توماس فريدمان: في أميركا لدينا سُنّة وشيعة يُسمّون ديمقراطيين وجمهوريين!

نشر في 20-03-2017
آخر تحديث 20-03-2017 | 00:03
يتحدّث الصحافي الأميركي توماس فريدمان الفائز بثلاث جوائز «بوليتزر» في المقابلة التالية عن كتابه Thank You for Being Late (شكراً على تأخّركم)، فيشرح أسباب اختياره هذا العنوان لإصداره، ويتطرّق إلى التطورات الهائلة التي نشهدها وتأثيرها في العالم، كذلك يعطي رأيه في الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لماذا اخترت عنوان «شكراً على تأخّركم» لكتابك؟

كنت أدعو الضيوف دوماً إلى الفطور فيصلون أحياناً بعد 15 أو 20 دقيقة من الموعد المحدد وينسبون تأخرهم إلى ازدحام السير ووسائل النقل... في أحد الأيام، قلتُ لأحدهم عفوياً: «لا داعي للاعتذار. شكراً على تأخرك!». بفضل تأخر الضيوف، تمكنتُ من سماع محادثة على الطاولة المجاورة وشاهدتُ حركة الناس في القاعة وتوصّلتُ إلى الربط بين فكرتين كنت أجد صعوبة في جمعهما منذ أشهر. كنت أحتاج إلى إبطاء مساري. حين يضغط الإنسان على «زر الاستراحة»، سيتجدد نشاطه ويستأنف التفكير والتخيّل والابتكار. كم نحتاج إلى هذا النوع من الاستراحة اليوم!

هل نحن على مفترق طرق من تاريخنا؟

نحن أمام ثلاثة تسارعات عملاقة: العولمة والتغيير المناخي والتكنولوجيا. تشهد قوة الأنظمة الحسابية في الحواسيب مثلاً نمواً استثنائياً يتمثّل بقانون مور الذي يحمل اسم أحد مؤسسي شركة «إنتل». لتفسير أثر هذا القانون المرتبط بتضاعف قوة الحواسيب كل سنتين، طبّق مهندس في شركة «إنتل» معايير الأداء المستعملة في المعالِجات الدقيقة على سيارة «بيتل» من إنتاج «فولكسغاغن». عند تحسين سيارة مماثلة تعود إلى عام 1971، ستسير اليوم بسرعة 180 ألف كلم/الساعة ولن تكلّف شيئاً وستكتفي بكمية ضئيلة من البنزين!

تلك التسارعات ليست كفيلة بتغيير العالم فحسب، بل ستعيد رسم معالمه أيضاً. بفضل تحسين الوضع الصحي العام وتراجع معدل الوفيات، سيرتفع عدد السكان في نيجيريا مثلاً من 17 إلى 72 مليون نسمة بحلول عام 2050. لكن بسبب شحّ المحاصيل نتيجة للجفاف، يضطر الناس إلى الهجرة وينظمون رحلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. أخبرني أحد مستشاري فرانسوا هولاند بأن فرنسا كانت أعلنت أنها لن ترفض أي مركب على متنه شخص من أصحاب الاحتياجات الخاصة، فوصل عدد كبير من المقعدين خلال 24 ساعة. تثبت تلك الحادثة مدى سرعة انتشار المعلومات في هذا العصر.

عام محوري

كان عام 2007 محورياً لكن لم يدرك كثيرون حقيقة ما حصل.

نشأت في ذلك العام أنواع الابتكارات والشركات كافة. أطلق ستيف جوبز أول جهاز «آي فون»، وازدهرت شركات «غوغل» و«أندرويد» و«أمازون» و«كيندل» و«فيسبوك» و«تويتر»، وابتكرت شركة IBM أول حاسوب معرفي اسمه «واتسون»، وتراجعت كلفة تجزئة الجينوم من 100 مليون دولار إلى 1200، ونجح قطاع الطاقة الشمسية... يمكن اعتبار تلك السنة الأهم منذ عصر غوتنبرغ. لكن لم يلحظ أحد حجم ما حصل لأن 2008 شهد أزمة اقتصادية ضخمة أدت إلى تجميد الإصلاحات السياسية والتنظيمات التي كان يُفترض أن تساعد الناس على الاستفادة من تلك التسارعات.

شعر الناس فجأةً بالعجز والقلق.

بالنسبة إلى عدد كبير من الناس، أصبح العالم سريعاً أكثر من اللزوم. ما من تناسق بين التكنولوجيا التي تتغير خلال فترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات وبين الإنسان الذي يحتاج إلى 10 أو 15 سنة كي يتكيف معها. سبق واختبرت شركة «أوبر» سيارات بلا سائق في الشوارع لكن ستمرّ سنوات عدة قبل وضع إطار تنظيمي لهذا الابتكار. اليوم، يجب أن يتحلى الناس بقوة الإرادة كي ينجحوا ويتطلب هذا الهدف تجديد الكفاءات كل ستة أشهر.

الإنسان والتغيرات

لكن يقول المدافعون عن التكنولوجيا إن الإنسان لطالما نجح في التكيّف مع التغيرات. ألم يعد الوضع كذلك؟

لم يسبق أن عشنا في عالمٍ تحمل فيه الآلات خمس حواس! تلقيتُ البارحة فيديو يظهر فيه رجل آلي وهو يهدهد طفلاً. في الماضي، كانت الآلات تُكمّل عمل البشر. أما الآلات الراهنة، فأصبحت بديلة عنهم. أوقفني شخص قرأ كتابي في المطار وقال لي إن السيارات ذاتية القيادة ستقضي على سلسلة فنادقه الصغيرة. سينام الناس خلال تنقلاتهم ولن يحتاجوا إلى التوقف للمبيت في فندق.

ستعيد هذه التسارعات الثلاثة رسم معالم العلاقات الدولية أيضاً.

نعم، حتى أنها ستؤدي إلى انهيار الدول الهشة. بعد الحرب العالمية الثانية، نشأت سلسلة كاملة من الدول الهشة لكنها صمدت بفضل الحرب الباردة. كانت فرنسا وروسيا والولايات المتحدة تغرقها بالأموال وتُعلّم أبناءها في السوربون وتبني لها الملاعب. لكن انتهت الحرب الباردة اليوم ولم تعد أية دولة عظمى مستعدة لتمويل تلك الدول حيث يزداد العدد السكاني بنسبة قياسية وتشتدّ تداعيات الاحتباس الحراري ويتأثر الاقتصاد سلباً بسبب المنافسة التي تفرضها الصين... ستصبح فئة واسعة من الدول الهشة عبارة عن مناطق فوضوية شاسعة وسيحاول ملايين الناس هناك أن يهاجروا نحو عالم منظّم. نتيجةً لذلك ستنشأ مشكلة جغرافية استراتيجية كبرى. سيكون التفكير بوضع سياسة هجرة من دون سياسة مناخية أو سكانية أمراً مستحيلاً.

ترامب لا يربط الأفكار في عقله

هل كان انتخاب دونالد ترامب نتيجة لتلك الانقلابات كلها التي يتحدث عنها توماس فريدمان؟ يقول الصحافي الأميركي في هذا المجال: «ليس ترامب وحده، بل مارين لوبان وجميع المرشحين الذين يعدون بكبح التغيير الحاصل. يتصرّف ترامب بطريقة غير متماسكة. يقول إنه سيبني جداراً على الحدود مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين لكن سيؤدي ذلك الجدار إلى إفساد الاقتصاد المكسيكي وسيرغب عدد إضافي من المكسيكيين في المجيء إلى الولايات المتحدة. يبدو أنه لا يربط الأفكار في عقله. لكنّ العالم مترابط إلى أقصى حد».

يتابع أن السياسة الأميركية تبدو اليوم مشابهة للشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى، ويقول: «لدينا سُنّة وشيعة لكنهم يسمّون نفسهم ديمقراطيين وجمهوريين!».

بالنسبة إلى عدد كبير من الناس أصبح العالم سريعاً أكثر من اللزوم
back to top