الأفيون

نشر في 20-03-2017
آخر تحديث 20-03-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم هناك تصنيفات وأنواع متعددة للروايات منها الرواية الواقعية، البوليسية، الرواية التاريخية، السياسية، الاجتماعية، الخيال العلمي، العاطفية، الوطنية، ولكل من هذه الروايات طريقة وأسلوب مختلف، كاتبها وحده هو الذي يميزها ويمنحها لذة القراءة والإجادة والتفوق، إذن موضوع نوع وصنف الرواية ليس سبباً في جودة الكتابة بل أسلوب الكاتب هو من يضفي القيمة والجودة على أي نوع كان من أنواع الرواية، ولأي فكرة كانت لا يهم غرابتها أو ندرتها أو عاديتها، وكلما تميز الكاتب برؤية ووعي عميق ازدادت قيمة النص الأدبية والفنية والتميز لأي نوع من اختياره للكتابة، ولفكرة المادة المكتوبة فيه.

رواية "أفيون" للكاتب الفرنسي ماكزانس فيرمين هي رواية تاريخية ذات أسلوب كتابة عادية تخلو من العمق والرؤية الخاصة بالكاتب، الذي لم يكلف نفسه إلا بحكيها وقصها من دون أي تميز في التقنيات الفنية، أو تناول الطرح برؤية تمنح النص أبعاداً رؤيوية فلسفية عميقة، لأن النص يستحقها، كل الذي فعله هو قصها بشكل درامي تصاعدي يهرول نحو حبكته بسذاجة، ومع هذا نجحت الرواية تجارياً، وتُرجمت إلى عدة لغات، وهذا النجاح لا يمنحها قيمة تقارن بقيمة الكتابات الأدبية الجادة القيمة، لأنه حصل لوجود قارئ مستواه الفكري والعقلي يساويها ويوازيها.

رواية الأفيون عن تاجر الشاي الإنكليزي شارل ستوو، الذي سافر إلى الصين عام 1838، ليتعرف على أسرار تركيبة الشاي الأخضر والأزرق والأبيض، وهناك يلتقي بالتاجر الأيرلندي "بيرل"، الذي يمتلك وحده كارتاً يسمح له بالعبور إلى مزارع الشاي السرية، وبعد أن يعقد معه معاهدة بامتزاج دمهما يسمح له أن يكون شريكاً معه في تجارة الشاي، ويمنحه كارت المرور، هذا الكارت يوصله إلى معرفة "وانغ" حارس الوادي المقدس لزراعة الشاي، ومن ثم يصر على معرفة "لوشين" إمبراطور الشاي غير المرئي، و"لوان" المرأة الصينية الجميلة الموشوم فوق كتفها وشم لزهرة الخشخاش، بعد إصراره على الوصول إلى "لوشين"، يتعرف على الصينية "لوان" ويقع في حبها، ثم يعرف أنها زوجة لوشين إمبراطور الشاي الغامض الذي لم يره أحد حتى زوجته "لوان" لا يكشف لها وجهاً، لكنه يصر على مقابلته حتى يقتله ويتزوج "لوان"، ثم في النهاية يكتشف أن "لوان" هي لوشين، وهي إمبراطورة الشاي التي يشتغل لحسابها التاجر الأيرلندي، ويوصل لها الأفيون الممنوع تداوله في الصين، فيما يُعرف بحرب الأفيون.

هذه هي كل القصة المكتوبة بتقنية درامية تركض وراء حبكتها حتى تكشفها بشكل ساذج يصلح لأفلام المقاولات، يعني "شوية" غموض حول الشخصيات بل تعمق في رسمها، و"شوية" حفلات رقص وجنس وأفيون ورحلات في مزارع الشاي، ويلا "هوبا" وصلنا إلى نهاية حبكة مبتذلة الاستهلاك.

يكثر هذا النوع من الروايات الأكشن التجاري الرخيص، لأن لها قراء يقرأونها فقط لتمضية الوقت في رحلات السفر والانتظارات الطويلة، ثم يتركونها على الطاولات والمقاعد، لأن مفعولها وصلاحيتها انتهيا، وهذا في الغالب دور هذا النوع من الروايات تسقط قيمتها بعد اكتشاف حبكتها، مثلها مثل شبكة الكلمات المتقاطعة ترميها حالما انتهيت من حلها.

هذه الرواية لو كُتبت بعمق أكبر لأصبح لها قيمة تحفظها وتنقلها لخلود أطول، لأنها توفر لها بنية تسمح بالغوص وتحليل دوافع شخصياتها وتركيباتهم النفسية وقيمهم وصراعاتهم الوجودية وضعفهم الإنساني، وليس فقط المرور عليهم كأدوات لنقل الأحداث دون التغلغل في فهم دوافعهم، حتى لغة الرواية كانت بسيطة مثل فكر كاتبها وفكر شخصياتها، لا تمنح القارئ فرصة ليشطح بعيداً عنها، عاديتها تشد إلى الأرض ليس لها أبعاد أكثر من ذلك.

هذه فقرة لعلها أقواها وأفضلها ربما جاءت بفضل معايشته لتجربة حب حقيقية أسقطها على شخصية بطلة الرواية، وهي المرأة الوحيدة فيها: "لم يكن حاقداً على هذه المرأة، مع مرور الوقت، تعلم أن يحبها، وأن يراها أكثر روعة أيضاً، شيء من اليقين كان يتسرب إلى داخله ويحمل له الصفاء، كان واثقاً أن حبه يكبر كل يوم حتى مماته، كان ارتباطهما قصيراً جداً بحيث أن الشعلة فيه لم تتلاش قط... قدمت له "لوان" أجمل ما في الوجود: سحر اللحظات الأولى، فضلاً عن ذلك، لم يكن لدى "شارل ستو" شيء يأسف عليه، فرحلته الطويلة فوق النهر المحرّم قادته من خضار الشاي الساحر إلى سواد الأفيون، وجعلته يدرك أن الحياة أفيون لا نتعب منه أبداً.

back to top