تداعيات الإخفاق السياسي على الاقتصاد العالمي الهش

نشر في 28-04-2017
آخر تحديث 28-04-2017 | 22:00
مستقبلاً، سوف تضطر البنوك المركزية إما إلى إجراءات غير تقليدية غالباً أو إلى سياسة مالية قادرة على تحمل أعباء الطلب المتزايد، وفي الحالتين سوف تحتاج الدول إلى صناع سياسة أكفاء يتمتعون بثقة الناخبين ومعزولين عن متاعب السياسة اليومية.
 بلومبرغ • قال صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد العالمي بدأ يشهد زخماً في الآونة الأخيرة، وقد يكون ذلك صحيحاً وينطوي على درجة من التشجيع لا يمكن انكارها، ولكن يوجد قدر من التباين الذي ينذر بالشؤم بين هذا التوسع الاقتصادي وبين ما يدعى "الشك السياسي" وحالة عدم اليقين، وهو ما يتمثل في الجهد الناجم عن الزيادة الجلية في الخطوات المعادية للتجارة والأسواق والهجرة.

وربما يكون هذا "الشك" مقدمة تمهد لحدوث البعض من السياسات السيئة بدرجة خطيرة، وهي كافية لاخراج دولة أو أكثر عن المسار وتعثر التوسع العالمي، وثمة خطر آخر أيضاً وهو أقل وضوحاً ولكنه ليس أقل أهمية ويتمثل في احتمال حدوث سوء أداء مزمن، وحتى اذا لم تتمكن السياسات الجديدة من خفض السقف فهي تهدد بكبح السياسات الطويلة الأجل التي من شأنها تطوير وتحسين النمو الاقتصادي.

وتجدر الإشارة الى أن التوسع الراهن يتسم بدرجة جلية من الثبات ولكنه ليس كبيراً أو لافتاً، وبحسب التوقعات الجديدة التي صدرت عن صندوق النقد الدولي فإن الانتاج العالمي سوف يرتفع بنسبة تراوح بين 3 في المئة و 4 في المئة في هذه السنة وفي السنة المقبلة، وهي نسبة أفضل بصورة طفيفة عن حصيلة عام 2016 على أي حال.

واللافت أن المستثمرين لم يشعروا بخوف حتى الآن من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب البلاغية المعادية للسوق أو من تداعيات قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي – البريكست – أو أي من المصادر الجديدة الاخرى التي قد تفضي الى حالة عدم استقرار على صعيد عالمي، وطبعاً يمكن أن يتغير هذا الوضع خلال فترة قصيرة من الزمن.

استمرار المشكلة

ولكن على الرغم من ذلك كله، وحتى اذا سار كل شيء على ما يرام توجد مشكلة قائمة، وتتمثل هذه المشكلة في توجه الدول المتقدمة والناشئة نحو نموذج من النمو محبط ومخيب للآمال بحسب المقاييس التاريخية، ويعني هذا التقصير والفشل استمرار الفقر وتقلص الفرص وركود الدخل بالنسبة الى مئات الملايين من الناس، كما أن من شأن ذلك المساعدة على تفسير الحالة السياسية الراهنة بصورة عامة.

ثم إن هذا التباطؤ الطويل الأجل بدأ يبدو كأنه قد أصبح دائماً، كما أن نمو الانتاجية يسير نحو الضعف في العديد من الدول المتقدمة، نتيجة ضغوط ناجمة عن عوامل ديمغرافية اضافة الى قلة الابتكارات والقوى المؤثرة الاخرى، ثم جاء الانهيار وبعد حوالي عقد من الزمن على تلك الأزمة لم تتمكن الدول من التخلص من تداعياتها، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت شركات الاقراض والمستثمرين أكثر حذراً كما ازدادت ديون الحكومات بشدة كبيرة ولا تزال البنوك المركزية تكافح من أجل مواجهة سياسة نقدية غير تقليدية.

السياسة الاقتصادية البارعة

جدير بالذكر أنه لا يزال في وسع السياسة الاقتصادية البارعة المساعدة على زيادة عملية النمو في الأجل الطويل، ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب في المقام الأول القيام بإجراء ذكي هادف من النوع الذي تجعله السياسات الجديدة أكثر صعوبة الى حد كبير.

ولا بد من الاشارة الى أنه لا توجد طرق اصلاح سريعة لهذا الوضع الذي يستدعي تطوير وتحسين الابتكار والتركيز على رأس المال البشري من خلال تحسين المدارس وتوسيع القدرة على بلوغ درجة أعلى من التعليم، ووضع برامج تساعد العمال على اعادة التموضع في مختلف المناطق والصناعات، اضافة الى انشاء بنية تحتية مختارة بعناية وتشجيع المنافسة، وكل هذه الأشياء تحتاج الى العديد من السنين كي تحقق النتائج المرجوة، وهذا يتطلب بالتالي درجة من الصبر الذي تفتقر إليه العامة.

وثمة أمر آخر، هو أن النمو الفاتر المستمر مسألة صعبة بالنسبة الى البنوك المركزية بصورة خاصة لأنه ينطوي على معدلات فائدة متدنية بقدر مماثل؛ ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كانت معدلات الفائدة العادية، وهي التي يتوقع أن تسود خلال التوظيف التام، تصل إلى حوالي 4 في المئة، أما في الوقت الراهن فهي عند 2 في المئة أو أقل من ذلك، وهذا يعني أن مجلس الاحتياطي الفدرالي سوف يتمتع بدرجة أقل من القدرة على خفض معدلات الفائدة عندما يحدث الركود من جديد، ويجعل هذا الحال استقرار الاقتصاد الكبير أكثر صعوبة في التحقيق، وينسحب المنطق ذاته على معظم الدول المتقدمة الاخرى.

وفي المستقبل سوف تضطر البنوك المركزية إما الى اللجوء الى اجراءات غير تقليدية في أغلب الأحيان، أو الى سياسة مالية قادرة على تحمل المزيد من أعباء الطلب المتزايد، وفي الحالتين سوف تحتاج الدول الى صناع سياسة أكفاء يتمتعون بثقة الناخبين ومعزولين عن متاعب السياسة اليومية.

وأخيراً، جيد أن يكتسب الاقتصاد العالمي زخماً، ولكن لا تتوقعوا حدوث معجزات.

*Conor Sen

بحسب التوقعات الجديدة الصادرة عن صندوق النقد فإن الإنتاج العالمي سيرتفع بين 3 و4% السنتين الحالية والمقبلة
back to top