مجموعة العشرين في القيادة المناخية

نشر في 26-04-2017
آخر تحديث 26-04-2017 | 00:10
سياسة ترامب المتعلقة بتغير المناخ لا تبشر بالخير بالنسبة إلى العالم وللمواطنين الأميركيين، الذين يحشد العديد منهم الآن المقاومة لإدارته، ولكن بقية العالم ستستمر في تطوير أنظمة مرنة ومنخفضة الكربون.
 بروجيكت سنديكيت في بداية عام 2016 كانت الولايات المتحدة في وضع جيد لقيادة الكفاح العالمي ضد تغير المناخ، وبصفتها رئيسة مجموعة العشرين لعام 2017، كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعول على الولايات المتحدة للمساعدة في إحداث تحول عميق في الاقتصاد العالمي، وحتى بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية أعطته ميركل فرصة للشك، على أمل أن الولايات المتحدة ستستمر في تأدية دور رائد في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.

ولكن في اجتماع ميركل وترامب الأول لم تصدر أي بيانات جوهرية، وأظهرت لغتهما الجسدية أن احتمال ظهور حوار في المستقبل ضئيل، ويبدو أن شعار ترامب «أميركا أولا» يعني «أميركا وحدها».

ومن خلال عكس سياسات سلفه للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تراجع ترامب عن النموذج الجديد للحوكمة العالمية التعاونية المتجسد في اتفاق المناخ في باريس لعام 2015، وقد التزمت البلدان التي وقعت على ذلك الاتفاق بتقاسم مخاطر وفوائد التحول الاقتصادي والتكنولوجي العالمي.

إن سياسة ترامب المتعلقة بتغير المناخ لا تبشر بالخير بالنسبة إلى العالم وللمواطنين الأميركيين، الذين يحشد العديد منهم الآن المقاومة لإدارته، ولكن بقية العالم ستستمر في تطوير أنظمة مرنة ومنخفضة الكربون، فالجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء العالم المتقدم والنامي تجعل التحول الاقتصادي القادم أمرا لا مفر منه، ولن تتغير جداول أعمالها ببساطة لأن الولايات المتحدة لديها إدارة جديدة متقلبة، ولا تزال الصين والهند والاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان الإفريقية وأميركا اللاتينية تعتمد نظم الطاقة النظيفة.

وإذا استمرت هذه الحال فستواصل الشركات والحكومات المحلية وأصحاب المصلحة الآخرين اتباع استراتيجيات منخفضة الكربون، ومن المؤكد أن سياسات ترامب قد تحدث أخطارا وتكاليف جديدة محليا وعالميا، لكنه لن ينجح في إطالة أمد عصر الوقود الأحفوري.

ومع ذلك فإن خروج الولايات المتحدة الفعلي من اتفاق باريس يشكل تطورا خطيرا، وإن غياب مثل هذا البلد المهم عن مكافحة تغير المناخ يمكن أن يقوض الأشكال الجديدة للتعددية، حتى لو أعاد تقوية النشاط المناخي مع تحول الرأي العام العالمي ضد الولايات المتحدة.

وفجأة شكلت إدارة ترامب مخاطر مالية كبيرة يمكن أن تعرقل الجهود الرامية إلى التصدي لتغير المناخ، وستضع ميزانية ترامب المقترحة قيودا على التمويل الاتحادي لتنمية الطاقة النظيفة والبحوث المناخية، وبالمثل فإن أوامره التنفيذية الأخيرة ستقلل من التكاليف المالية للانبعاثات الكربونية للشركات الأميركية، عن طريق تغيير كيفية حساب «التكلفة الاجتماعية للكربون»، وقد أصرت إدارته بالفعل على حذف الإشارة المتعلقة بتغير المناخ من بيان مشترك صادر عن وزراء مالية مجموعة العشرين.

وهذه كلها قرارات غير حكيمة تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد الأميركي وعلى الاستقرار العالمي، كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مؤخرا، ويؤدي النظام المالي الأميركي دورا رائدا في الاقتصاد العالمي، لكن ترامب يرغب في إعادتنا جميعا إلى وقت لم يكن فيه المستثمرون والجمهور العام مسؤولين عن مخاطر تغير المناخ عند اتخاذ القرارات المالية.

منذ عام 2008 كان النهج التنظيمي الذي اتخذته الولايات المتحدة ومجموعة العشرين موجها نحو زيادة الشفافية وتحسين فهمنا للمخاطر النظامية المحتملة للنظام المالي العالمي، وليس أقلها تلك المرتبطة بتغير المناخ والاعتماد على الوقود الأحفوري، وشَكل وضع قواعد شفافية أكثر صرامة وأدوات أفضل لتقييم المخاطر أولوية قصوى للمجتمع المالي نفسه.

ويمكن أن يؤدي تنفيذ هذه القواعد والأدوات الجديدة إلى تسريع الاتجاه العام في سحب الاستثمارات من الوقود الأحفوري، وضمان الانتقال السلس إلى اقتصاد أكثر مرونة وقوة في مجال الطاقة النظيفة، وتوفير الثقة والوضوح للمستثمرين على المدى الطويل.

وبالنظر إلى المخاطر المالية المتزايدة المرتبطة بتغير المناخ، فإن مقاومة القرار التنفيذي لترامب الذي تراجع عن ضرورة الشفافية في «وول ستريت» يجب أن تكون على رأس الأولويات، والحقيقة أن وارين بوفيه وشركة إدارة الأصول بلاك روك حذرا من مخاطر الاستثمار دون الأخذ بعين الاعتبار تغير المناخ، مما يشير إلى أن المعركة لم تنته بعد.

وإذا كان إنشاء مجموعة العشرين فكرة جيدة فالآن يجب أن تواجه أكبر تحد لها، والأمر متروك لميركل وقادة مجموعة العشرين الآخرين للتغلب على المقاومة الأميركية والبقاء في مسار العمل المناخي، ويمكنهم أن يعتبروا بعض المستثمرين المؤسسيين الكبار في العالم كحلفاء، والذين يبدو أنهم يوافقون على الحاجة إلى إطار انتقالي للتنظيم الذاتي. ويتعين على زعماء العالم الآخرين أن يعطوا جوابا متسقا لترامب وأن يواصلوا وضع نموذج إنمائي جديد يتوافق مع مختلف النظم المالية.

وفي الوقت نفسه فإن لدى الاتحاد الأوروبي- الذي يحتفل بالذكرى الستين لمعاهدة روما هذا العام- فرصة الآن للتفكير في المستقبل الذي يريد بناءه، هذه أوقات صعبة بالتأكيد؛ ولكن لا يزال بوسعنا أن نقرر أي عالم نريد أن نعيش فيه.

* مديرة معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية في باريس، وكانت وزيرة الدولة لتغير المناخ في إسبانيا.

«تيريزا ريبيرا*»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top