الشمس مصدر الحرارة... هل يمكن أن تنعشنا؟

نشر في 24-02-2017
آخر تحديث 24-02-2017 | 00:00
No Image Caption
مع تنامي الحاجة إلى تكييف الجو يرى البعض الحل في مصدر الحرّ بحد ذاته: الشمس.
• في فندق «ستار سافير» في مدينة داوي بميانمار، يتلذذ النزلاء بحليب جوز الهند في هواء المكيف المنعش والمريح مع تسلل الليل المداري الحار والرطب. وعلى بعد سبعة آلاف كيلومتر إلى الغرب في مدينة الخرطوم الجافة في السودان، يرتاح المرضى في مستشفى تابع للأمم المتحدة يحميهم من حرّ الصحراء الحارق.
في المبنيين كليهما، يعود هذا الجو المريح إلى وحدات تكييف للهواء تعتمد في جزء منها على أنابيب زجاجية داكنة تحوّل نور الشمس إلى طاقة للتبريد. لا تشكّل هذه ألواحاً شمسية مألوفة تحوّل الضوء إلى كهرباء. على العكس، تستغل هذه الأنابيب حرارة الشمس من خلال حيلة ديناميكية حرارية مميزة.


نايتور

يشير باحثون وبعض خبراء الطاقة إلى أن هذا الشكل من التبريد، الذي يُدعى النظام الحراري الشمسي، قد يساهم في سد الطلب العالمي المتنامي على الوقود بغية تشغيل مكيفات الهواء المتعطشة للطاقة. يتوقع مجلس التغير المناخي بين الحكومات أن الحاجة إلى الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف سترتفع بحلول عام 2100 بنحو 30 ضعفاً عما كانت عليه عام 2000.

تستعرض فرق البحث، التي تأمل أن تحقق التكنولوجيا الحرارية الشمسية إنجازاً بالغ الأهمية في المستقبل القريب، أنظمتها هذه في عدد متزايد من الفنادق، المراكز التجارية، والمباني في مختلف أنحاء العالم. فقد نجحت هذه الفرق في تركيب نحو 1200 نظام مماثل حتى اليوم (أي أكثر بنحو 10 أضعاف مقارنة بعقد مضى). وتؤكد الشركات، التي تنتج أجهزة التبريد الحرارية الشمسية، أنها تستخدم الكهرباء بنسبة أقل بنحو 30% إلى 90%، مقارنة بأجهزة تكييف الهواء التقليدية التي تُستعمل في معظم الأبنية، وذلك وفق نوع الجهاز وحجمه. كذلك يواصل الباحثون العمل على جعل هذه الأنظمة أكثر فاعلية وأقل كلفة.

لكن هذه التكنولوجيا تصطدم بعقبات كبيرة، ويشكك بعض الخبراء في أنها ستشكل أكثر من مجرد عينة صغيرة في عالم تُضاف إليه سنوياً 100 مليون مكيف هواء تقليدي تعتمد على أجهزة ضغط تعمل بالكهرباء. يشير دانيال مونيه، مهندس يعمل في شركة التكنولوجيا الشمسية Tecsol في بيربينيان بفرنسا، إلى أن أجهزة التبريد الحرارية الشمسية باهظة الثمن، إذ تتخطى كلفتها كلفة المكيفات التقليدية بنحو خمسة أضعاف. صحيح أنّ ثمنها يتراجع، إلا أنّ هذه التكنولوجيا تفتقر إلى الدعم والاستثمار اللذين تحتاج إليهما كي تزداد قدرةً على المنافسة.

يعتبر مونيه هذا مؤسفاً لأن للأنظمة الحرارية مزايا عدة. تستطيع مثلاً خفض الطلب المتنامي على شبكة الكهرباء والحد من انقطاع الكهرباء والحاجة إلى اللجوء إلى مصادر طاقة وسخة. فضلاً عن ذلك، هذه الأنظمة صامتة وتستخدم عادةً عوامل تبريد صديقة للبيئة، علماً أنّ هذه النقطة اكتسبت أهمية جديدة في شهر أكتوبر، حين اتفق 170 بلداً تقريباً على التخلي عن مواد الهيدروفليوكاربون الكيماوية المستخدمة في مكيفات الهواء والبرادات. علاوة على ذلك، ثمة وفرة من حرارة الشمس في الأماكن التي يكثر فيها الطلب على أنظمة التكييف. يذكر كريستوس ماركيدس، وهو باحث في مجال الطاقة الشمسية في كلية لندن الملكية: «تشكّل هذه علاقة ثنائية مميزة».

أهمية الحالة

يكمن سر تكييف الهواء في التبخر: تحدث عملية التبريد عندما يمتص السائل الطاقة من محيطه، فتتبدّل حالته ويصبح غازاً. بهذه الطريقة تبرّد عملية التعرّق جسمنا، وهي معتمدة في كل مكيفات الهواء تقريباً، من الوحدات الصغيرة المستخدمة في الغرفة المنفردة إلى المكيفات العملاقة بطول ثمانية أمتار التي تبرد مباني ضخمة في قطر.

في مكيّفات الهواء الكهربائية العصرية، يُرغَم سائل مبرِّد على عبور فوهة صغيرة إلى غرفة كبيرة. نتيجة لذلك، يتراجع ضغطه، فيتبخر بسرعة ويمتص الحرارة من الهواء في الداخل. ينتقل الغاز المبرِّد بعد ذلك إلى غرفة أخرى، حيث تضغط أجهزة ضغط ميكانيكية تعمل بالكهرباء هذا الغاز لترفع حرارته أكثر. يمرّ هذا الغاز المبرّد الحار بعدئذٍ عبّر مكثّف (يكون عادةً لفيفة من الأنابيب الدقيقة) حيث يعود مجدداً إلى حالته السائلة ويطرد الحرارة إلى الخارج. يُدفع السائل المبرِّد مجدداً إلى غرفة التبخّر وتتكرر دورته.

تُعتبر مرحلة ضغط الهواء بالغة الأهمية لأنها تدفع الحرارة إلى الخارج بفاعلية. ومن الضروري أن تكون المادة المبرِّدة ساخنة جداً قبل أن تمرّ عبر المكثّف، حسبما يوضح كولين شيا، أحد مؤسسي Ecoline، شركة في سنغافورة طوّرت نظام تكييف الهواء في فندق «ستار ستافير». في الوحدات الكهربائية، تُنجَز هذه العملية ميكانيكياً. ولكن ثمة طريقة أخرى: استخدام الحرارة بكل بساطة.

اعتمد أحد أقدم مكيّفات الهواء، التي تتبع هذا المبدأ، على حرق الحطب بغية تأمين الحرارة. قُدِّم هذا المكيّف في المعرض العالمي في باريس عام 1878. وشكّل «آلة قديمة مذهلة»، وفق كريستيان هولتر، كبير المديرين التنفيذيين في SOLID، شركة في غراز بالنمسا متخصصة في أنظمة التبريد والتدفئة الحرارية الشمسية الكبيرة الحجم. تستخدم هذه الأجهزة، التي تُدعى «أجهزة التبريد الماصة»، حرارة الشمس لتدفع محلولاً إلى الغليان وتستخرج منه مادة مبرّدة (تكون عادةً الماء من محلول ملحي أو الماء من غاز الأمونيا). يمر الغاز المبرِّد بعد ذلك عبر مرحلتَي التكثيف والتبخير، تماماً كما في أنظمة الضغط.

تهيمن أنظمة الضغط على السوق «لأن من السهل شراءها، تركيبها، وتشغيلها»، وفق هولتر. ولكن في ثمانينيات القرن الماضي، أدى القلق المتنامي بشأن المواد المبرِّدة المضرّة بطبقة الأوزون في مكيفات الهواء، التي تعمل بالضغط، إلى إعادة إحياء الاهتمام بالأنظمة الحرارية. لكن هذه الأخيرة لم تلقَ رواجاً كبيراً لأنها عجزت عن منافسة الأنظمة الكهربائية الأقل كلفة ولأنّ من الصعب التحكم في مصدر حرارتها (حرق كتلة لحيوي أو غاز طبيعي).

لكنّ حرارة الشمس لا تصطدم بعقبات مماثلة. في الأنظمة الحرارية الشمسية العصرية، تمتصّ أنابيبُ أو صفيحاتُ جمعٍ خاصة الطاقة من أشعة الشمس، ومن ثم تنقل هذه الحرارة إلى مبرّد الامتصاص. نجحت SOLID حتى اليوم في تركيب أنظمة ضخمة في 18 مدرسة، مكتباً، ومستودعاً في 10 بلدان. ويعمل أحدها، وهو نظام التبريد الحراري الشمسي الأكبر في العالم حالياً، منذ عام 2014 على تبريد مدرسة ثانوية في أريزونا، حيث يمثل تكييف الهواء جزءاً كبيراً من فاتورة الكهرباء السنوية.

يسعى الباحثون الأكاديميون والشركات أيضاً إلى تحسين أداء هذه الأنظمة بطرق أخرى. يسخّن مبرّد الامتصاص في معظم الأنظمة الحرارية الشمسية، بما فيها أنظمة SOLID، المادة المبرِّدة إلى نحو 80 درجة مئوية. ولكن إذا نجحنا في رفع حرارتها إلى 120 أو 170 درجة، تتبخر كمية أكبر من المادة المبرِّدة وتدور كغاز في النظام في وقت واحد، ما يجعل الوحدة أكثر فاعلية.

لتحقيق هذه الغاية، يجب أن ينجح جهاز الجمع في تركيز حرارة الشمس بفاعلية أكبر. يستطيع بعض أجهزة الجمع المتخصصة تتبع أشعة الشمس وبلوغ حرارة تصل إلى 400 درجة مئوية، إلا أنها باهظة الكلفة. بغية تطوير بديل أقل ثمناً، يعمل فريق بقيادة المهندس رولاند ونستون من جامعة كاليفورنيا بميرسيد على تطوير تصميم أنابيب الجمع. تحتوي أنابيب هذا الفريق على قطعة معدنية خاصة تنقل الحرارة بسرعة إلى غليكول مائع في أنبوب نحاسي داخلي.

وضع فريق ونستون أيضاً صفائح متقوسة مصنوعة من مواد عاكسة تحت الأنابيب الخارجية، ما يساعدها في جمع الطاقة الشمسية فيما تتحرك الشمس في السماء. وهكذا يتمكن هذا النظام من تسخين الغليكول إلى 200 درجة مئوية، وهو يُختبر راهناً في أجهزة تبريد مختلفة.

تضع فرق أخرى مبردات الامتصاص الحالية جانباً، وتعمل على بناء أنظمة جديدة بالكامل. على سبيل المثال، طوّرت مجموعة يقودها ستيفن وايت من منظمة كومنويلث للأبحاث العلمية والصناعية في نيوكاسيل بأستراليا «نظام دولاب التجفيف»، الذي يبرّد منذ شهر يونيو عام 2016 مركزاً تجارياً في بيلارات بفيكتوريا. يمر الهواء العادي في البداية عبر دولاب يدور ببطء ويحتوي على مواد تمتص الرطوبة، ما يجعل الهواء حاراً وجافاً. ينتقل هذا الهواء بعد ذلك إلى غرفة يدفع فيها الماء إلى التبخر، ما يخفض حرارته. وهكذا يُستخدم هذا الهواء البارد والرطب في تبريد الهواء في المبنى الذي يمر عبر مسالك منفصلة. يُطرد الهواء الرطب بعد ذلك إلى الخارج، وتُستخدم حرارة الشمس بغية تجفيف المواد الماصة للرطوبة في الدولاب.

علاوة على ذلك، ثمة حاجة كبيرة إلى مقاربات جديدة لأن مبرِّدات الامتصاص باهظة الثمن وبناءها معقد، حسبما يوضح مايك دينيس، مستشار خاص في مجال الطاقة الشمسية في كانبرا. يضيف: «لا تبدو هذه المبرِّدات منطقية». فمن الأسهل استخدام صفائح فولتية ضوئية بغية تحويل نور الشمس إلى كهرباء تُستخدم بعد ذلك لتشغيل مكيفات هواء عادية تعمل بالضغط. ومع انخفاض أسعار التكنولوجيا الفولتية الضوئية، تبدو هذه الأنظمة أكثر جاذبية.

تجني التكنولوجيا الفولتية الضوئية راهناً فوائد كبيرة من اقتصادات الحجم، فضلاً عن استثمارات ودعم حكومي كبيرين، وهذا ما تفتقر إليه التكنولوجيا الحرارية الشمسية، وفق مونيه. يقول: «أخشى أن المنافسة غير عادلة».

نظام هجين

تقوم مقاربة أخرى على تطوير نظام هجين: آلة ضغط كهربائية تقليدية تستخدم حرارة الشمس لمساعدة جهاز ضغط يستهلك الكثير من الطاقة. ويشكّل نظام Ecoline لتكييف الهواء في فندق «ستار سافير» أحد أبرز الأمثلة على هذه المقاربة.

بغية تطوير هذا النظام، أدخل شيا حلقة من النحاس على شكل U في كل من أنابيب الجمع الشمسية، ثم ربط الأنابيب النحاسية بشريط طويل. ينقل الغليكول داخل الأنابيب الحرارة بسرعة من الأنابيب إلى حوض الغليكول. وتلتف مجموعة أخرى من الأنابيب النحاسية، التي تحتوي على مادة مبرِّدة، حول الحوض، ما يسخّن هذه المادة. تنتقل هذه الأخيرة بعد ذلك عبر جهاز الضغط. فتتحول إلى غاز بسهولة أكبر مما نراه في الأنظمة التقليدية لأن الأنابيب بحد ذاتها ساخنة.

ركّبت الشركة أكثر من ألف وحدة لتكييف الهواء في ستة بلدان. وبحلول منتصف عام 2018، ستبرّد مسكنَ الطلاب في جامعة نانيانغ للتكنولوجيا في سنغافورة. وفي اختبارات مقارنة، تؤكّد Ecoline أن مكيفها للهواء وفّر الطاقة بنسبة 35%، مقارنةً بمكيف هواء تقليدي عالي الفاعلية. صحيح أن كلفة الأنظمة الهجينة أعلى بنحو 15%، إلا أن تشغيلها أقل كلفة، ما يسمح لمستخدمها باسترجاع الكلفة الإضافية في غضون سنتين، وذلك بالاستناد إلى أسعار الكهرباء في سنغافورة، وفق شيا.

لكن أنصار التكنولوجيا الحرارية الشمسية واثقون من أن الكلفة ستشهد تراجعاً كبيراً، إذا توسّعت سوق هذه التكنولوجيا. يشير لون جيانغ، باحث يتابع دراساته ما بعد الدكتوراه في فريق ونستون، إلى أن كلفة أنابيب التصريف المستخدمة في أنظمة تسخين الماء الشمسية فاقت المئة دولار للمتر الواحد في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها تدنت راهناً إلى نحو دولارين أو ثلاثة دولارات بسبب تنامي الإنتاج مع توسّع استعمال هذه الأنظمة في الصين.

يؤكد آخرون أن التكنولوجيا الحرارية تستطيع أيضاً استغلال الحرارة المهدورة، علماً أن هذه ميزة تفتقر إليها التكنولوجيا الفولتية الضوئية التي تجمع الضوء فقط. وهكذا تنجح في استغلال الطاقة التي تتركز في المدن الحارة، المصانع، ومراكز البيانات. على سبيل المثال، تعمل Ecoline راهناً مع شركة إدارة بيانات في إندونيسيا بغية تبريد منشآتها باستخدام الحرارة التي تهدرها.

يوضح شيا أن هذه المقاربة تبدو منطقية من الناحية الحرارية. «فكلما ارتفعت الحرارة، نجحت عملية التبريد».

كسياوزي ليم

أنصار التكنولوجيا الحرارية الشمسية واثقون من أن الكلفة ستشهد تراجعاً كبيراً إذا توسّعت سوق هذه التكنولوجيا

في الأنظمة الحرارية الشمسية العصرية تمتصّ أنابيبُ أو صفيحاتُ جمعٍ خاصة الطاقة من أشعة الشمس

مجلس التغير المناخي بين الحكومات يتوقع أن الحاجة إلى الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف سترتفع بحلول عام 2100 بنحو 30 ضعفاً عما كانت عليه عام 2000
back to top