أسرار ما بعد عهد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة

نشر في 22-03-2017
آخر تحديث 22-03-2017 | 00:03
يستعد العسكريون والسياسيون في الجزائر لمرحلة ما بعد بوتفليقة الذي يحكم البلد منذ 18 سنة. من يطلب منه الرحيل؟ الشعب أم الجيش أم المعارضة أم العواصم الخارجية؟ يجيب الرئيس الجزائري بكل قوة: «لا أحد!».
أصيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتهاب في القصبات الهوائية دفعه إلى إلغاء لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الشهر الماضي، ثم منعه «التعب» من مقابلة المرشح للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون. كان ذلك كفيلاً بتذكير الجميع بأن بوتفليقة البالغ من العمر 80 عاماً ليس خالداً! تقرير مشوق من لوبوان الفرنسية.
لا يجرؤ المحيطون بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على التفكير بمن سيخلفه نظراً إلى غياب الإجماع حول هوية الشخص الذي سيحل مكانه. يقتصر المحيطون به على أفراد عائلته، لا سيما شقيقه الأصغر سعيد، ومستشاره ونائبه، وشقيقته زهرة، فضلاً عن بعض الأمناء وحارسه المقرّب وفريقه الطبي المؤلف من فرنسيين وصينيين. قد يزوره أيضاً رئيس الوزراء وقائد الجيش في مقره الطبي في منطقة زرالدة، غرب الجزائر. لكن بعيداً عن هذا الجو الهادئ في العيادة الفاخرة، تهزّ السيناريوهات المرتبطة بمرحلة ما بعد بوتفليقة الأوساط الجزائرية كلها.

في الوقت الراهن، يمكن توقع بعض السيناريوهات المحتملة. إذا رحل الرئيس فجأةً، ربما يصبح عبد القادر بن صلاح (75 عاماً)، أحد أعوان بوتفليقة ورئيس مجلس الأمّة، رئيس البلاد طوال 90 يوماً كحد أقصى على أن تُنظَّم خلال هذه الفترة انتخابات رئاسية.

في عام 1999، كان بوتفليقة «مرشّحاً توافقياً» ولطالما طرح نفسه بهذه الصورة في الأوساط المحلية والخارجية. لذا تتعلق أهم خطوة دوماً بتوصّل مختلف القوى السياسية داخل النظام، بدعمٍ من المعارضة «المفيدة»، إلى اختيار اسم موحّد بعد الصدمة التي سيُحدثها رحيل الرئيس. في ظل غياب التوافق، سيتولى الجيش بشخص قائده أحمد قايد صالح إدارة المرحلة الانتقالية. كانت هذه الفكرة تخيف الأوساط الجزائرية قبل عام 2011 واندلاع الثورات العربية لكنها لم تعد تحمل اليوم الطابع المخيف نفسه. حتى أن البعض لا يعتبر هذا الخيار سيئاً بما أن الجيش يستطيع أن يمنع انتشار الفوضى. يهتم الشركاء الخارجيون في المقام الأول بالحفاظ على استقرار الجزائر. حتى المعارِض الشرس علي بن فليس دعا الجيش كي يكون «ضمانة للاستقرار خلال المرحلة الانتقالية».

يبقى أن نعرف ما إذا كان أحمد قايد صالح الذي يحمل طموحات رئاسية معروفة مع أنه يبلغ 80 عاماً سيلتزم بدوره العسكري أو أنه يريد الاقتداء بعبد الفتاح السيسي في مصر. هو يلتزم الصمت حتى الآن ولا يكشف عن خططه السرية للمرحلة المقبلة، بل ينشغل بزيارة الجبهات في الجنوب والجنوب الشرقي ويشرف على المناورات العسكرية ومشاريع بناء قواعد قتالية جديدة في الصحراء الشاسعة حيث تكثر تهديدات الجماعات الإرهابية في ليبيا وشمال مالي.

في مقاطع تبثها القنوات الرسمية حول دور الجيش في «حماية الوطن» و«الحفاظ على أمن الحدود»، لا يكفّ قايد صالح عن التذكير بدوره في حماية الدستور والحفاظ على استقرار البلد ووحدة شعبه. إنها طريقة فاعلة للتشديد على الأهمية التاريخية التي يحملها الجيش.

ولاية خامسة

يتعلق احتمال آخر بإقدام بوتفليقة على الترشح لولاية خامسة في عام 2019. طرح المقربون منه هذا الاحتمال المستبعد منذ بضعة أشهر. اليوم، يجيب هؤلاء عن الانتقادات المرتبطة بوضع الرئيس الصحي قائلين إن «الكرسي المتحرك لم يمنع روزفلت من أن يكون رئيساً عظيماً». حتى أن بعض المصادر ذكر أن الرئيس سيستأنف المشي خلال أشهر! تتعدد الجهات التي أعلنت دعمها لاستمراره في الحكم لكن تعتبر جهات أخرى أن هذا الخيار مستحيل لأن الرئيس نفسه قرر تعديل الدستور في عام 2008 لحصر الولايات الرئاسية باثنتين، لذا سينتهك بوتفليقة الدستور إذا ترشّح مجدداً.

لكن يستطيع «أصحاب القرار» دوماً أن يعدلوا الدستور بما يتوافق مع مصلحة بوتفليقة. نعني بأصحاب القرار الأوساط الرئاسية وكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين. لكن يظن البعض أن ثمن ولايته الرئاسية الخامسة سيكون باهظاً لأن وضعه الصحي سيطرح مشكلة دائمة فيما اختلفت التحالفات السياسية اليوم عما كانت عليه في عام 2014. كذلك يجب أن يشرح المعنيون هذا القرار للجيل الذي ينتظر دوره منذ عقود. لطالما خدم حشد من التكنوقراط المتدربين جيل آبائهم المشتق من حرب الاستقلال بانتظار أن يحين دورهم لاستلام السلطة.

يعتبر علماء الاجتماع أن عوائق النظام السياسي في الجزائر تتعلق فعلياً بالصراعات القائمة بين مختلف الأجيال. لا بد من معرفة ما سيفعله جيل الحكام القدامى لتنظيم تنحّيه من السلطة وفتح المجال أمام الجيل الشاب. يمكن أن تحصل هذه العملية داخل المؤسسات بطريقة سلمية وبأقل ثمن ممكن.

يتعلق سيناريو آخر بإقدام بوتفليقة على تنظيم المرحلة التي تلي عهده بنفسه لكنه احتمال مستبعد. يقول المقربون منه إنه لا يريد أن يتنحى طوعاً، ليس من باب الدكتاتورية، بل بسبب ثقافته السياسية: بحسب رأيه، لا يكون الزعيم الحقيقي مجرّد قائد سياسي بل هو أبو بلده والأب لا يتخلى عن عائلته مطلقاً! قال بوتفليقة في إحد تصريحاته في عام 1999: «أنا الجزائر كلها وأمثّل الشعب الجزائري!».

انتخابات منتظرة

في مطلق الأحوال، ستكون الانتخابات التشريعية المنتظرة في شهر مايو بالغة الأهمية ومن المتوقع أن يخصص البرلمان المقبل مقاعد إضافية للمعارضة وأن تحمل السلطة التنفيذية شعار «الوحدة الوطنية». لكن قبل بلوغ تلك المرحلة، لا بد من إعادة تنظيم الجوانب القانونية لإطلاق رؤية جديدة عن الحياة السياسية الجزائرية وإعطاء شرعية للخطوة المقبلة، سواء ارتبطت بولاية رئاسية خامسة للمرشّح نفسه أو بإدارة الصدمة التي تلي رحيل «أبي الأمّة». بعد تجديد أسس مراكز القرار التي تتوزع بين بوتفليقة وقايد صالح، يجب أن يعيد أصحاب السلطة تنظيم نزعة الحكم الجماعي التي يفضّلها النظام الجزائري.

قد تكون هذه الخطوة الأهم على الإطلاق. لا أهمية لهوية الشخص الذي سيخلف بوتفليقة. قد لا تتكرر أحداث الماضي عند اختيار الرئيس في الجزائر، لكن لن تتغير العملية في جوهرها. سيكون أي رئيس جديد نتاج إجماع ضمني بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. لكن تكمن المفارقة في واقع أنّ تَركّز السلطات بهذا الشكل بين رئيس البلاد ورئيس هيئة الأركان يدعو إلى إنشاء تماسك إضافي على أعلى المستويات، ما يستلزم إعادة تنشيط شبكات التشاور كي لا تقع الكارثة، في أسوأ الأحوال، على ركيزة واحدة من السلطة.

مسؤول عن تحديد مصير الحكم مجدداً

يدرك أعضاء حزب «جبهة التحرير الوطني» أن لعبة السلطة ستبقى مغلقة لأن بوتفليقة شخصياً وضع أسسها. يقول الجميع إن الجزائر لن تتبع أي سيناريو محدد في موضوع الخلافة على الحكم لكنهم مخطئون. في النهاية، يبدو أن بوتفليقة سيكون المسؤول عن تحديد مصير الحكم مجدداً!

أحمد قايد صالح يحمل طموحات رئاسية معروفة مع أنه يبلغ 80 عاماً

عوائق النظام السياسي في الجزائر تتعلق بالصراعات القائمة بين مختلف الأجيال
back to top