ما قل ودل: من كراهية الوافدين إلى جلد الذات

نشر في 26-03-2017
آخر تحديث 26-03-2017 | 00:15
 المستشار شفيق إمام

جلد الذات

وأخيراً أسفرت حملة الكراهية ضد الوافدين عن حقيقة أدركها البعض، وقدر على أثرها أن خللاً في التركيبة السكانية وتزايداً في أعداد الوافدين وخصوصاً بالنسبة إلى العمالة الحرفية، يرجع إلى أن المواطن الكويتي لا يقبل على هذه الأعمال، وأن على الكويتي أن يلبس البدلة الزرقاء، بدلا من السباك المصري والكهربائي المصري، اللذين خصهما البعض في هذا الطرح بالذكر، بالرغم من أن سوق العمل في هاتين الحرفتين يكتظ بغيرهما من الجنسيات.

وكم كنت أتمنى أن تكون هناك مبادرة من المرأة الكويتية بتقليل الاعتماد على العمالة المنزلية التي بلغت 670 ألف عامل، وهي تمثل 30% من نسبة العمالة الوافدة.

وأعتقد أن الخيار الصعب المطروح وهو طرد الوافدين أصحاب الحرف الصغيرة وعمال البناء، فضلا عن العمالة الهامشية الأخرى التي تزاول أعمالا لا تحتاج إلى مهاره، لإجبار الشباب الكويتيين على ارتداء البدلة الزرقاء قد خانه التوفيق لأسباب متعددة.

الشباب الكويتيون في محنة الغزو

ولئن كان هذا الطرح في مجلس الأمة هو استخدام لحق دستوري للعضو في ممارسته لشتى وسائل الرقابة البرلمانية، لتوجيه نظر الحكومة إلى غياب العمالة الوطنية الحرفية عن سوق العمل، فهو لا ريب أمر يحمد.

إلا أنه من الإنصاف أن نقرر أن المحنة التي اجتازها الشعب الكويتي خلال فترة العدوان العراقي الغاشم على الكويت، قد أبرزت الجينات الوراثية في الشباب الكويتيين الذين خرجوا يكنسون الشوارع والطرقات، ويقفون أمام الأفران بلهيبها ليقدموا الخبز إلى الأسر وليوزعوا عليها الطعام الذي جمعوه من الجمعيات بعد أن أخفوه عن عيون جنود صدام.

ومن الإنصاف أيضا أن نعترف بأن الدولة لم تألُ جهدا في تشجيع ودعم المبادرين بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب الكويتيين وتشجيعهم ليكونوا نواة للعمل والانخراط بالقطاع الخاص من خلال توفير فرص حقيقية لهم.

وقد خصصت الدولة مبلغا وقدره 50 مليون د.ك لمحفظة الحرفيين التي تأسست بموجب القانون رقم 10 لسنة 1998 لتمويل الأنشطة الحرفية والمشاريع الصغيرة الكويتية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتتم إدارتها من بنك الكويت الصناعي.

كما صدر المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 2013 بإنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

الجينات الوراثية للشعب الكويتي

لكل شعب جينات وراثية يرثها جيل من بعد جيل، ومن الجينات الوراثية في الشعب الكويتي القدرة والمثابرة على العمل الشاق، والتي تتمثل بالرعيل الأول، الذي غاص في البحار بحثاً عن ثرواتها وقد أحرقت الشمس محياه وحفر الجد معالمه في أساريره، عندما لم تكن قد ظهرت قطرة نفط واحدة في البلاد، والنفط هو عبقرية المكان، ولكن يبقى الإنسان القادر على الخلق والإبداع، بدلاً من أن يكون عامل نحر يأكل الجد والصبر والمثابرة التي كان عليها الرعيل الأول، فتشيع آفات التواكل والاعتماد الكامل على الدولة في كل متطلبات الحياة، ولهذا برزت هذه الجينات الوراثية في الشاب الكويتيين في محنة الغزو كما قدمنا.

حقوق الشباب الكويتيين

وليس ما سأقوله تقليلا من أهمية الأعمال الحرفية، وأن العمل أيا ما كان نوعه وأيا كان أجره ومهما كان متدنيا هو وسام من الشرف والكرامة يعلقه الإنسان على كتفيه مواطنا أو مقيما، ولكن ما أخشاه هو ما ينطوي عليه هذا الخيار في طرد الوافدين لإجبار الشباب الكويتيين على مزاولة أعمالهم، من ظلم يقع عليهم.

ومن أحاديث الرسول ﷺ قوله "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له"، إلا أنه من الظلم أن نطالب الشباب الكويتيين بأن يلبسوا البدلة الزرقاء، وغدا البدلة الخضراء للحد كذلك من عمالة وافدة تزايد عددها وهي قادمة من دول آسيوية مثل البنغال وسريلانكا.

ذلك أن من حق الشباب الكويتيين، أن تتاح لهم فرص أفضل في دولة الرفاهية التي بشر بها دستور الكويت في ديباجته بسعيه نحو مستقبل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ليكون هؤلاء الشباب قادرين على التفكير والخلق والإبداع، ليعوضوا بقدراتهم ما نفد من مخزون النفط، وما قد ينفد منه، ولينموا بها ما بقي من هذا المخزون، ليصبح النفط داعماً لنشاطهم وإبداعهم.

وذلك لما ينطوي عليه هذا الخيار الصعب من مصادرة حق المواطن في اختيار نوع العمل بما يحقق طموحه المادي والأدبي، وهو حق دستوري كفله له الدستور في المادة (41) كما نهى في المادة (42) عن فرض عمل إجباري على أحد في دولة تحكم بنظام ديمقراطي يكفل الحرية الشخصية لكل إنسان (المادتان 6 و30).

الجانب الإنساني والمكانة الدولية

ولا نغفل في هذا السياق الجانب الإنساني والمكانة الدولية للكويت، وأكتفي بأن أنقل ما كتبه الكاتب فاروق النوري على صفحات "الجريدة" أول من أمس، من مقال تحت عنوان "رفقا بالعمالة الوافدة... الإنسانية مطلوبة"، يقول فيه" لذلك فإنني عندما أطالب بعدم الإساءة إلى العمالة الوافدة فذلك يأتي أولا، وقبل كل شيء، من باب العدالة والإنصاف واحترام المبادئ الإنسانية التي يفترض أن تكون مستقرة في ضمير مجتمعنا المتحضر، وعلينا أن نتذكر دائما وقوف العالم بأسره معنا ومناصرته لنا في دحر العدوان العراقي وطرده من بلادنا إلى غير رجعة.

لذلك نحن مدعوون إلى مضاعفة جهودنا لتحقيق المزيد من الإنصاف لهذه العمالة، وأطالب كذلك السلطات المختصة بتوجيه العاملين في المنافذ الحدودية بحسن التعامل مع تلك الجاليات، وكذلك بوقف اتخاذ الإجراءات العقابية ضد من يرتكب مخالفات مرورية بسيطة بإبعاده عن البلاد، وأطلب من المسؤولين الكفّ عن تصريحاتهم النارية في هذا الخصوص، وألا يغيب عن بالهم أنهم محط أنظار وسائل الإعلام العالمية والهيئات الدولية المختصة بحقوق الإنسان، حيث إن الأمر يتعلق بسمعة الكويت التي يجب أن نسعى إلى تعزيزها والدفاع عنها".

back to top