حبر و ورق

نشر في 29-04-2017
آخر تحديث 29-04-2017 | 00:00
No Image Caption
المتحضر

كان دافع «فاضل»، بجانب الحنين إلى زيارة مدرسته الثانوية، بعد التحاقه بكلية التجارة جامعة القاهرة في عام 1963، هو الاطمئنان على الأستاذ «متحضر».. لم يجده في المدرسة، أخبره عم «منصور» البواب أنه قدم استقالته، لأن المدرسة باعت ملاعبها، لتقيم عليها مدرسة أخرى منشآتها. اعتبر متحضر فعل إدارة المدرسة اعتداءً صارخاً على حقوق التلاميذ والأساتذة وأولياء الأمور. لم يكن اسمه الحقيقي «متحضر»؛ ذلك ما أطلقه عليه التلاميذ، والسبب أنه في بداية السنة التي التحق فيها أستاذ «أمل» بالمدرسة كمدرّس لمادة التاريخ في المرحلة الثانوية، ذكر في كلمته الافتتاحية أن خارج المدرسة محيط يسمى مجتمعاً. وأنه يترك لهم حرية الاختيار، حيث يمكنهم، لو شاؤوا، أن يكونوا ذوي مكانة اجتماعية عالية من خلال أن يكونوا متحضرين، ويمكنهم كذلك أن يحصلوا على المكانة نفسها، لو غدوا أراجوزات. وأنه قد جاءهم لتعليمهم كيف يكونون متحضرين، أما إذا رغبوا الثانية فهناك أماكن عديدة قريبة خلف المدرسة، في الشوارع والأزقة الجانبية، يمكنها تعليمهم أسرار الاختيار الثاني بسهولة ويسر.

شيء ما قد يجذب الإنسان بقوة نحو الأشياء، أو الأماكن، كذلك الحال نحو الأشخاص. لقد أثار الأستاذ «أمل»، أو «متحضر»، كما يسميه زملاء الفصل، الكثير من علامات الاستفهام في ذهن فاضل منذ يومه الأول في المدرسة، بيد أنه في نهاية إحدى حصصه، وبعد أن أذن للتلاميذ بالانصراف، خصه بالاسم للبقاء في مكانه!

اقترب «متحضر» بقامته الشامخة من فاضل متسائلاً، وابتسامة خفيفة تعلو شفتيه:

– أراك لا تشاركنا مناقشاتنا؟!

أجاب فاضل باندفاع:

– لم أكن الصامت الوحيد!

قال:

– نعم أعرف ذلك، ولا أنتقدك، ولكنني راغب في معرفة السبب؟

فأجابه «فاضل» بعد أن أحس أن لا مجال إلا المصداقية مع هذا الرجل:

– لم يكن لدي ما أقوله، فلذت بالصمت.

ابتسم «متحضّر» ومد بصره إلى فناء المدرسة الرملي الواسع، ثم التفت نحو فاضل قائلاً:

– أريدك أن تسرع بإحضار زجاجتين من المسيو «جورج» مسؤول مقصف المدرسة، أبلغه أن هذا هو طلبـي، وعد بهما دون تأخير، ولكن بعد أن تملأ واحدة منهما بالماء، وتترك الأخرى خاوية.

وعندما فعل ما أمره به، سأله أن يسقيه، فمد فاضل له يده بالزجاجة المليئة بالماء، فقال متحضر متسائلاً:

– ولماذا ليس الزجاجة الأخرى؟

أجاب فاضل بعفوية:

– ولكن الأخرى فارغة يا أستاذ!

علّق متحضر، وقد عاد ينظر إلى التلاميذ في الفناء الرملي الواسع:

– هذا سبب إبقائي لك في الفصل بعد انصراف زملائك.. اقرأ يا بني حتى لا تظل صامتاً. والآن انصرف واحرص أن تملأ زجاجتك.

كان «متحضر» بالنسبة إلى «فاضل» رجلاً فريداً، يشعر دائماً نحوه وكأنه حديقة غناء تدعوه لفهم الحياة دون تكلف.

أقدم فاضل ذات يوم على سؤاله:

– لماذا أخبرتنا بأنك قد جئت تعلمنا التحضر، بينما في الواقع حضرتكم مدرّس لمادة التاريخ؟!

بصدر رحب لتلبية طلب كل من يريد الاستزادة من معارفه أجاب:

– لأنك حتى تكون متحضراً لا بد لك أن تعرف التاريخ أولاً.

ولما كان الوقت فسحة بين حصتين، فقد دعا «متحضر» «فاضلاً» للسير حول ملعب كرة القدم ذي العشب الأخضر النضر حيث سأله:

– هل تعرف معنى كلمة تاريخ؟

قال «فاضل» باندفاع:

– نعم الأحداث التي وقعت في الماضي.

سأله مرة أخرى:

– والتحضّر ما معناه؟

قال «فاضل» بما أسعفه به خياله من الأفلام الأجنبية التي يتابعها بشغف على الشاشة:

– مِثل أمريكا والدول المتقدمة.

قال «متحضّر» بشيء من الدهاء المحمود:

– هل تقصد «التحضّر» أم الحضارة؟

لاذ «فاضل» بالصمت، فأوضح «متحضّر» الأمر ببساطة:

– الحضارة ما نعايشها من تقدم تكنولوجي مبهر، أما التحضر فهو الفكر والفعل اللذان يستهدفان شعور الإنسان بالأمان والتطور والكفاية والعدل. الفروق شتى بينهما! ولكنهما متلازمان، وكلاهما أساسيان لحياتنا.

تذكر فاضل بداية حديثه فسأله:

– ولكن أين التاريخ في كل ذلك؟

أجاب بانشراح:

– لا وجود للتاريخ دون الحضارة... لأن التاريخ بحد ذاته... إنما هو تاريخ الحضارة.

توجه «فاضل» إلى حي «شبرا» حيث كان يقطن «متحضر». كانت أول زيارة له لهذا الحي العريق لتلبية دعوة من «متحضر» لتناول الغداء في شقته في الدور السادس من عمارة قديمة متهالكة. كان مدخل «شبرا» أكبر أحياء القاهرة سكاناً، نظيفاً وبراقاً. وبحسب ما أسعفه به خياله المتهالك، كانت الشوارع خالية وواسعة، وقد أخبره «متحضر» بأن معنى اسمها باللغة القبطية هو العزبة أو القرية.

كان الصعود على السلالم حتى الدور السادس في عمارة «متحضر»، سهلاً وميسوراً لمن هم في سنه، ولكنه حار في تفسير قدرة «متحضر» على صعود ونزول السلالم يومياً، وربما لعدة مرات، واستخدامه المواصلات العامة للتنقل ما بين منزله والمدرسة الكائنة بمصر الجديدة، في بداية الطريق إلى مطار القاهرة الدولي.

قال «متحضر» بشكل مفاجئ بعد أن جمعتهما شرفة شقته الواسعة مع زوجته «ليلى» التي تعمل كمترجمة للغة الفرنسية، كلمات لم ينسها عمره كله، لعمقها ومشاعر الصدق التي واكبتها:

– لعلك تتساءل لماذا دعوتك شخصياً، لزيارة شقتي المتواضعة، والتعرف إلى أسرتي الصغيرة؟ إجابتي هي: إن الله لم يرزقني وليلى، بالذرية، لكنني منذ أن قابلتك للمرة الأولى أحسست وكأنك ابناً لم أنجبه.

ساد الصمت تماماً بينهما، ما دفع فاضل لسؤاله وكأنه قد أدرك بهاجس مجهول، مبلغ تأثر الأستاذ بما يقول:

– لعل هذه فرصة نواصل فيها حديثنا حول التحضر والتاريخ، الذي بدأناه أثناء سيرنا حول ملعب كرة القدم في المدرسة، بداية الأسبوع الماضي.

لم يعلّق «متحضر» على ما قاله فاضل، وكأنه لم يسمعه قط. وعلى النقيض سأله عما فعله بالأمس، بعد نهاية اليوم الدراسي.

أجابه «فاضل» بشيء من الدهشة:

– عدت إلى البيت.

فقاطعه متسائلاً:

– متى عدت؟

فأجابه:

– حوالى الثانية بعد الظهر.

توقف «فاضل» لوهلة ثم استطرد قائلاً:

– تناولت طعام الغداء، وغفوت قليلاً، قبل أن أشرع في حل الواجبات المنزلية.

عندها قاطعه «متحضر» ليسأله مجدداً:

– متى كان ذلك؟

أجابه فاضل:

– حوالى الساعة الخامسة والنصف.. سارعت بالتوجه إلى الحديقة المجاورة، حيث كان أصدقائي بانتظاري مع زجاجات المياه الغازية، والسميط، والجبنة الرومي، وأكياس اللب والسوداني المحمص.

سأله متحضر، للمرة الرابعة، عن مشاعره خلال جلوسه مع أصدقائه في الحديقة، وما مر بهم من أحداث، وبعد أن أجابه «فاضل» على أسئلته المتعددة علّق «متحضر» قائلاً:

– لو قمت الآن بتسجيل ووصف ما قمت به بالأمس يا «فاضل»، ثم حللت أفعالك وسلوكياتك، بشكل محايد وموضوعي، بعيداً عن الذاتية، وبما يتفق مع مجموعة آرائك وأفكارك وما تؤمن به، تكون قد توصلت إلى حقائق وقواعد، تساعد على فهم كيفية تمضية يومك الحاضر، والتنبؤ بملامح ما قد تقوم به في الغد.. ذلك هو التاريخ!

بعد تناول طعام الغداء، ذهب «فاضل» برفقة «متحضّر» للتنزه سيراً على الأقدام، في شارع «الجسر» المظلل بالأشجار الكثيفة في الحيّ نفسه، عندها مر إلى جوارهما «قرداتي» يصطحب معه قرداً ذا مؤخرة حمراء قانية.

سأل «فاضل» «متحضر» مازحاً:

– هل هذا هو أصلنا؟

ابتسم «متحضر» وفكّر ملياً ثم قال:

– هناك بعض الأسئلة التي تكون بطبيعتها شائكة، وهذه واحدة منها. فأصل الحياة مفهوم له ارتباطات مع الدين والفلسفة وكافة المعتقدات، وبالتالي هو عرضة للتصادم مع مفاهيم أخلاقية، وقيمية عامة في المجتمع. لذلك دعنا نقل منذ البداية، إن كل شيء هو من صنع الخالق، ثم ننصت لبعض النظريات العلمية، التي حاولت تفسير أصل الحياة.

كل إنسان يا «فاضل» يحاول التطور، باكتساب سمات جديدة، لم تكن موجودة لديه. بالإضافة إلى ذلك، يحاول كل ولي أمر، إكساب نسله تلك السمات إذا كانت مفيدة له، ما ينجم عنه أجيال تتشارك تلك السمات الجديدة. والأرض التي نسير عليها الآن، تشكلت قبل 4900 مليون سنة تقريباً. اصطدمت بكوكب «ثيا» ثم بردت، فتكونت لها قشرة صلبة. ثم ظهرت الطبقات الجوية، والمحيطات، وجاءت بعدها الخلايا الوحيدة والشبيهة بولي الأمر الذي ذكرته منذ قليل. عملت الخلايا الوحيدة على تطوير نفسها، ومن ثم إكساب سلالتها السمات الجديدة، ليكون الخلف أرقى وأكثر تقدماً من السلف. وبالفعل ظهرت بعد ذلك الخلايا المتعددة، ثم الطحالب، والإسفنجيات، والديدان. رافق هذا التطور ظهور القارات، ونشأت طبقة الأوزون إلى أن وقع الانفجار العظيم وتعرض سكان الأرض للانقراض الجماعي. عادت مخلوقات أخرى للظهور، حيوانات بسيطة أولاً ثم معقدة؛ أسماك، وبرمائيات، ثم نباتات، وبذور، وحشرات، وزواحف، وثدييات، ثم تمكنت بعض الحشرات والمخلوقات الأخرى من الطيران.

وبعد خامس انقراض جماعي، خلال العصور المتتابعة، ظهرت الضفادع والثدييات، والأحصنة، والأفيال، والدببة. ثم مع انقراض الديناصور اللاطائر، ظهر الإنسان الألفي في كينيا، وتبعه الكلاب، والأسود، والذئاب، وأخيراً برز إلى الوجود الإنسان الحديث بعد رحلة استغرقت ملايين السنين.

التفت «متحضر» نحو فاضل بعد أن تابع ببصره، ابتعاد القرد والقرداتي، ثم قال:

– ليت الإجابات على تساؤلاتنا المحيرة، سهلة وبسيطة، سهولة ما ذكرت في البداية عن علاقة النسب، بين القرد والقرداتي.

عشق لا بد منه

حصلت على أهم ما أريد من فارس أعطاني حريتي، أصبحت حرة بلا قيود، امرأة بلا سجن أو سجان واجهت العديد من المشكلات المتنوعة التي يسببها الواقع الذي نحيا فيه، إنه واقع العادات والتقاليد، أكبرها كان مع أهلي، وبعد أن تحررت من سجن فارس كنت سجينة فكرهم المتحجر.

كانوا يعلقون كثيراً على أوقات عودتي رغم أني لم أفعل أبدا ما يثير ريبتهم، أما الأمر الآخر الذي قابلته بعد الانفصال كان موقف بعض صديقاتي مني بعد علمهن بخبر انفصالي، قلّت محادثاتهن شيئا فشيئا، اختفت اتصالاتهن حتى ابتعدن عني وأكثر ما جرحني موقف إحداهن الذي أعلنته جهراً دون خجل أو من مراعاة للصداقة التي جمعتنا. أعلنته أمام كل الفتيات في أحد برامج التواصل الاجتماعي حين طلبت مني قطع علاقتي معها. صدمت من طلبها!

إنها صديقتي! في البداية شعرت بالاضطهاد والظلم، أين الصداقة ؟ والأوقات التي كنا نقضيها معاً؟ وبعد ذلك جمعت شتات نفسي ولم أهتم بقراراتهن. أنا الآن أقوى من أن أهزم كسراً واصمت قهراً، فأنا مالكة لنفسي وحرة في قراراتي واختياراتي. مرت الأشهر ما بين المنزل والعمل وتربية عبدالله «أملي» في الحياة.

وفي يوم في أيام العمل انتقل الينا موظف جديد من قسم اخر اسمه أحمد. لفت انتباهي، حيث كان كثير السرحان والاهتمام بي، ويستغل الفرص ليبدي هذا الاهتمام وبعد نهاية العمل يحاول ان يفتح اي موضوع معي. شخصيته الاجتماعية والمرحة كانت تظهر معي ومع زملائه فقط. اما الزميلات فما كان يختلط بهن او حتى يلقي عليهن التحية.

وهذا كله يوضح انه يميزني عنهنّ. شعرت بالغرابة من هذا الامر. احترت. فكرت. ولم اصل الى نتيجة. لم يدعني في حيرتي طويلاً. اتى وأفصح لي عن اعجابه وانه يريد التقدم إلي حتى نكمل الحياة معاً! استغربت طلبه! فانا لم أفعل شيئاً يجعله ينجذب لي. شرحت له وضعي وكيف هي حياتي. علم بظروفي ولم يغير هذا شيئاً من لهفته المنعكسة على عينيه!

صمم على رأيه وحاول التقرب اكثر بل أعطاني حلولاً يستطيع ان يكسب بها قلب ابني! بدأنا نتبادل الكلمات والأحاديث. فتح لي قلبه وأخبرني عن حبيبته التي توفيت في وقت خطبتها اثر حادث مروري مروع وانه من بعدها لم يمرّ بأية تجربة جديدة ولم تجذب اي فتاة نظره، ولم تحرك مشاعره. ثبت على موقفه من النساء رغم محاولة اهله وبالأخص والدته لأنه وحيدها. كانت تريد ان تفرح بابنها الوحيد ولكنه رفض مبدأ الارتباط.

جاوبني على ما دار في بالي من افكار قبل ان أسأله كيف سيقبل اهله بالزواج من امرأة منفصلة وأم لطفل فهذا نادراً ما يحدث! لعلّه القدر. قد يهدم بعض المعتقدات الراسخة في العقول. قال: «لا تخشي شيئاً. اني أرى افكارك وأسئلتك في عينيك حول ردة فعل اهلي. لا تقلقي ابداً سيفرحون بنا انا وأنت». كلماته جعلتني اشعر بقليل من الاطمئنان وصرت اقلب الموضوع من كل الجوانب ورأيت ان الجوانب الايجابية غلبت السلبية بكثرتها ونتائجها المتوقعة. فهو مستعد ان يسعى جاهداً لكسب قلب ابني، غير ذلك استطيع ان ارى عشقاً جنونيا لي في عينيه. رغم اننا الى الآن لم نتجمع في بيت واحد، كانت كلماته كلها عبارة عن محاولة جاهدة منه ليكسبني الى جانبه ويفوز بمشاعري. شعرت به وبحبه، شعرت بالصدق معه. بدأ يلفت انتباهي وبدأ تفكيري يتجه ناحيته والمشاعر تتحرّك صوب قلبه.

لمست احترامه ورقيه وعفويته خلال تصرفاته، فالإنسان تظهر اغلب جوانب شخصيته الحقيقة في العمل. اعجبت بجديته ورزانته وازداد انشغالي به. طلبت منه ان يعطيني فرصة للتفكير. كنت اراقب تصرفاته معي ومع اصدقائه، وأحاول ان ابني انطباعات اولية حول شخصيته، فأنا لست على عجلة من امري. رحت انظر إليه لحظة التحدث إليه محاولة التعرف عليه اكثر من خلال كلماته التي ترسم لي شخصيته. لا أريد تكرار تجربتي الأولى وفي الوقت ذاته يستفزني شعور الأنوثة بداخلي ويحركني تجاهه لنعيش قصة حب، لا احلم ان تكون مثل قصص الروايات ولكي اتمنى ان تكون خطوة جديدة صحيحة وسليمة على ارض صلبة نحو تكوين اسرة مترابطة سعيدة اكرر خلالها تجربة الأمومة والحب في ظروف طبيعية يملؤها الحب، والسلام والاطمئنان، ولكن هناك امر واحد يستطيع منعي الآن.. وهو العهد الذي قطعته لابني ألا قوة على هذه الارض يمكن ان تؤذيه... لم استعجل في الرد عليه بل ولم يظهر على اي شعور بالفرحة امامه. كنت أعامله كأنه شخص عادي زميل عمل فقط لا اكثر! خفت من الاندفاع في الحب والزواج فهناك تجارب تغرق البيوت والمحاكم بالمشكلات في مجتمعنا نتيجة التسرع في أخذ قرار الزواج للتخلص من حكم الأهل الى قفص الزوجية كلاهما كان سجناً فيما سبق من حياتي فهل سيكون حمد هو فارس احلامي القادم؟

وفي يوم من أيام العمل الطبيعية وجدت باقة زهر فوق مكتبي تزينه وتدب فيه الحياة من جديد. لم استغرب بل وتوقعت انه من حمد.. الغريب والمفاجئ هو انه نوع الزهر الذي اختاره، إذ ليس هناك احد يعلم بعشقي للياسمين.. ذهبت إليه لأشكره على لطفه وذوقه. لم اجده على مكتبه. وعند سؤالي عنه قال لي احد الزملاء إنه تلقى اتصالاً ثم استأذن بالخروج وطلب منه تغطية محله... كان آخر يوم قبل عطلة الأسبوع ظللت طوال الوقت معلقة بين شعوري بالسعادة من تصرّفه اللطيف والقلق حول ما حل به. هل هو جنون ان يفتح قلبي بابه بعد جرح أليم بهذه السهولة. طلب مني الزواج، ثم إنه تقبل كوني امرأة منفصلة. كنت دائما احلم برجل عاطفي، انيق، محترم، متفهم، منفتح العقل وغير سطحي. كان حمد يشبه هذا الرجل الى حد ما. مرت العطلة ببطء شديد، قضيتها ما بين التفكير وشعور الأنثى الذي بدأ ينبض من جديد بداخلي. استيقظت باكراً نهاراً الاحد. لا أعلم ما السبب، ولكن انتابني شعور بأن اكون بكامل اناقتي وجمالي هذا اليوم. لم اعتد ان اذهب الى العمل هكذا. اضطررت ان اخرج باكراً كي لا يراني اهلي ويسألونني عن السبب. وصلت الى العمل. كنت ارى نفسي فتاة يعلو وجهها ضوء القمر مزهوةً بملابسي، عطري ومكياجي...

مرّت الساعات الاولى طبيعية. لم أره. كنت ابحث عنه بعيني. لم أشأ ان اذهب للسؤال عنه كي لا يشعر بقية الموظفين بشيء، حتى سمعت باب مكتبي يطرق. كان حمد الطارق. كانت عيناي متلهفة لرؤيته قلت له: «تفضل»، فجلس، ثم ابتسم لانه رأى الزهور التي أهداها لي فوق طاولتي. سألته: «هل انت من فعل هذا»؟ قال: هل اعجبتك الزهور؟ قلت: «نعم ولكن لماذا الياسمين؟» قال: «ليس هناك ما يضاهي عبق هذه الزهرة، ورقة شكلها وعذوبة رائحتها، الا تعلمين ان كل الشعراء كانوا يصفون حبيباتهن بالياسمين؟».

back to top