الصوفية وحزب العدالة والتنمية التركي... الرابط والتأثير

نشر في 25-02-2017
آخر تحديث 25-02-2017 | 00:04
 مبارك الجري بعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس تركيا الحديثة شهدت الطرق الصوفية عدة تحديات أهمها تحدي الوجود والتأثير والاستمرار في العهد الجمهوري، وبالرغم من إقصاء هذه الطرق من الشأن السياسي العام فإن فكرة التحديث والعلمانية الأتاتوركية لم تتمكن من مقاومة التأثير الصوفي- وتحديداً الطريقة النقشبندية- على المجتمع التركي وخصوصاً في مناطق الأناضول (قونية، ديار بكر، طرابزون، أزمير، فان... إلخ).

وفي خمسينيات القرن الماضي عادت الطريقة النقشبندية وطرق أخرى إلى الساحة السياسية من خلال تأسيس دوائر كان لها دورٌ سياسي مهم وإن كان غير مباشر، ويؤكد ذلك كل من الدكتور Angel Rabasa، والدكتور Stephen Larabee في دراستهما عن صعود الإسلام السياسي في تركيا، بأن "هناك صلة بين عودة الانتعاش الصوفي وانتقال الزعامة السياسية للبلاد آنذاك من حزب الشعب الجمهوري الكمالي إلى الحزب الديمقراطي المحافظ تحت زعامة عدنان مندريس، الذي كانت حكومته أكثر تسامحاً مع التقاليد الإسلامية".

والطريقة النقشبندية، وخصوصاً الخالدية، هي أبرز وأقوى الطرق الصوفية تأثيراً وانتشاراً في تركيا، وهذا ما ساعدها على تكوين قاعدة اجتماعية متنوعة من رجال أعمال وسياسيين، فضلاً عن تأثر عدد لا يستهان به من الطبقة المتوسطة والإنتلجسنيا بأفكار ومسار هذه الطريقة. وينبغي الإشارة إلى أن التأثر بالنقشبندية لا يعني بالضرورة الانتماء إليها والالتزام بتعاليمها كحال مريديها، وقد أدى تنامي قاعدة النقشبندية الاجتماعية إلى زيادة التفاعل مع المجال السياسي حتى إن أصبحت أكثر الطرق نشاطاً وتفاعلاً مقارنةً بالطرق الصوفية الأخرى، ولذلك تعتبر الطريقة النقشبندية مدخلاً مهماً لدراسة وفهم شكل التفاعلات الاجتماعية بين ما هو سياسي وديني في تركيا، وهذا ما ذكره الباحث التركي محمد يافوز في كتابه "الإسلاميون والسياسة التركية".

لقد كان للطريقة النقشبندية وزعيمها محمد زاهد كوتكو (1897– 1980) دور جوهري في تأسيس حركة الميللي جروش (الرؤية الوطنية) المكونة من: حزب النظام الوطني (MNP)، وحزب السلامة الوطني (MSP)، وحزب الرفاه (RP)، وحزب الفضيلة (FP) بقيادة نجم الدين أربكان، وكان الهدف من تأسيس هذه الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي هو إعادة الاعتبار لهوية المجتمع التركي الإسلامية التي همشتها سياسات أتاتورك العلمانية. لذلك تعتبر النقشبندية من أهم المرتكزات التي انطلق منها الإسلام السياسي في تركيا إن لم تكن الأهم. ومن الجدير بالذكر أن كوتكو كان يعمل في الجيش العثماني قبل أن يصبح زعيماً للطريقة النقشبندية عام 1952، ولتأثره الإيجابي بالحقبة العثمانية أصبحت النقشبندية بمثابة حلقة الوصل ما بين الميراث العثماني والحركات الإسلامية المعاصرة في تركيا (الميللي جروش مثالاً).

ويعتبر مسجد إسكندر باشا بإسطنبول المركز الرئيس لأنشطة الطريقة النقشبندية الثقافية وحلقاتها العلمية، وقد كان رجب طيب إردوغان من أبرز الشخصيات السياسية التي تأثرت بمحاضرات كوتكو وخليفته وصهره أسد كوشان، وكما هو معروف فإن حياة إردوغان السياسية انطلقت بعد انضمامه إلى حزب السلامة الوطني في نهاية السبعينيات واستمر مع الميللي جروش حتى حظر حزب الفضيلة في 1998، وفي 2001 أسس كل من إردوغان وعبدالله غول وبولنت أرينج "حزب العدالة والتنمية" بعد الانشقاق من حركة الميللي جروش.

والانشقاق التنظيمي أو العضوي من حركة الميللي جروش لا يعني نهاية التكوين الفكري لمؤسسي حزب العدالة والتنمية، وأعني بذلك أن خطاب الحزب الراهن وخاصة إردوغان هو نتاج لتراكمات فكرية بالدرجة الأولى، وأحد هذه التراكمات أفكار زعيم النقشبندية محمد زاهد كوتكو حول دور التاريخ والتراث في فهم الإسلام، ويذكر الباحث محمد يافوز "بسبب أفكار النقشبندية مالت الحركات التركية الإسلامية عموماً إلى أن تكون ليبرالية ومنفتحة وقابلة لتوفيق الخلافات داخل سياق ديمقراطي".

back to top