هل يسعى «داعش» إلى فتح إيران؟

نشر في 22-04-2017
آخر تحديث 22-04-2017 | 00:08
 محمد مختار قنديل منذ أيام خرج إصدار هدد فيه تنظيم داعش الدولة الإيرانية، ووجه رسالة إلى آية الله خامنئي نصها: "رسالة أوجهها إلى خامنئي والمجرمين معه، اعلم يقينا أننا سندمر لك بيتك كمثل هذا الذي تراه بإذن الله تعالى"... حقيقة الأمر لم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها التنظيم عن إيران، فمن قبل جاءت تصريحات لـ "أوب محمد العدناني" المتحدث باسم "داعش" في إطار الخلاف مع قيادات تنظيم القاعدة، نصها: "ظلَّت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران إلى برَكٍ من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمَّل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران".

ومن ناحية إيران، فقد عملت على إظهار العداء لداعش وظهر هذا في أكثر من موضع، على سبيل المثال تصريحات أحمد رضا بوردستان قائد القوات البرية للجيش الإيراني في مايو 2016، والتي تفيد بأن إيران كانت على وشك الصدام والاشتباك مع التنظيم، وذلك إبان فترة توسعه في العراق ووصوله إلى محافظة ديالى المجاورة لمحافظتي كرمانشاه وإيلام الإيرانيتين عام 2014، مهددا تنظيم داعش وقتها بالمواجهة والتصدي له حال الاقتراب مسافة أكثر من 40 كيلومتراً من الحدود الإيرانية.

وعلى الرغم من تلك التصريحات من الطرفين فإن هناك العديد من التحليلات التي تفيد بوجود علاقة خفية بين الدولة الإيرانية وتنظيم داعش، تفيد دعم الأولى لهذا التنظيم، مع خدمة داعش لمصالح طهران، هذه التحليلات نفاها البعض بناء على البعد العقائدي وصعوبة وجود تحالف بين "قطب شيعي، وقطب سني"، ولكن الاستناد إلى هذا البعد العقائدي فقط في نفي العلاقة أمر يفتقر إلى عاملين، الأول فهم العقل السياسي للجماعات الجهادية المتطرفة، والثاني فهم مدى تأثير البعد العقائدي على عملية صنع القرار في إيران.

يتسم العقل السياسي للجماعات المتطرفة بمبدأ "استغلال الظروف" إلى جانب العمل بقاعدة "رفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص"، استغلال الظروف يفسر وجود علاقة إيران حال نشوب خلاف بينها وبين الدول التي ترى فيها التنظيمات الجهادية عدوا لها "عدو عدوي صديقي"، ورفع الضرر العام بارتكاب خاص، يفسر أنه حال توجه إيران نحو دعم جماعة بعينها تقبل ذلك الجماعة من منطلق أنه سيساعدها في رفع ضرر عام، وهذا ما يفسر وجود علاقة بين إيران وتنظيم القاعدة أو بينها وبين حركة طالبان.

"القاعدة" و"طالبان" لديهما العديد من المبررات التي تدفع كلا منهما للتوجه نحو إيران وهناك أيضا العديد من المصالح التي تدفع إيران نحو قبول التعاون معهما، لكن الوضع بالنسبة لداعش مختلف شيئا ما، فالوجود الداعشي مهدد لإيران والمصالح الإيرانية سواء في العراق أو سورية أو بلاد الأفغان، إلى جانب أن التنظيم أنكر في معركته مع القاعدة وطالبان تعاونهما مع إيران، كما أن ثبوت علاقة بين الطرفين يعد بمنزلة استكمال لانهيار تنظيم داعش.

هنا يجب السؤال: ما الذي دفع داعش نحو تهديد إيران؟ هناك تفسيرات عدة لذلك ولكننا نرجح أنه نتيجة للخسائر التي يتلقاها التنظيم من وقت لآخر في مقر قياداته المركزية سواء من ناحية النفوذ أو من ناحية المتعاطفين، لذا اتجه التنظيم إلى محاولة فتح مناطق جديدة تساعده على إعادة هيكلة ذاته عن طريق الاعتماد على نمط الإرهابيين المحليين وخلق مزيد من القضايا التي تسمح بتواجده، وهذا ما فعله بالتهديدات لمصر وفتح ملف الفتنة الطائفية، والتهديدات للأردن وفتح ملف "خيانة حكام الأردن"، فتأتي التهديدات لإيران في نفس السياق واللعب على وتر "الخلافات السنية الشيعية" التي تعانيها المنطقة، طامعا في الحصول على تأييد سواء من المتعاطفين معه أو من الدول المعادية للتواجد الإيراني في المنطقة.

هل يسعى داعش إلى فتح إيران؟ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في فهم طبيعة التهديدات الداعشية خصوصا في الشهور الماضية، والمتتبع للإصدارات الداعشية التهديدية يستنتج أن هناك فارقاً بين تهديدات تنظيم داعش وأسلافه من الجماعات الجهادية المتطرفة، هذا الفارق يتلخص في "الفارق الزمني"، فالأسلاف كالقاعدة اعتادوا تنفيذ التهديد بعد فترة تزيد على ستة أشهر، أما تنظيم داعش فعادة ما يكون تهديده في سياق التحضير لعملية ما أو نية تنفيذ عملية على المدى القريب ربما لا تتخطى شهرا، وعليه من المحتمل أن يتجه التنظيم جدياً نحو توجيه ضربة لإيران، ولكننا نعتقد أنها ستكون حادثة واحدة من باب التأكيد فقط على عداء التنظيم لإيران وإضفاء مصداقية حول دفاعه عن السُّنة ضد الدولة الشيعية.

على الجانب الآخر، إذا ما أردنا فهم رد فعل إيران على هذا التهديد، فغالبا ما سيكون بمحاولة تجديد الصراع بين داعش وطالبان في بلاد الأفغان، عن طريق دعم الثانية كمحاولة لتشتيت تنظيم داعش وإزاحته بعيدا عن إيران، والعلاقات بين إيران وطالبان طويلة شيئا ما، وكان هناك العديد من العوامل التي تمنع وجود مصالح مشتركة ما بين الطرفين، بداية من دعم طالبان لحركة "جند الله" والتي قامت في نهاية التسعينيات باستهداف دبلوماسيين إيرانيين بالقنصلية الإيرانية في "مزار شريف" الأفغانية، والدعم الإيراني من قبل الجبهة الإسلامية المتحدة للإنقاذ في أفغانستان بقيادة أحمد شاه مسعود، وموقف إيران في مؤتمر بون الأول المؤسس لما بعد طالبان في نوفمبر 2001، وكذلك مد إيران للولايات المتحدة في بداية تدخلها في بلاد الأفغان بخرائط تحدد أماكن تواجد تنظيم طالبان، إلا أن هذه الخلافات قد أزيل أساسها بمبايعة "جند الله" لتنظيم داعش بنوفمبر 2014، وما دلل على حل هذه الخلافات زيارة قيادات "طالبان" لإيران بداية من زيارة وفد طالباني في مايو 2015، وزيارات "الملا أختر" لإيران المتتالية في فبراير ومارس وأبريل 2016، وحتى قبيل مقتله، حيث قيل إن استهدافه بطائرة بدون طيار كان أثناء عودته من إيران.

نهاية، إيران تترفع عن دعم داعش لا لرفضها للإرهاب، حيث دعمت من قبل القاعدة وطالبان، وإنما لغياب مصالح مشتركة تدفعها للتوجه نحو داعش، وكذلك الأمر بالنسبة لداعش الذي لم يتجه إلى إيران لا لبعد عقائدي، ولكن لعدم وجود مصالح مشتركة، أما فيما يتعلق بالتهديدات الداعشية فنعتقد أن الأمر لن يتخطى مجرد حادثة أو تفجير يسعى التنظيم إلى إرباك إيران به، وكسب متعاطفين من خلال قضية "السنة - الشيعة".

* كاتب وباحث متخصص في شؤون الإسلام السياسي

back to top