ما قــل ودل: البرلمان المصري ومحاولة تركيع القضاء

نشر في 30-04-2017
آخر تحديث 30-04-2017 | 00:15
 المستشار شفيق إمام زيارة البابا تواضروس للكويت

دعاني الأب بيجول راعي كنيسة الأقباط الأرثوذكس بالكويت إلى حفل العشاء الذي أقيم على شرف البابا تواضروس الثاني أثناء زيارته للكويت، والذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو الأمير، فكان حفلا رائعا، سبقه برنامج حافل لقداسته، حيث التقى صاحب السمو الأمير بقداسته، كما زار كلا من مجلس الأمة ودار الآثار الإسلامية ودار الأوبرا وغيرها من معالم الكويت، فتحية إجلال وتقدير لصاحب السمو، على هذه الرعاية الكريمة لضيف الكويت الكبير.

وقد ضم الحفل الكثير من الشخصيات العامة من مختلف التوجهات والأطياف والألوان، والتي قلما تجتمع في حفل واحد، فالبابا تواضروس الثاني هو رمز ديني عالمي، يدين له بالتبعية الدينية الأقباط الأرثوذكس في أنحاء العالم كافة.

مصر منارة الفكرين الإسلامي والمسيحي

كذلك فإن البابا رمز مصري وطني، فهو بابا الكرازة المرقسية بالإسكندرية، مركز الإشعاع الفكري المسيحي لطائفة الأقباط الأرثوذكس في العالم كله، مثلما يعتبر الأزهر الشريف مركز الإشعاع الفكري الإسلامي في العالم، فجمعت مصر بين هذين المركزين، لتكون وحدها منارة الفكرين الإسلامي والمسيحي.

وأزعم أن مكانة البابا تواضروس الثاني في البلاد ذات الأغلبية المسيحية لا تقل عن مكانه شيخ الأزهر في الدول الإسلامية، وأذكر في هذه المناسبة أن رئيس باكستان الراحل الجنرال محمد ضياء الحق قد استقبل الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الراحل د. عبدالحليم محمود على سلم الطائرة في المطار، وفعل الشيء ذاته رئيس إندونيسيا جوكو ويدودو عندما استقبل الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب.

بالرغم من أن البروتوكول والأعراف الدستورية تقصر هذا الأمر على رؤساء الدول، وقد علل رئيس الباكستان الأمر لمرافقيه بأن العالم يحفل بما يقرب من مئتي رئيس دولة أما الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر فهو إمام واحد.

أزمة البرلمان والقضاء في مصر

ويمضي البرلمان المصري قدما في خطته لتركيع القضاء بالتدخل في سير العدالة، من خلال تعديل قوانين الهيئات القضائية، لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية ليختار رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم سبعة مستشارين في كل هيئة، وهو ما ينطوي على التدخل في سير العدالة، في كل من مجلس الدولة والقضاء العادي، فهؤلاء يترأسون أعلى المحاكم في هذين القضاءين، وقد أريد بهذا القانون تحويلهم إلى رهائن تطلعهم لهذا المنصب قبل خلوه، ورهائن لتقارير الأجهزة الأمنية عنهم، التي ستصبح معيار الاختيار لهذا المنصب بدلا من معيار الأقدمية (من مقال لي على هذه الصفحة في 2/ 4/ 2017).

وقد تم التصديق على هذا التعديل وإصداره ونشره في عدد خاص به في الجريدة الرسمية يوم الخميس الماضي، مع العمل به في اليوم ذاته!

الحنين إلى الماضي

وكنت قد وعدت القارئ في نهاية المقال سالف الذكر أن أتناول الاقتراح بقانون بخفض سن تقاعد رجال القضاء، الذي لوح به النائب عبدالعاطي حامد وقتئذ لتهديد رجال القضاء، وهو ما استعدت معه عنوانا أعجبني لمقال أعجبني كذلك، كتبه الكاتب الكبير ياسر عبدالعزيز على هذه الصفحة هو "الحنين إلى عصر مبارك"، والذي أبدى فيه توجسه خشية أن يأتي اليوم الذي نشعر فيه بالحنين إلى عصر مرسي.

ذلك أنه في نهاية حكم مرسي، قدم حزب الوسط حليف حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، مستغلاً الأغلبية البرلمانية للتيار الإسلامي في مجلس الشورى، مشروع قانون إلى البرلمان بتخفيض سن تقاعد القضاة من السبعين إلى الستين، للالتفاف على حكم الدستور بعدم قابلية القضاة للعزل. إلا أن برلمان الإخوان المسلمين لم يستطع تمرير هذا القانون أمام اعتراض الهيئات القضائية، بالسرعة التي يمرر بها رئيس مجلس النواب الحالي، د. علي عبدالعال القوانين، إلى أن سقط النظام كله في 30 يونيو سنة 2013.

ويقع هذا المشروع بتخفيض سن تقاعد رجال القضاء في حومة مخالفة الدستور، من النواحي الآتية:

1- عدم قابلية القضاة للعزل:

وتنص المادة (186) من الدستور الحالي على عدم قابلية القضاه للعزل، وهو الحكم الذي كان ينص عليه دستور 1971. وكان تقرير هذه الضمانة في إنكلترا لأول مرة في عام 1701 كما قررها دستور الولايات المتحدة الأميركية سنة 1787، وقررها في فرنسا مرسوم ملكي صدر في أكتوبر سنة 1664، ثم توارى هذا المبدأ مع قيام الثورة الفرنسية إلى أن عادت دساتير الثورة لتنص عليه. وغني عن البيان أن عدم قابلية القضاة للعزل، ليس امتيازاً للقاضي بقدر ما هي في المقام الأول حماية للعدالة، وتوفير الاطمئنان للقضاء لحمايته من تأثير أي سلطة عليه وتدخلها، وهو ضمانة حرصت كثير من الدساتير الحديثة على تقريرها، بعد حقبة طويلة من الزمن، كانت هذه الضمانة غائبة أمام قوة السلطة السياسية.

2- حظر تغيير سن تقاعد القضاة الشاغلين

في القانون الدولي:

وتحظر المادة (18) من الفصل الثالث من مشروع الإعلان العالمي لاستقلال القضاة، الذي وضعته الجمعية العامة للأمم المتحدة، تغيير سن التقاعد بالنسبة إلى القضاة المباشرين دون موافقتهم، انطلاقا من أن تخفيض سن تقاعد القضاة، يهدر الضمانة الجوهرية للقضاة في عدم قابليتهم للعزل، ذلك أن عدم قابلية القضاة للعزل يعتبر من أولى الضمانات التي تحيط بها الدساتير الحديثة استقلال قضائها، فهو قضية كونية، تعقد المؤتمرات برعاية الأمم المتحدة لتعزيزها وتأكيدها، لأن القضاء هو الحصن الحصين لصون لحقوق والملاذ الأمين لحماية الحريات.

3- انحراف السلطة التشريعية:

كما يكشف مشروع القانون بخفض سن التقاعد عن انحراف السلطة التشريعية، في استخدام صلاحياتها في تقرير القوانين لغير المصلحة العامة، التي تتأبى على التضحية بالخبرات المتراكمة في رجال القضاء، وذلك لتحقيق أغراض البرلمان في محاولته المستمرة تركيع رجال القضاء، عقابا لمجلس الدولة على إصداره أحكاما لم ترض البرلمان، واعتبرها البرلمان توغلا على اختصاصه في إقراره للمعاهدات الدولية، في الوقت الذي اعتبرها مجلس الدولة جزءاً من رقابته لمشروعية قرار السلطة التنفيذية بالتوقيع على معاهدة مخالفة للدستور.

4- مشروع القانون منعدم:

ويعتبر هذا القانون الذي انحرفت السلطة التشريعية إلى أغراض خاصة منعدما وفاقدا لكل مقومات وعناصر القانون، وهو ما قضت به محكمة النقض، في حكم أصدرته بجلسة 21/ 7/ 1972 بإلغاء القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 الذي عزل 169 قاضيا، باعتباره منعدما، وغير قائم على أساس من مبدأ المشروعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر.

back to top