مؤشرات تحذر من دعاة اندماج الشركات

نشر في 25-02-2017
آخر تحديث 25-02-2017 | 00:00
يركز خبراء الاقتصاد على الأضرار التي قد تفضي إليها قوة الاحتكار بصورة عامة، وإضافة إلى التأثيرات المعروفة بشكل جيد بالنسبة إلى ارتفاع الأسعار، فإن التركيز الصناعي قد يسرّع التباين والتفاوت كما يخفّض حصة العمل في الدخل القومي، إلى جانب تقليص ديناميكية الأعمال التجارية.
 بلومبرغ • في خضم الأنباء الغريبة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي كتب اثنان من الاقتصاديين في جمعية الأخبار التي لا تهدف الى الربح "برو ببليكا" تقريراً استقصائياً مثيراً للدهشة يتحدث عن مجموعة صغيرة من الأثرياء من الاقتصاديين الأميركيين الذين يكسبون ملايين الدولارات عن طريق مساعدة الشركات على مواجهة قضايا التجميع الضخم لرؤوس الأموال مع الحكومة الفدرالية.

وقد ركز الاقتصاديان وهما جيسي ايسينجر وجاستن ايليوت على دينس كارلتون وهو بروفيسور في كلية الدراسات التجارية في جامعة شيكاغو والمدير الاداري لدى شركة كومباس ليكسكون الاستشارية، وبحسب ايسينجر وايليوت فإن كارلتون قد حقق أكثر من 100 مليون دولار عن طريق قيامه بأنشطة استشارية خلال عمله في هذا الميدان.

وتجدر الاشارة الى أن هذا المبلغ يعتبر ضخماً الى درجة مذهلة وهو يظهر كم يمكن أن يكون عمل مهنة الاقتصادي مربحة بالنسبة الى اولئك الذين يستطعيون الوصول الى قمة الهرم في الأعمال التجارية، ولكن الصحافيين في برو ببليكا يشيرون الى القسم الأكبر من هذه الثروة قد تحقق على حساب العامة. كما أن كارلتون وأمثاله من الاقتصاديين يتم توظيفهم من قبل شركات تسعى الى القيام بعمليات اندماج واستحواذ ضخمة ومجزية، ويشمل هذا بشكل أساسي العمل على اقناع الحكومة –التي تستعرض كل عمليات الاستحواذ التجارية – بأن الاندماج لن يلحق الضرر بشريحة المستهلكين.

غير أن حقيقة الأمر هي أن عمليات الاندماج تلحق الضرر بالمستهلكين من خلال اعطاء الشركات قوة سوقية متزايدة – وكلما كانت الصناعة أقل تنافسية تمكنت الشركات الكبرى من رفع الأسعار الذي لا يقتصر تأثيره على جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة الى شريحة المستهلكين بل إنه يسهم أيضاً في الحد من حجم السوق نفسه اضافة الى خفض الأنشطة الاقتصادية. وفي كل مرة تسعى فيها شركتان الى الاندماج توجد امكانية في أن تكون النتيجة تشكيل شركة أكثر كفاءة وفعالية وهو ما سوف يفضي الى خفض في الأسعار نتيجة هبوط تكلفة الانتاج، ولكن هذا يعني أيضاً امكانية خلق سوق أقل فعالية حيث ترتفع الأسعار بسبب زيادة الاحتكار، وهنا تدعو الحاجة الى وجود اقتصاديين يستطيعون تحديد الحصيلة المرغوبة.

طرح الصورة الزاهية

ومن الواضح في هذا السياق أن المستشارين من أمثال كارلتون اذا تم تشغيلهم من قبل شركات تسعى الى الاندماج، فستكون لديهم حوافز لتوقع حصيلة زاهية لا العكس، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما مدى سهولة القيام بهذا العمل؟ ففي عالم مثالي سوف يكون من الصعب الى حد كبير النجاة باستخدام نماذج اقتصادية من أجل طرح توقعات محرفة ومشوهة، وفي حال حدوث أخطاء متكررة في عمليات نوع معين من الأنشطة البيولوجية أو الكهربائية فإن ذلك لن يطرح في معظم الدعاوى القضائية.

وعلى الرغم من الابتعاد الذي حدث في الآونة الأخيرة عن النظرية المجردة والتوجه نحو عمل مبني على التجربة والاختبار فإن المهنة لا تصر بشكل دائم على مقاييس أكثر قوة ورسوخاً في طرح البرهان، وقد انتقد الاقتصاديان جوشوا أنغريست وجورن – ستيفن بيشكه ميدان المنظمة الصناعية التي تعالج وتتعامل مع المنافسة وسلطة الاحتكار، وهما يقولان إن ذلك لا يزال يعتمد على نماذج نظرية مطلقة مفعمة بافتراضات غير مؤكدة.

والسؤال هو هل يعني هذا أن النماذج النظرية التي تم استخدامها من قبل مستشاري الاندماج من أمثال كارلتون كانت مخطئة وغير صحيحة؟ ليس بالضرورة، وهذا يعني فقط أن من الصعوبة بمكان معرفة الواقع، وعلى أي حال وكما أظهر أيسينجر وايليوت فقد عرف عن تلك النماذج أنها تفضي الى أخطاء كبيرة. ويتمثل أحد الأمثلة التي طرحاها في عملية اندماج شركتي الأدوات ميتاغ كورب و ويرلبول كورب في سنة 2005، وكتب كارلتون الذي قامت الشركتان بتكليفه بالعمل يقول إن المنافسة الدولية سوف تمنع الشركة الكبيرة – السوبر – الجديدة من رفع الأسعار، ولكنه كان مخطئاً، وقد ارتفعت الأسعار بعد ذلك.

قانون السنوات الأخيرة

ويبدو أن هذه التيجة قد غدت القانون السائد في السنوات الأخيرة لأن الاقتصادي في جامعة نورث وسترن جون كيوكا عمد الى تأليف كتاب كامل وثق فيه مدى تراخي وتساهل السياسة المضادة لتجميع الأموال والرساميل في الولايات المتحدة الأميركية وكيف أنها أفضت الى درجة أقل من التنافسية اضافة الى الارتفاع في الأسعار، وهو النوع من الأشياء التي كان يتقاضى مستشار الاقتصاد عموماً أجراً عالياً كي يقول إنه لن يحدث.

خطر التركيز الصناعي المفرط

وتجدر الاشارة الى أن خط التركيز الصناعي المفرط مسألة يجب أن نوليها درجة أكبر من الاهتمام والملاحظة. ويركز خبراء الاقتصاد بشكل متزايد على الأضرار التي قد تفضي اليها قوة الاحتكار بصورة عامة. واضافة الى التأثيرات المعروفة بشكل جيد بالنسبة الى ارتفاع الأسعار فإن التركيز الصناعي قد يسرع في التباين والتفاوت كما يخفض من حصة العمل في الدخل القومي. وقد يؤدي أيضاً الى تقليص حجم ديناميكية الأعمال التجارية التي شهدت تراجعاً لافتاً منذ سنة 2000.

ومن هذا المنطلق قد يبدو من المنطقي القاء نظرة أوثق وأشمل على سياسة مقاومة تجميع الأموال والرساميل بصورة عامة وعلى مستشاري الاندماج بشكل أكثر تحديداً، وقد يكون النظام الأميركي أكثر ليونة في هذا الصدد وربما يعتمد – ببساطة – على شهادات خبراء من الفئة التي تتقاضى الأجور العالية والذين يستطيعون استخدام نماذجهم من أجل الوصول الى النتائج المرجوة، وقد يتمثل أحد الحلول في هذا الصدد في قيام الحكومة باستعراض ومراجعة التوقعات المطروحة من قبل المستشارين الخبراء ومعرفة ما اذا كانت نتائج نصائحهم كانت صحيحة أم مخطئة في نهاية المطاف –وهو شيء لم يفعله ايسينجر وايليوت حتى الآن.

وفي هذا السياق، تجدر الاشارة الى أن نتائج دراسات المتابعة هذه يمكن أن تنشر علانية وأن تطلع العامة عليها بحيث تتمكن المحاكم وجهات التنظيم من معرفة مسار نتائج النموذج الذي طرحه بعض المستشارين.

وعلى أي حال، فإن هذه مجرد واحدة من الامكانيات فقط، وعلى الرغم من ذلك فإن أي حل يهدف الى انهاء هذه المشكلة يجب أن يتبع مبدأ التجربة والاختبار الأوسع، وكلما حصل الدليل على مزيد من الثقل وقلت وتقلصت الافتراضات النظرية كان ذلك أفضل بالنسبة الى المستهلك الأميركي، ولابد من القول ان الاقتصاد قد أصبح تجريبياً بقدر أكبر ويتعين بالتالي أن يحذو حذوه العالم الرابح من الاستشارات القانونية.

* Noah Smith

عمليات الاندماج تلحق الضرر بالمستهلكين بإعطاء الشركات قوة سوقية متزايدة

دينس كارلتون المدير الإداري لـ «كومباس ليكسكون الاستشارية» حقق أكثر من 100 مليون دولار عبر تقديمه أنشطة استشارية

على أي حكومة مراجعة توقعات المستشارين والخبراء ومعرفة هل أفضت نصائحهم إلى نتائج صحيحة أم مخطئة
back to top