«سَوْ خير وقط بحر»

نشر في 28-04-2017
آخر تحديث 28-04-2017 | 00:14
 محمد العويصي "سوْ خير وقط بحر" مثل كويتي قديم يدل على أن الإنسان عندما يفعل الخير يريد الأجر والثواب من رب الناس ولا ينتظر ثناءً أو مدحا من الناس على عمله.

يحضرني موقفان رائعان ينطبق عليهما هذا المثل الجميل "سو خير وقط بحر"، وإليكم الموقفين:

يقول شارلي شابلن: في أحد الأيام عندما كنت صبيا ذهبت بصحبة والدي لمشاهدة عرض سيرك جاء إلى مدينتنا مؤخراً، وفي طابور انتظار شراء التذاكر نفسه كانت تقف أمامنا عائلة بانتظار دورها، وكانوا ستة أطفال والأم والأب، وكان الفقر باديا عليهم من ملابسهم القديمة وإن كانت نظيفة، كان الأطفال يبدون فرحا غامرا بانتظار دخول السيرك، وكانوا يتبادلون الأحاديث بشوق عن توقعاتهم وعن الحركات والألعاب التي سيشاهدونها بعد قليل.

وما إن جاء دورهم لقطع التذاكر حتى سمعت الأب يسأل بائع التذاكر عن ثمن تذاكر الأطفال وثمن تذكرتين للكبار، فأجابه البائع بعد ثوان بالمبلغ، فطلب منه أن يعيد قول الرقم، فلما قام بذلك تلعثم الأب وأخذ يهمس في أذن زوجته بعض الكلمات وهو ينظر إلى النقود التي في يديه، وهنا أخرج والدي عملة ورقية من فئة العشرين دولارا ورماها على الأرض، وربّت بيده على كتف الأب وقال له: لقد سقطت منك هذه النقود فنظر الرجل طويلا في عيني والدي وقال له شكرا سيدي والدموع تترقرق في عينيه، قبل أن ينحني ويلتقط العشرين دولارا من الأرض، وكان مضطرا لذلك كي لا يحرج نفسه أمام أبنائه، ولا يحرمهم من متعة طالما تمنوها.

ما إن دخلت العائلة خيمة السيرك حتى قام أبي بسحب يدي لنخرج من الطابور دون شراء التذاكر، ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور بوالدي، وبما قام به، وكان أجمل سيرك شاهدته في حياتي وإن كنت لم أره.

الموقف الثاني: في عام 1982 كنت أعمل معلما في مدرسة الحريري المتوسطة بنين دوام ثان، أي بعد الظهر، وكان التلاميذ من فلسطين والأردن وسورية ومصر والعراق، وأذكر تلميذاً في الصف الثالث المتوسط دخل على إدارة المدرسة وأخبرهم بأنه هو المعيل الوحيد لإخوانه الخمسة الصغار، تعاطفت إدارة المدرسة والهيئة التعليمية معه وجمعوا له مبلغا من المال قدره 150 دينارا لمساعدته.

بعد عدة أيام اكتشفت إدارة المدرسة أن التلميذ كذاب وأباه حي يرزق، فاستدعت إدارة المدرسة والد التلميذ وطالبوه بسداد 150 ديناراً التي صرفها ابنه، فاحتار الأب ماذا يفعل وكيف يسدد المبلغ؟

عندما علمتُ بالحادثة ذهبت إلى شقة والد التلميذ وكانت متواضعة جدا، وتدل على ضيق معيشتهم، فأخبرني الأب بالقصة كاملة، واستشهد بالآية السادسة من سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"، تعاطفت مع الأب وسلمته 150 ديناراً ليسددها إلى إدارة المدرسة وكان راتبي آنذاك 250 دينارا. هذا الموقف ظل حبسياً في قلبي إلى أن قرأت قصة شارلي شابلن، وكما يقولون الشيء بالشيء يذكر.

يقول حبيبنا وقرة أعيينا رسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله إلى قلب مسلم، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

* آخر المقال: تقول أمي:

حب الناس يا وليدي يحبونك

وساعدهم تراهم دوم يا وليدي يساعدونك

بالمحبة تجني يا وليدي محبة

وبالعداوة تجني يا وليدي عداوة

back to top