المناصب الفضائية شرعنة رسمية للفساد

نشر في 09-03-2017
آخر تحديث 09-03-2017 | 00:15
 فاروق النوري أسمع عن الفساد ومكافحته منذ زمن طويل، وعلى الرغم من ذلك فهذه الظاهرة آخذة في الازدياد بشكل مخيف ومرعب، والكويت ترتفع مرتبتها بين الدول الأكثر فسادا في العالم، والشواهد جميعها تؤكد ذلك على الرغم من الجهود الجادة التي تبذل لمكافحة الفساد من خلال إنشاء هيئة مكافحة الفساد، وهيئات أخرى غير رسمية (مثل جمعية الشفافية وغيرها).

إما بالنسبة إلى الهيئة الرسمية فهذه الهيئة منذ إنشائها وهي تتعرض للانتقادات والملاحظات، فهناك من يتهمها بالفساد فقد دخلت في صراع شرس مع الوزير المسؤول عنها، ودخلت أيضا كما سمعنا في دعاوى قضائية تطالب بإلغائها بحجة عدم الحاجة إليها لتداخل اختصاصاتها مع أجهزة أخرى وتضاربها مع قوانين عدة، وغير ذلك من الانتقادات الأخرى التي وجهت إليها، والتي قد توجه إلى هيئات أخرى أرى في إنشائها واستمرار وجودها شكلا من أشكال الفساد.

وللفساد كما نعلم أشكال ونماذج متعددة، ومن هذه النماذج ذلك النموذج المتمثل بالمناصب والهيئات الفضائية الهوائية الذي لم ينتبه إليه أحد ومروا عليه مرور الكرام دون أن يعلموا أن ذلك يعدّ ضربا صارخا من ضروب الفساد، فالمناصب الفضائية، وباختصار شديد، تستحدث وتفصل لمصلحة وترضية أشخاص كانوا يشغلون مناصب عليا رفيعة المستوى، ويراد تعويضهم بعد أن فقدوا تلك المناصب لتعيدهم مرة أخرى في مناصب عالية دون أن تعرف ماهية وحدود المهام المنوطة بهم.

وأتساءل عما سيقدمه من يعين في منصب مستشار في ظل وجود كم هائل من المسؤولين التنفيذيين وغيرهم ممن يؤدون العمل دون أي حاجة لوجود المستشار، ومنعا لأي إطالة فكل ما في الأمر هو تعيين أشخاص في مناصب غير محددة الأبعاد والمعالم بقصد تنفيعهم من خلال صرف مخصصات مالية عالية لهم، علاوة على الامتيازات الوظيفية الأخرى. وهذا نادرا ما يحدث في الدول الأخرى، حيث تتم الاستفادة من خبرات الموظفين السابقين رفيعي المستوى من خلال استقطاب الشركات الخاصة لهم، وهذا ينطبق أيضا على الهيئات والمؤسسات الجديدة التي لاحظنا انتشارها بشكل شيطاني مثل انتشار النار في الهشيم، والتي لم يكن هناك أي حاجة لإنشائها على الإطلاق، فهي نماذج مكررة لهيئات أو مؤسسات قائمة منذ زمن طويل، وهناك تداخل كبير بين مهامها واختصاصاتها وبين تلك التي تم إنشاؤها.

ولا يقتصر الأمر بالنسبة إلى هذه الهيئات على تفصيلها لمصلحة أشخاص معينين، بل يمتد إلى إفساد أجهزة إدارية يشغلها عدد لا بأس به من الموظفين ممن يتقاضون رواتب ومخصصات مالية، إضافة إلى الأعباء المالية والإدارية الأخرى التي لا داعي لها على الإطلاق، وتحمل الميزانية مبالغ باهظة.

ومما يؤسف له أن هذه الهيئات والمؤسسات لم تتم بمباركة الجهات الرسمية والحكومية فحسب، إنما امتدت لتشمل مجلس الأمة الذي بارك وبشدة إنشاء تلك المؤسسات، وبذلك يكون المجلس قد شارك في الفساد الذي لا يمكن إنكاره، فالمناصب والهيئات المذكورة تعد شكلا من أشكال الفساد، وتعبر عن حالة من حالات إهدار المال العام وتدميره.

ومما يدعو إلى العجب ويضاعف الألم أن الكويت قد تصدت في منتصف السبعينيات وأواخر الثمانينيات لظاهرة إنشاء المنظمات العربية الجديدة على صعيد الجامعة العربية لعدم جدواها ولتداخل اختصاصاتها مع منظمات أخرى قائمة كانت تمثل إهدارا للمال والجهد.

لذلك أدعو إلى اتخاذ الإجراءات المطلوبة لوقف هذه الظاهرة والحد من انتشارها؛ حفاظا على المال العام ومنعا لاستمرار تفشي الفساد باعتبار أن ما يطبق على الهيئات الحديثة يطبق أيضا على الهيئات والمؤسسات القائمة منذ مدة لوقف إهدار المال العام، ودرءا لاستمرار ظاهرة تفشي الفساد واستمرار تزايدها على النحو المخيف الذي نشهده الآن لعلنا نكون بذلك قد أسهمنا ولو بالنزر اليسير في الجهود المبذولة للقضاء عليها.

back to top