ما قــل ودل: من هنا نبدأ معركتنا مع الفكر الجهادي

نشر في 23-04-2017
آخر تحديث 23-04-2017 | 00:15
 المستشار شفيق إمام الجهاد وثورة المعلومات

في مقال الأحد الماضي تحت عنوان: "هل لفظت ثورة الربيع العربي أنفاسها على صخرة الإرهاب؟"، تناولت أحداث الأحد الدامي في كنيستي مار جرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وإعادة العمل بقانون الطوارئ، على إثر هذه الأحداث، وقلت إن العمل بهذا القانون لن يجدي فتيلا، لأننا أمام سلاح جديد من أسلحة الدمار الشامل هو الانتحاري الذي فقد كل حواسه، فهو لا يرى إلا بأعين من بشروه بجنة عرضها السموات والأرض ولا يسمع إلا آراءهم، ولا يهتدي إلا بهديهم، وفي ضوء حكمهم على المجتمع وتكفيرهم له، إنه آلة بشرية لا يترك بعد ارتكاب جريمته أثرا من شركاء خططوا ودبروا وساهموا وساعدوا، وإن المعركة الحقيقية هي مواجهة الفكر الجهادي الإرهابي، مواجهة أساسها الفكر الصحيح للجهاد في الإسلام ونشره، وذلك بلغة العصر الذي نعيشه والتي لا تتطلب أن تقطع آلاف الأميال لنشر فكرة ما أو عقيدة ما، أو أن تحشد الجيوش وتجهز لإكراه غيرك على القبول بها أو اعتناقها، وإن الفكرة الصحيحة والعقيدة السليمة تمخران عباب البحار وتحلقان في سماء الأفكار والعقائد، وتطيران بسرعة البرق، ولا يقف أمامهما عائق أو يثنيهما عن طريقهما عقبة، طالما كان الإيمان عميقا في نفوس أصحابهما، راسخا في أعماقهم، في عصر تكنولوجيا المعلومات، الذي فاق كل تصور، وأصبح العالم فيه أشبه بقرية صغيرة تتناقل فيها المعلومات مع الهواء الذي نتنفسه.

من هنا نبدأ

وعلينا في هذه المواجهة الفكرية للفكر الجهادي أن تتكاتف جهود الأزهر والكنيسة والمفكرين والمثقفين والمجتمع المدني كله، في تحليل هذه الظاهرة وبحث أسبابها، وأهدافها ووسائلها وأساليبها، بالنقد العلمي والديني الموضوعي، وبنشر فكر التسامح بين الأديان، وقد قامت هذه الظاهرة على تكفير المجتمعات المسيحية، أفراداً وجماعات ودولا، وعلى تكفير الحكام المسلمين، بهدف ﺇنشاء دولة قطبية إسلامية تحكم العالم كله، ولعل البداية في ذلك هي نشر فكر التسامح في كل الأديان بدءا بالإسلام.

فكر التسامح في الإسلام

يقول المولى عز وجل في كتابة الكريم "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ". فهذه الآية الكريمة ترسخ فكر التسامح بين الأديان السماوية جميعا، بل بين كل من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولو كان لا كتاب له أو دين وهم الصابئون، فلم يخصص الله الأجر والثواب والعمل الصالح لبعض خلقه، بل ساوى بين الجميع الذين نزلت فيهم هذه الآية الكريمة.

الهجرة إلى الحبشة ودلالتها

وقد أمر الرسول أصحابه بأن يتفرقوا في بقاع الأرض، بعد التعذيب والتنكيل بهم على يد الكفار الوثنيين، ولما سألوه أين يذهبون؟ نصحهم بأن يذهبوا إلى بلاد الحبشة المسيحية، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله للمسلمين فرجا مما هم عليه.

واستقبلهم ملك الحبشة النجاشي، واستمع إلى كلا الفريقين، الكفار وقد مثلهم عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة، وقد قدموا إلى الملك بالهدايا ليرد المهاجرين إلى قريش، كما استمع إلى كلام جعفر بن أبي طالب الذي كان يمثل المهاجرين، والذي شرح دعوى الإسلام وقرأ عليه بعض آيات القرآن الكريم، واستمع إلى البطارقة، الذين قالوا للنجاشي، إن هذه الكلمات تصدر من النبع الذي صدرت منه كلمات سيدنا يسوع المسيح، فأكرم النجاشي وقادة المسلمين المهاجرين ورفض تسليمهم إلى قريش.

فكيف يأمر الرسول أصحابه بأن يهاجروا من قريش، حيث كان الكفار يتربصون بهم إلى الحبشة التي انتشر فيها الدين المسيحي، وكان يحكمها ملك يؤمن بالمسيحية أيضا، ويطلق الرسول على أرضهم أنها أرض صدق إذا كان أهلها كفارا.

ولا يزال المسلمون حتى يومنا هذا يهاجرون إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى الغرب المسيحي بوجه عام، وهي بلاد لا تفرق بين مسلم ومسيحي، وقد وجدوا فيها مرتعا خصبا لنشر الدين الإسلامي، حيث يزداد عدد المسلمين في هذه البلاد يوما بعد يوم، إلى أن جاءت جماعات التكفير والهجرة، لتشوه صورة الإسلام بالجرائم الإرهابية التي ترتكبها كل يوم والتي تزهق بها الأرواح.

لماذا أسلموا في الغرب؟

يقول مراد ويلفريد هوفمان الدبلوماسي الألماني في حوار مع نفسه فرضته طبيعته الألمانية الميالة إلى الاستغراق بعمق في دراسة القضايا المختلفة في كتابه "يوميات ألماني مسلم"، يقول بعد أن اعتنق الإسلام في عام 1980، عن التسامح الإسلامي، الذي كان أحد الأسباب الرئيسة لإسلامه: إن التسامح الإسلامي يستمد أصوله من تعاليم القرآن القاطعة بإبداء التسامح نحو المؤمنين من أهل الكتاب، فالآية (256) من سورة البقرة تنص صراحة على أنه "لا إكراه في الدين". والتعددية الدينية جائزة في الآية (42) من سورة المائدة وفي آيات أخرى من سورة الشورى.

ويضيف أن الإسلام لا يعرف أبدا هذا التعصب المتحجر، فالقرآن يبدي أن الله أرسل لكل شعب أنبياءه لكي يتاح لكل أمة أن تستوعب الرسالة الإلهية على طريقتها.

ويقول الفليسوف روجيه جارودي، في رحلته في البحث عن الحقيقة في مؤلفه الذي خطه بيده "لماذا أسلمت... نصف قرن من البحث عن الحقيقة"، إن الدين الإسلامي لم يفرض على معتنقيه بالقوة لقول المولى عز وجل "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ".

ويتجلى ذلك في قبوله وحمايته أفرادا وجماعات ومجتمعات غير إسلامية، وفضلا عن أن الفتح الإسلامي لم يشكل استعمارا، وترك أهل البلاد التي فتحت أحرارا في اختيار الإسلام أو البقاء على دينهم، وسمح لهم بممارسة شعائرهم في كنائسهم ومعابدهم.

زيارة البابا تواضروس للكويت

يزور الكويت اليوم البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وسائر بلاد المهجر لمشاركة أقباط الكويت أعيادهم، بعد نجاته من محاولة لاغتياله الدنيئة البشعة يوم الأحد الماضي، في جريمة التفجير الانتحاري التي وقعت في مدخل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية أثناء قيامه بأداء قداس أحد الزحف، وهي مناسبة دينية قبطية.

وقد لا يعرف الكثيرون وفي منطقة الخليج مكانة البابا تواضروس الثاني، فهو الحبر الأعظم والرئيس الأعلى للكنيسة الارثوذكسية، وممثل المسيح فيها، في مقابل بابا روما، الحبر الأعظم والرئيس الأعلى للكنيسة الكاثوليكية أسقف روما، ورئيس دولة الفاتيكان.

فتحية إجلال وتوقير لمقامه الرفيع وأبلغ الترحيب بقدومه إلى الكويت بلد الأمن والسلام وحمدا لله على سلامته.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top