إيمان حميدان... سيرة حرب ونساء منكسرات

نشر في 19-04-2017
آخر تحديث 19-04-2017 | 00:00
 طالب الرفاعي الرواية تأريخ مقروء لمسيرة المجتمعات البشرية. وربما كان هذا واحدا من أهم ما يجعل جمهور القراءة حول العالم يُقبل على قراءتها في الوقت الراهن أكثر من أي جنس أدبي آخر.

ومؤكد أنه يمكن قراءة رواية الكاتبة اللبنانية إيمان حميدان "خمسون غراماً من الجنة" الصادرة عن دار الساقي بطبعتها الأولى 2016، والفائزة بجائزة "كتارا" عن فئة الرواية المنشورة عام 2016 انطلاقاً من هذا المفهوم.

فالرواية في متن حكايتها الأساس تسلط ضوءاً باهراً وموحياً لتعيد حياكة بعض قصص تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت طوال ما يزيد على 15 سنة، للفترة من 1975 - 1990.

إيمان حميدان إذ تنشر قصص الحرب اللبنانية، فإنها تبقى مخلصة جداً لبنات جنسها، حيث تتخذ من مأساة المرأة عنواناً عريضاً لها. فالرواية تأتي بصيغة ضمير الغائب، وكأن إيمان ارتضت لنفسها أن تكون الراوي الذي يقود السرد ويأخذ بيد القارئ إلى دهاليز حكايات كثيرة.

صحيح أن بطلة الرواية "مايا" تشكل المحور الأهم الذي تدور حوله تلك الحكايات، لكن الصحيح أيضاً أن الحكايات في مجملها تقدم مآسي موجعة وناطقة بآلامها الدامية لنساء كثيرات توزعت همومهن ودموعهن لتحتل الجزء الأكبر من الرواية.

وإذا كانت النساء منكسرات، فإن الحرب البشعة لوَّثت بعنفها وبؤسها وجوه رجال الرواية، لذا يأتي رجال الرواية إما قساة لا يعبأون بمعاناة أحد كالضابط شوقي، أو منكسرين محطمين كزوج مايا "زياد" أو حبيب "نورا" كمال.

لقد قطعت الرواية العربية شوطاً كبيراً في قدرة كُتابها على إبداع أعمال روائية قادرة على كشف ما تحت سطح العابر الاجتماعي، وقادرة من جهة ثانية على الصمود في وجه الزمن، كونها تشكل شهادة صارخة لما دار ويدور على هذه الأرض.

ومن هنا، فإن رواية "خمسون غرام من الجنة" إذ تعيد كشف شيء من مستور الحرب الأهلية اللبنانية عبر حكاياتها، فإنها تكاد تنطق بلسان الحاضر في أقطار عربية أخرى.

الرواية لا تقدم حكاية روائية تقليدية، بل إن الروائية إيمان الحميدان تجيد اللعب بتقنية الزمن، وهو أهم عنصر في الكتابة الروائية، إذ تبدأ بقصة "نورا"، وما تلبث أن تعود إلى بطلة روايتها "مايا" في زمنها الحاضر، وتالياً يأتي الربط الأجمل بين كل من نورا المرأة التي دفعت حياتها ثمناً لتفجير سيارة غادرة، فيما كادت سيارة أخرى مسرعة أن تأتي على حياة مايا، لولا شيء من إرادة إيمان بإبقائها حية، ليكون الإيحاء بأن الحياة أقوى من صانعي الموت.

إن اتخاذ الحرب الأهلية اللبنانية التي انقضت منذ ما يزيد على الربع قرن موضوعاً للرواية، يأتي وكأنه شاهد عيان على ما يدور حالياً من اقتتال وعنف بشع في أكثر من قُطر عربي: "الحرب الأهلية في لبنان هي تعبير سلبي عن العلاقة الحميمة بين الطوائف اللبنانية، التي يستحيل التخلص منها. جعلتني أفكر في الجرائم التي ارتكبها اللبنانيون بعضهم ضد بعض، وخاصة تلك التي كان فيه للضحية وللقاتل علاقات جيرة سُميت بالحسنة. لا أفهم كيف في لحظة ما، يقوم أصحاب تلك العلاقة الحسنة بتبادل هدايا الكره بشغف قاتل دون حدود". ص153

"الكتابة صعبة. هي ليست لا شيء. هي ليست من العدم! الألم يحضر بمجرد التذكر، فكيف يكون أمري حين يتحول هذا الألم إلى كلمات وصور أمامي، ولا أستطيع تجاهل رضوضي". ص63 الكتابة في أحد تجلياتها هي تصفية حساب مع أثقال بقيت قابضة على القلب، ولقد استطاعت الروائية إيمان حميدان بامتياز التنفيس عن وجع قلبها عبر إخراج رواية تقول عن الوجع النسوي الإنساني بقدر ما تقول عن واقع أوطننا العربية المؤلم.

back to top