الكويت في نهاية هذا القرن (1- 2)

نشر في 23-02-2017
آخر تحديث 23-02-2017 | 00:14
 خليل علي حيدر ما مستقبل دولة الكويت ومدينة الكويت خاصة مع نهاية هذا القرن، أي خلال أكثر من ثمانين سنة قادمة؟ وكم سيكون عدد السكان؟ وما شكل الامتداد العمراني؟ وما المناطق التي ستتفوق وتبرز ويتضاعف ثمن العقار فيها مثلا، بما لا نتصوره اليوم، تماما كما لم يتوقع أحد في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ثورة الأسعار في ضواحي الكويت ومدينة الكويت وحولي والسالمية والضاحية والشويخ وعقارات الساحل؟!

هل ستزحف الحركة العمرانية شمالاً أم جنوباً في المرحلة القادمة؟ وهل سنضطر لدفن بعض البحر أم على الأرجح يودع الأجيال القادمة حياة الفلل ونقبل مثل الكثير من الشعوب الأخرى العيش في الطوابق والشقق؟

لم يجب د. أحمد حسن إبراهيم، من قسم الجغرافيا بجامعة القاهرة، عن كل هذه الأسئلة في كتابه "مدينة الكويت: دراسة في جغرافية المدن"، مركز البحوث والدراسات الكويتية، 2009، واعترف بصعوبة هذا التنبؤ: "الحديث عن مستقبل مدينة الكويت الكبرى بأسلوب علمي رصين أمر قد لا أستطيع أن أوفيه حقه من الدراسة المتأنية المستفيضة، ومع ذلك فسوف أحرص على إلقاء الضوء على النقاط الرئيسة والمشكلات الملحة، آملا أن يثير هذا الحديث حفيظة أهل البحث العلمي المهتمين بشؤون الكويت- داخلها وخارجها". (ص481).

ويشيد د. إبراهيم بدراسة د. زين الدين عبدالمقصود غنيمي "الكويت وتحديات القرن الحادي والعشرين"، الصادر عن المركز نفسه عام 2001 التي استفاد منها كثيرا، ثم يقول "سوف أركز حديثي بقدر الإمكان على مستقبل العمران الحضري وسكانه وقضاياه المهمة والملحة".

في خاتمة الكتاب، يتحدث د. إبراهيم عن جملة من القضايا الاستراتيجية في مستقبل الكويت أولها المشكلة السكانية، فنحن حيال "مدينة متروبوليتانية"- بمعنى الحاضرة الممتدة عمرانيا- "تستقطب كل سكان الدولة تقريبا، وليس من المتوقع في القريب أن يتبدل هذا الوضع العمراني حتى في ظل نجاح تجربة إنشاء مدن جديدة بعيدة نسبيا عن المدينة الحالية". فلا خوف إذاً من مناقشة مدن الخيران والمطلاع وكاظمة وربما الدبدبة في القريب العاجل لضواحي "الدوائر الست"!

يقول د. إبراهيم شارحا جوهر المشكلة: "يمثل النمو السكاني السريع الذي تعيشه الكويت الآن مشكلة ديمغرافية لها أبعادها المتعددة مستقبلا في وقت يرى فيه الكثيرون أن هذا النمو يمثل العدو الأول للتنمية وبرامجها المختلفة، وإذا كان من المتوقع وفقا لمعدلات النمو السكاني السائد الآن أن يصل عدد سكان الكويت في نهاية هذا القرن إلى نحو 14 مليون نسمة، مما يعني وضعا سكانيا غير مقبول ولا يتناسب مع إمكانات وموارد الدولة حاليا ومستقبلا، وذلك مما يثير السؤال التالي: هل يمكن في ظل هذا الحجم الديمغرافي المتوقع أن تواجه الكويت التحديات الكثيرة التي يفرضها هذا الواقع السكاني واحتواء تداعياته دون مشكلات أو معوقات بالقدر الذي يحقق للأجيال القادمة حياة آمنة وكريمة؟". (ص482).

وينتقل إلى الحديث عن التركيبة السكانية من الكويتيين والجنسيات الأخرى، ويتساءل: هل سوف تظل هذه الثنائية بشكلها الحالي، الوافدون يشكلون نحو ثلثي حجم المجتمع السكاني أم ستتغير؟

ويستعين ببحث لأمل يوسف العذبي الصباح تقول فيه الباحثة إن الكويت كانت تهدف في سياستها السكانية إلى "تقليص حجم العمالة الوافدة وحماية المجتمع من الأخطار المتعددة الناجمة عن طغيان الأكثرية غير الكويتية، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات، وكذلك رفع معدل مشاركة الإناث الكويتيات في قوة العمل الوطنية وتحسين مستوى كفاءة نظام التعليم والتدريب، وتخطيط سياسة القبول بمختلف مؤسسات التعليم العالي وربطها باحتياجات سوق العمل، والحد من حجم العمالة الوافدة وأفراد الأسر الملتحقين بها بما يصل بها إلى خيار الصفر لصافي الهجرة؛ مما يعني تثبيت عدد العمالة الوافدة عند رقم معين في مرحلة تالية، مما يحقق تفوقا في عدد الكويتيين على المدى الزمني المتوسط والبعيد وذلك من خلال تقليص حجم العمالة الهامشية التي كانت تشكل عام 1985 نحو 66% من حجم العمالة الوافدة".

ولم تنجح هذه السياسة، حين تكشف البيانات الإحصائية عن زيادة معدلات استقدام العمالة الوافدة، والتي شكلت في نهاية عام 1989 نحو 73% من جملة قوة العمل، وظهر ميل واضح لاستقدام العمالة الآسيوية، وارتفعت معدلات الإعالة، وتدنى المستوى التعليمي للعمالة الوافدة، ووصلت نسبة الأميين إلى نحو 35% من جملة العمالة.

ويقترح د. إبراهيم تنويع مصادر العمالة بما "لا يسمح بسيطرة أو طغيان لفئة دون أخرى"، و"رفع نسبة مشاركة العمالة الوطنية بقوة العمل لدى القطاع الخاص من خلال قانون يلزم هذا القطاع بتشغيل نسبة من العمالة الوطنية".

وقد تمت اليوم تجربة المقترح الأخير بخصوص تشغيل العمالة الوطنية في القطاع الخاص، ولكن النتائج للأسف ليست مبهرة!

ويطالب د. إبراهيم بضرورة "سيطرة العمالة الوطنية على كل عمليات التشغيل والإدارة في المرافق الاستراتيجية مثل النفط والكهرباء والماء والاتصالات، وتشجيع العمالة الوطنية على العمل بهذه المرافق". (ص484).

ويقول المتشائمون من الاقتصاديين الكويتيين إن المواطنين العاملين في هذه القطاعات الحيوية، رغم رواتبهم الكبيرة والمكافآت والبدلات، لا يزالون غالبا شديدي الاعتماد على الفنيين الهنود والفلبينيين والعرب، وبخاصة في الأعمال الصعبة والمرهقة والميدانية!

ويقترح د. إبراهيم التقليل من التقاعد المبكر ورفع إسهام المرأة الكويتية، بل يدعو إلى "تبني سياسة تهدف إلى عدم استقرار العمالة الوافدة لفترات طويلة، من خلال قانون صارم يضع شروطا صعبة للسماح للأسر بالالتحاق بعائليها"!

وبغض النظر عن تعارض مثل هذه السياسة في الإقامة مع الحقوق الإنسانية والاجتماعية للمقيمين في الكويت، فمن المشكوك فيه كذلك أن تكون مثل هذه الإجراءات في خدمة زيادة وكفاءة الإنتاج والأداء الوظيفي، وبخاصة الشريحة المهنية والمتعلمة، كما أن مثل هذا الاقتراح لا يخلو من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الكويتي من أسواق وعقارات.

back to top