عودة الاستراتيجية الصناعية

نشر في 23-03-2017
آخر تحديث 23-03-2017 | 00:08
 بروجيكت سنديكيت تعود السياسة الصناعية إلى الواجهة في العديد من الاقتصادات المتقدمة اليوم، وبعدما تم التخلي عنها خلال فترة الازدهار في الثمانينيات لكونها ساهمت في ركود العقد الماضي، يُنظر إليها على نحو متزايد كوسيلة للحد من هروب الناخبين من الطبقة العاملة إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، لكن وضع استراتيجية صناعية حديثة وفعالة لن يكون عملا سهلا.

ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحديد إطار ثابت لمعالجة هذا الموضوع منذ عام 2014، عندما نشر تحليلا لمزايا وعيوب السياسة الصناعية، كما أصدرت المملكة المتحدة بعد ذلك في يناير ورقة خضراء حول بناء استراتيجية صناعية، وقد ركز الرئيس الأميركي دونالد ترامب أيضا على السياسة الصناعية، على الرغم من أنه من المحتمل أن يترتب على روايته تدخل الدولة الضروري واتخاذ تدابير حمائية.

إن رؤية ترامب المتردية يبدو أنها بالفعل مختلة، لكن نهج أوروبا في الاستراتيجية الصناعية يعد بأشياء كثيرة، لأسباب مثل تجنب تدخلات الماضي الواسعة التي كانت تؤكد «اختيار الفائزين». ففي المملكة المتحدة مثلا تتوقع الحكومة أن تركز بدلا من ذلك على «التدخلات المستهدفة» التي تهدف إلى خلق الحوافز الإيجابية، ومعالجة إخفاقات السوق الصحيحة والاختلالات الاجتماعية والجغرافية والقطاعية، ومن الواضح أن القادة السياسيين قد تعلموا بعض الدروس المهمة من التاريخ.

لكن لا تزال هناك مشاكل خطيرة، ويبدو أن الحكومات الأوروبية تعتقد أنها تستطيع تنفيذ سياسات خاصة تعزز «يدها الخفية» اليوم، وأن تلك السياسات ستجد نفسها بطريقة أو بأخرى مندمجة تماما في إطار متماسك، ويبعث هذا الأمر على التفاؤل، في أحسن الأحوال.

إن الخطة الجديدة للمملكة المتحدة لا تحدد بدقة الهدف الرئيس من الاستراتيجية، فهل هو لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي عندما لن تعد المملكة المتحدة جزءا من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي؟ أم لتعزيز الإنتاج المحتمل للاقتصاد البريطاني؟ وتشير خطة الحكومة إلى كلا الهدفين، لكنها لم تبين كيف سيتم تحقيق التوازن بينهما.

على قادة المملكة المتحدة إدراك أن هذه الاستراتيجية إذا كانت تهدف إلى تعزيز النمو في مرحلة ما بعد بريكست، فإنه من المحتمل أن يتم تعيينها في سياق ارتفاع الرسوم الجمركية وجها لوجه مع الاتحاد الأوروبي، السوق الرئيس لبريطانيا، ومن شأن هذه الاستراتيجية أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار القدرة التنافسية العالمية للصناعة البريطانية، وتكمل السياسة العمالية المستقلة الجديدة للبلاد.

وفي الوقت نفسه يجب على الحكومة البريطانية ألا تنشغل بالحفاظ على النمو على المدى القصير وعلى العمالة وسط بريكست، بحيث تفقد التركيز على تعزيز إمكانات النمو على المدى الطويل، ومما يثير القلق أن الاستراتيجية المقترحة قد تركز بشكل مبالغ فيه على تقويض مساهمة الحكومة في الاقتصاد.

في حين أن الحكومات محقة لتجنب اختيار الفائزين فيجب أن تبحث عن القطاعات والصناعات الأكثر مساهمة في النمو على المدى الطويل، وتساعد على نجاحها، حتى لو كانت هناك مخاطر مالية حقيقية.

فينبغي على الحكومات مثلاً القيام باستثمارات كبيرة في البنية التحتية التي لديها فوائد إيجابية، والتي قد تكون كبيرة جدا أو محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى القطاع الخاص، وهذا الأمر وارد هذا بشكل خاص، حيث تستطيع الحكومة الولوج إلى مجموعة واسعة من المعلومات من القطاع الخاص، وتعزيز قدرتها على تحسين استثماراتها.

عنصر آخر غائب في النقاش الدائر حاليا حول السياسة الصناعية في أوروبا هو جدول زمني واضح، والحقيقة هي أن الاستراتيجية التي وضعت اليوم يمكن أن تستغرق جيلا بكامله لتحقيق نتائج «إصلاح التعليم»؛ لذلك فإن الاستراتيجية الصناعية الفعالة يجب ألا تحدد الإطار الزمني العام فقط، بل تحدد أيضا الخطوات المهمة على طول الطريق.

بالنسبة إلى المملكة المتحدة ينبغي أن تتضمن تلك المعالم أهدافا على المدى القصير، ونتائج مرتبطة بعملية بريكست، فبعد كل شيء تتطلب الاستراتيجية الصناعية الحديثة والفعالة محاسبة دقيقة للأصول والموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، لأن الاقتصاد سيحتاج إليها في السنوات القادمة، ففي المملكة المتحدة مثل هذه المحاسبة لا يمكن أن تنفصل عن بريكست، وعلى وجه الخصوص يجب على قادة المملكة المتحدة تحديد الموارد التي ترتبط بالسوق الأوروبية الموحدة، وكيف يمكن استبدالها، وكم من الوقت ستستغرق هذه العملية.

العنصر الحاسم النهائي للاستراتيجية الصناعية الفعالة هو الإطار المؤسسي الذي تعتمد عليه، وتعترف الحكومة البريطانية بأهمية تهيئة المؤسسات المناسبة لمعالجة الفوارق الإقليمية، ولكن على المؤسسات تجاوز ربط القطاعات والمناطق لضمان الشفافية والمساءلة، وخصوصاً في العلاقة بين القطاعين الخاص والعام.

وعلى القادة البريطانيين التفكير في المؤسسات الضرورية الموجودة بالفعل التي تحتاج إلى تطوير، ومن المهم أن نقاوم الرغبة في إغلاق المؤسسات الضعيفة أو غير الفعالة، والنظر في كيفية إصلاحها وتعزيزها.

وعلى خلفية أن الاقتصادات البريطانية والأوروبية ستعرف تغييرات كبيرة يجب أن يعمل القادة الآن على تحديد رؤية استراتيجية شاملة لتمكينهم من مواجهة التحديات المقبلة، ويجب أن تكون هذه الرؤية جريئة وطموحة، وقبل كل شيء يجب أن تكون مشتركة، وفي وقت تتعزز فيه القطبية قد يكون هذا الأمر أصعب مرحلة.

* باولا سوباتشي ، مديرة الأبحاث في الاقتصاد الدولي في «تشاتام هاوس».

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top