بـ130 سفينة، بعضها مسلّح، إلى جانب معدات أخرى. لكن تشكك الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود «فرونتكس» بتلك المطالب: قبل إرسال أي معدات، تؤكد الوكالة ضرورة فرض تدابير تضمن ألا تصل إلى جهات خاطئة.

توصّل رئيس الحكومة الإيطالي باولو جنتيلوني إلى اتفاق مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، يقضي بتقديم مساعدات بالملايين لتقوية خفر السواحل الليبي. لكن لا يستطيع السراج أصلاً أن يسيطر على العاصمة طرابلس كلها، إذ يتعاون خفر السواحل الذي تدعمه إيطاليا أحياناً مع مهرّبي المهاجرين.

نظراً إلى استحالة حماية الساحل، تحوّل التركيز إلى إعادة المهاجرين إلى شمال إفريقيا. منذ أشهر، ناقشت الحكومة الألمانية اقتراح إنشاء مخيّمات استقبال، ليس في ليبيا، بل في بلدان مجاورة مثل تونس ومصر، لكنهما رفضتا الاقتراح.

في نهاية المطاف، هل يمكن بناء مخيمات مماثلة في ليبيا إذاً؟

في فترة بعد الظهر من أحد أيام الاثنين، اجتمعت لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الأوروبي لتقييم الوضع في ليبيا التي أصبحت خطيرة لدرجة أنّ مسؤولين حكوميين وموظفي منظمات غير حكومية وسياسيين ما عادوا يشعرون بالأمان الكافي كي يسافروا إلى هناك. دعت اللجنة آن ماري لوف، مديرة العمليات في منظمة «أطباء بلا حدود»، ووجد البرلمانيون صعوبة في النظر إلى الصور التي جلبتها معها.

تخبّط تام

كشفت تلك الصور معسكرات اعتقال مكتظة حيث يفترش الأولاد الأرض ويعاني المهاجرون سوء التغذية وأمراض جلدية، وتظهر على أجسامهم علامات التعذيب. تقول لوف: «أصبح اللاجئون مصدر ربح في ليبيا. إذا قدّمتم لهم أموالاً إضافية، سيزيد الوضع سوءاً».

لكن يخطّط الإيطاليون لتقديم المساعدات المالية فعلاً. يشعر البلد بأن بروكسل تركته وسط تخبّط تام. عشية قمة الاتحاد الأوروبي في مالطا خلال فبراير الفائت، توصلت روما إلى اتفاق مع ليبيا لإنشاء «مخيمات استقبال مؤقتة» يمكن ترحيل اللاجئين إليها. في البداية ستموِّلها من إيطاليا، لكن سيتولى المسؤولون الليبيون وحدهم إدارتها.

ركّز تقرير لوف على الظروف التي يمكن أن تنشأ في مخيمات مماثلة. في هذا المجال يقول مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: «يجب أن يفتّش الأوروبيون المخيمات لضمان الظروف الإنسانية هناك». لكنّ أحداً ليس مستعداً لتولي هذه المهمة لأنها خطيرة جداً بكل بساطة.

بدل تحسين وضع خفر السواحل الليبي، يمكن مراقبة الحدود الجنوبية لمنع المهاجرين من دخول ليبيا. ذكرت تقارير إعلامية حديثة أن بعض المسؤولين في بروكسل بدأوا يتناقشون حول إنشاء بعثة لتنفيذ هذه المهمة. لكن لم تلقَ الفكرة تأييداً واسعاً في عاصمة الاتحاد الأوروبي وتعترض عليها برلين أيضاً. قال أحد المسؤولين الألمان: «لا أظن أن تشكيل بعثة مراقبة أوروبية خيار واقعي في الوقت الراهن».

يتعلّق أحد الأسباب حتماً بتحديات سترافق تلك الخطوة. تمتدّ حدود ليبيا الجنوبية على 1500 كلم وتمرّ بصحراء حارّة للغاية تسيطر عليها عشائر محلية. لكن يؤيد وزير خارجية اللوكسمبورغ جان أسلبورن تطبيق هذه الاستراتيجية رغم المصاعب المطروحة: «يجب أن تساعد أوروبا ليبيا للسيطرة على حدودها الجنوبية لأنها تشكّل بوابة الهجرة إلى أوروبا. لا تبدأ المشكلة عند توجّه اللاجئين إلى البحر».

توافقه الرأي مونيكا هولماير، نائبة في البرلمان الأوروبي عن «الاتحاد الاجتماعي المسيحي»، الحزب البافاري الشقيق لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي ترأسه ميركل، وتقول: «يجب أن نوقف اللاجئين قبل أن يبلغوا الصحراء. إنها حلقة مفرغة: كلما أنقذنا الناس في البحر المتوسط، سيزيد عدد اللاجئين الذين يقعون في قبضة شبكة التهريب أو يموتون على الطريق».

توصلت الوثيقة التي أصدرها «المركز الأوروبي للاستراتيجية السياسية» (منظمة بحثية يديرها رئيس اللجنة جان كلود جانكر) إلى الاستنتاج نفسه. حين اكتفت أوروبا بإنقاذ المهاجرين الذين يواجهون مصاعب في عرض البحر، «شجّعت المهربين عن غير قصد على تبني استراتيجيات جديدة تُمكّنهم من حصد منافع إضافية تزامناً مع تعريض المهاجرين لمخاطر متزايدة» بحسب مضمون الوثيقة التي نُشرت في فبراير الفائت.

معاملة وحشية

ذكرت وكالة «فرونتكس» أن مهرّبي المهاجرين أصبحوا في الفترة الأخيرة عديمي الضمير أكثر من أي وقت مضى، إذ بدأوا مثلاً بجمع حتى 170 شخصاً في طوافات قابلة للنفخ مع أنها تعجز عن نقل أكثر من 15 راكباً كحد أقصى. وللأسف، سبق ومات أكثر من ألف مهاجر أثناء محاولة بلوغ إيطاليا هذه السنة.

تكلّم المهاجرون الذين أُنقذوا مع المسؤولين في وكالة «فرونتكس» عن المعاملة الوحشية التي استعملها المهربون، موضحين أن كل من يرفض ركوب الزوارق المكتظة في ليبيا يُجبَر على الصعود تحت تهديد السلاح. حتى أن البعض تعرّض لإطلاق النار أو القتل. كذلك تقول المتحدثة باسم «فرونتكس»، إيزابيلا كوبر، إن وكالة مراقبة الحدود عثرت في مناسبات متكررة على مهاجرين يحملون إصابات ناجمة عن طلقات نارية من بين الأشخاص الذين أنقذوا في البحر المتوسط.

إنها معضلة كبيرة: لا يستطيع الأوروبيون أن يقفوا على الهامش إزاء ارتفاع أعداد الغارقين في البحر المتوسط. لكن كلما ازدادت المنظمات غير الحكومية التي تسحب الناس من الماء، سيستفيد المهربون من المساعدات التي تقدّمها. يتذمّر كبار المسؤولين الألمان من الوضع لأن هذا المكان أصبح أشبه «بسيارة أجرة نحو أوروبا» وزاد الدوافع التي تُشجّع الناس على تحمّل مجازفات الرحلة.

ذهب السلك القضائي الإيطالي إلى حدّ اتهام منظمات الإغاثة بالتشجيع على تهريب البشر. حتى أن النائب العام كارميلو زوكارو الذي يعمل في «كاتانيا»، صقلية قال: «لدينا إثبات على حصول تواصل مباشر بين المنظمات غير الحكومية وبين مهرّبي المهاجرين في ليبيا. تحصل المكالمات الهاتفية من ليبيا مع تلك المنظمات مباشرةً وتُستعمَل أضواء خاصة لتوجيه سفنهم».

طوال سنوات، كانت إيطاليا أحد البلدان الأوروبية الأكثر تأثراً بموجة تدفق اللاجئين. تواجه الحكومة في روما، بقيادة باولو جنتيلوني، ضغوطاً هائلة في هذا المجال. أصبحت الفنادق الرخيصة مكتظة بدرجة مفرطة، واندلعت احتجاجات عنيفة ضد القادمين الجدد في بعض المناطق الإيطالية، وسلّط السياسيون الشعبويون الضوء على هذه المشكلة قبل الانتخابات البلدية المرتقبة. مثلاً، يتحدث رئيس حزب «رابطة الشمال» اليميني الشعبوي عن ضرورة «ردع الغزاة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين»، واللافت أن حزبه يحصد راهناً نحو 13% في استطلاعات الرأي الوطنية. في الوقت نفسه، عمد نائب رئيس مجلس الشيوخ لويجي دي مايو من «حركة خمس نجوم»، أقوى حزب سياسي في البلاد، إلى مهاجمة المنظمات غير الحكومية التي تنقذ اللاجئين من الغرق في البحر.

تضامن ظاهري

أطلقت الحكومة الإيطالية تدابير متنوعة في محاولة للسيطرة على الوضع لكنها لم تكن كافية لمنع وصول وافدين جدد. قبل فترة قصيرة من عيد الفصح الأخير، سارعت روما إلى إصدار مرسوم يسمح بتسريع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين. يسعى رئيس الحكومة جنتيلوني ووزير الخارجية أنجيلينو ألفانو إلى توقيع اتفاقيات مع أهم بلدان المنشأ وبلدان العبور في إفريقيا. في الفترة الأخيرة، حصل رئيس النيجر مثلاً على وعدٍ بتلقي 50 مليون يورو خلال زيارة قام بها إلى العاصمة الإيطالية في مقابل تشديد تدابير المراقبة على حدود بلده مع ليبيا.

لا يتوقّع الإيطاليون حصول إنجاز سريع على مستوى توزيع اللاجئين في أنحاء أوروبا، إذ أثبتت التطورات في السنوات الأخيرة أن هذا التضامن يبقى ظاهرياً. في عام 2015، تعهّدت دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي بأخذ 160 ألف لاجئ من إيطاليا واليونان. لكن أُعيد توزيع 16 ألف منهم فقط حتى الآن.

خلال اجتماع على الفطور أخيراً، درس سفراء الاتحاد الأوروبي من 28 دولة عضو تسوية تمتدّ على ست صفحات كان طرحها رئيس المجلس بقيادة مالطا وتحمل اسم «عنصر التضامن لإصلاح نظام دبلن». تطرح الوثيقة نظاماً يفرض على أوروبا أن تقسم مستويات الهجرة إلى ثلاث فئات: تدفق عادي للاجئين، وزيادات قوية، وتدفق هائل مسؤول عن الأزمة. بينما ركزت المحادثات بشكل أساسي على الفئة الثانية، صُنّفت الفئة الثالثة تحت عنوان «أزمة خطيرة».

تصرّ ألمانيا من جهتها على أن يستقبل أكبر عدد ممكن من البلدان الأوروبية اللاجئين. لتشجيع بلدان مثل المجر وبولندا على قبول هذه الخطة، انطلقت نقاشات حول آلية التعويض التي ستشمل حوافز مالية لاستقبال اللاجئين، ستتلقى البلدان التي تستقبل عدداً يفوق حصتها الأصلية 60 ألف يورو عن كل لاجئ خلال خمس سنوات، بينما ستدفع البلدان التي لا تلتزم بحصتها المبلغ نفسه.

كشرط إضافي، يذكر الاقتراح احتمال تعليق آلية التوزيع حين تبرز الحاجة إلى استقبال عدد يفوق عتبة معينة في السنة: يتداول المسؤولون راهناً بعدد 200 ألف لاجئ. لكن وُضِع هذا التدبير بين قوسين في الوثيقة. إنها طريقة الاتحاد الأوروبي كي يقول إن النقاش لم ينتهِ بعد.

لا حلول منظورة

حين تقع «أزمة خطيرة»، تدعو الوثيقة إلى تطبيق «إجراءات قانونية مبسّطة»، ما يعني على الأرجح تطبيق الحد الأدنى من المعايير المذكورة في «اتفاقية جنيف للاجئين».

لن تقدّم الاقتراحات الواردة في الوثيقة أي حل في المستقبل القريب، لذا تحثّ اللجنة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تسريع عمليات الترحيل. في هذا السياق، تشير تقديرات المسؤولين إلى رفض نحو مليون طالب لجوء في عامَي 2015 و2016، ما يعني اضطرارهم إلى العودة إلى ديارهم. لكن منذ عام 2015، لم يُرحَّل ولا حتى نصف ذلك العدد. وتكون العودة إلى البلدان الإفريقية مستحيلة غالباً، بحسب دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: «ترفض البلدان استرجاع مواطنيها أحياناً أو يكون اللاجئون المضطرون إلى الرحيل اختفوا منذ فترة طويلة».

في غضون ذلك، تزداد المطالب في برلين بتشديد تدابير المراقبة على الحدود الألمانية السويسرية. سجّلت الشرطة الاتحادية الألمانية 1880 وافداً غير شرعي عبر الحدود خلال أول ثلاثة أشهر من هذه السنة. ليس هذا العدد ضخماً لكنه زاد بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2016 رغم غياب أي تدابير ثابتة لمراقبة الحدود كتلك المطبّقة على الحدود الألمانية النمساوية. بعبارة أخرى، سيكون العدد الحقيقي للوافدين غير الشرعيين أعلى بكثير على الأرجح.

يقول أرمين شوستر، نائب ألماني من حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»: «إذا استمرّ عدد المهاجرين القادمين عبر البحر المتوسط في التزايد، لن نتمكن من تجنّب تدابير المراقبة على الحدود الألمانية السويسرية». يطالب المحافظ ستيفان ماير بدوره «بتشديد المراقبة على الحدود، ولو بشكل أحادي الجانب عند الحاجة، ومن دون إذن الاتحاد الأوروبي».

تتخذ برلين وبروكسل مجموعة متنوعة من الخطوات لمنع نشوء أزمة لاجئين جديدة، من بينها تكثيف عمليات الترحيل إلى بلدان المنشأ ومراقبة الحدود وتطبيق التدابير اللازمة لمحاربة أسباب الهرب. تعلّمت المستشارة ميركل درساً مهماً بعدما واجهت أصعب أزمة خلال ولايتها: حين يبدأ تدفق المهاجرين بالضغط على حدود أوروبا الخارجية، لا يمكن أن تتجاهل ألمانيا ما يحصل. قالت ميركل في أواخر أغسطس 2016: «نحن الألمان تجاهلنا المشكلة لفترة طويلة».

اليوم، يتكلّم المسؤولون الحكوميون عن الأزمة وكأنها وقعت خلال «فترة لم نكن فيها ندرك حقيقة المشكلة». لكنهم يقولون إنهم تعلّموا درسهم، ويبدو أنهم صادقون. يدرك الجميع حجم المشكلة هذه المرة لكن لا وجود لأي حل منظور حتى الآن.

التجارب السابقة أثبتت أن المهاجرين لا يركبون القوارب إلا بعدما يهدأ البحر

برلين وبروكسل تكثفان عمليات ترحيل اللاجئين إلى بلدان المنشأ

قالت ميركل في أواخر أغسطس 2016: نحن الألمان تجاهلنا المشكلة فترة طويلة
back to top