حرص بغداد على «قوات النخبة» يرفع عدد الضحايا في الموصل

• الشرطة الاتحادية أقل خبرة في حرب الشوارع من جهاز «مكافحة الإرهاب» المدرب أميركياً
• آخر «هيكل حضري» للسنة يتعرض لدمار كبير والحكومة أمام خيار يتيم لتنويع المحاور

نشر في 26-03-2017
آخر تحديث 26-03-2017 | 21:45
عراقيون في الموقع الذي شهد مجزرة بحي الموصل الجديدة اليوم (أ ف ب)
عراقيون في الموقع الذي شهد مجزرة بحي الموصل الجديدة اليوم (أ ف ب)
دخلت معركة تحرير الساحل الأيمن لمدينة الموصل، مرحلة حرجة، مع تزايد عدد الضحايا من المدنيين، الأمر الذي بات يضغط على الحكومة التي أرادت أن تنتهي بسرعة من آخر معاركها الكبيرة مع «داعش»، ومنحت الجيش ضوءاً أخضر لزيادة الهامش المقبول لسقوط مدنيين.
حظي موضوع مدينة الموصل العراقية باهتمام شعبي ودولي كبير طوال نحو ستة أشهر من المعارك التي تخوضها القوات الحكومية والتحالف الدولي لتخليصها من قبضة تنظيم "داعش" المتواصلة منذ صيف عام 2014، ولا يعود السبب فقط إلى أن المعركة هي الأكبر منذ سقوط نظام صدام حسين، بل أيضا لأن الموصل آخر مدينة سنية بقي فيها "هيكل حضري"، بعد أن دمرت الى حد كبير معظم المدن الأساسية للمجتمع السني العراقي، الى جانب أن اهل هذه المدينة يعدون أبرز طبقة متحضرة ومتعلمة في العراق، بلهجتها المميزة وتكوينها الثقافي المتنوع جدا بنحو 15 قومية ودينا ومذهبا نادرا، وأماكن أثرية وتاريخية عمرها يتجاوز ثلاثة آلاف عام.

وطوال مراحل المعركة السابقة كان الجميع "يقبلون على مضض" بوقوع خسائر بين المدنيين، نظرا للكثافة السكانية العالية هناك حيث كان يقطن المدينة مع بدء الاشتباكات نحو مليون وخمسمائة الف نسمة، إلا أن دخول معارك الجزء الغربي من الموصل مرحلتها المعقدة في المدينة القديمة ذات الأزقة الضيقة والمباني التراثية المتهالكة، رفع خسائر المدنيين الى مستوى غير مسبوق، وجعل المنظمات الدولية والرأي العام المحلي، يحتج بشدة على قواعد الاشتباك والخطط المتبعة واستخدام الكثافة النارية الشديدة، في التعامل مع تحصينات "داعش" القائمة وسط مناطق مكتظة بالسكان.

وكانت ردود الأفعال هذه جزءا من انفعال وتأثر عميقين رافقا نشر صور الدمار الرهيبة ومشاهد استخراج عشرات الجثث يوميا من تحت الأنقاض، وهو ما وضع واشنطن التي تقود التحالف الدولي في حرج واضح، وجعل بغداد مطالبة بالشرح والتفسير.

وليس أمام حكومة حيدر العبادي سوى تقديم وعود بتغيير الخطط وتنويع جبهات القتال بجعلها في ثلاثة محاور، بدلا من محور جنوبي وحيد الآن، وذلك بأمل ان تنظيم "داعش" لم يتبق لديه مقاتلون أشداء يكفون لصد ثلاث هجمات، ما يعني سرعة استنزافه وتخفيف الضغط عن الأهالي في المدينة القديمة.

ويشير المراقبون الى أن احد أسباب الارتفاع المقلق في عدد الضحايا هو استبدال قوات النخبة بفرق من الشرطة الاتحادية أقل خبرة بكثير في حرب الشوارع، حيث سجلت معارك الجزء الشرقي من الموصل أعدادا اقل من الضحايا بفضل تكتيكات حرب العصابات التي يتقنها جهاز مكافحة الإرهاب المدرب أميركيا، بينما تعتمد فرق الشرطة في اقتحامها للمدينة القديمة في الجزء الغربي، على القصف المكثف الذي يتقبل تضحية مرتفعة بالسكان.

ويذكر المراقبون أن بغداد لا تريد أن تخسر المزيد من مقاتلي النخبة وتحتفظ بهم لمواجهات داخلية محتملة ستعقب طرد "داعش"، ولذلك فإنها زجت بالفرق الأقل تدريبا ومهارة رغم حجم المجازفة في ذلك.

إذ لا ترتفع أعداد الضحايا بين المدنيين فحسب، بل يتزايد القتلى في صفوف الجيش وقوات الأمن الى درجة أن شهود عيان من مقبرة وادي السلام الشهيرة في مدينة النجف، يعبرون عن الدهشة من عدد الجنائز التي تصل كل يوم للدفن هناك.

ويبدي المصادر العسكرية والخبراء بشؤون الجماعات الجهادية، خشيتهم من إصرار تنظيم داعش على "رفع متعمد" لأعداد الضحايا، حيث يجمع عشر عائلات أحيانا في منزل واحد وينصب فيه مدفعا أو سلاح قنص ليستدرج نيران الجيش ويتسبب بمذبحة على غرار ما حصل مؤخرا في منطقة الموصل الجديدة، ما يعني أن المدنيين هناك ليسوا مجرد أناس عزل عالقين في منطقة نزاع مسلح، بل تحولوا الى رهائن يجري استخدامهم بأساليب معقدة، في صناعة تراجيديا تحرج بغداد وتعمق الانقسامات الطائفية في البلاد.

back to top