على أوروبا أن تخطط للدفاع عن نفسها

نشر في 21-02-2017
آخر تحديث 21-02-2017 | 00:06
تُعتبر هذه على الأرجح الافتتاحية الأقل احتمالاً في ألمانيا راهناً: دونالد ترامب محق، لكن هذه هي الحقيقة، ففي قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ويلز عام 2014 أعلنت ألمانيا أنها ستزيد قريباً إنفاقها الدفاعي إلى حد كبير، وعندما يحض ترامب ووزير دفاعه جيمس ماتيس اليوم ألمانيا على الوفاء بتعهدها يكونان محقين على صعيدين: أولاً من حيث المبدأ: من الضروري الوفاء بالوعود، وثانياً على أرض الواقع: ما من سبب يبرر استمرار الولايات المتحدة، بعد أكثر من 70 سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية، في حمل العبء الأكبر في الجهود الرامية إلى ضمان أمن أوروبا.

من المؤسف أن هذه المسألة لا ترتبط بالمال فحسب، إذ يأتي المطلب الأميركي المحق وسط أزمة داخلية يمر بها الغرب، أزمة عميقة إلى درجة ألا أحد يعرف ما سيتبقى من الغرب بعدها، لطالما طمح الناتو إلى أن يكون أكثر من مجرد تحالف دفاعي، فقد اعتبر نفسه القوة التي تحمي الديمقراطية الليبرالية، والغرب، والمبادئ الغربية، وشكّل إطاراً أخلاقياً وأسس وجودها، ولكن هل نحن واثقون من أن الغرب ما زال يشكّل مجتمع قيم مشتركة؟ وإن لم يكن كذلك، فعمَّ يدافع الناتو إذاً؟

لم يصبح الناتو تحالفاً بالياً إلا أن أهميته تتراجع، ولم يعد لوجوده معنى، ويمكننا اعتبار هذا الواقع أحد عوارض نجاحه التي تجلت متأخرةً، فساهم الناتو في نشر الديمقراطية في أوروبا، واحتواء ألمانيا وتوحيدها، ودفع الاتحاد السوفياتي نحو الانهيار، ولكن في نهاية المطاف ما كان من مفر من وقوعه في أزمة، فمن الطبيعي أن يواجه تحالف دفاعي اختفى خصومه أزمةً وجودية عاجلاً أو آجلاً.

بعد النجاح الأكبر الذي حققه هذا التحالف اصطدم بإخفاق عميق، ففشل الناتو في تحويل روسيا إلى شريك؛ لذلك تُعتبر المخاوف المنتشرة في منطقة البلطيق ودول أوروبا الوسطى مبررةً، شأنها في ذلك شأن شكوك روسيا حيال هذا التحالف، وفي مطلق الأحوال بات التحالف الذي تقوم علة وجوده على معارضة روسيا بالياً، إذ ترى الولايات المتحدة اليوم أن مصالحها الأمنية الأكثر أهمية تكمن في منطقة المحيط الهادئ والشرق الأوسط، وبالنسبة إلى أوروبا يُعتبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالأهمية ذاتها كما روسيا على أقل تقدير.

انقضت بدون عودة تلك الحقبة في التاريخ الأوروبي حين كانت القارة قادرةً على تفويض أمنها لشريك عبر الأطلسي، فلن يتبدّل هذا الوضع حتى بعد رحيل ترامب من البيت الأبيض، فيشكّل ترامب في النهاية أحد عوارض الأزمة في الغرب لا سببها، وتبقى الولايات المتحدة شريكاً محتملاً لأوروبا، إلا أنها ما عادت شريكاً يُعتمد عليه، فقد أصاب فولفغانغ إيشنغر، رئيس مؤتمر الأمن في ميونخ، حين حذر من استبعاد الأوروبيين الولايات المتحدة كشريك، فهذه خطوة سابقة لأوانها، كذلك تكون أوروبا متهورة وساذجة، إن لم تكن مستعدة لواقع أنها ما عادت تستطيع الاعتماد بشكل مطلق على الولايات المتحدة.

يجب أن تكون أوروبا، على الأمد المتوسط، قادرة على الدفاع عن نفسها بفاعلية وضمان أمنها الخاص، وتُعتبر الوحدة الخطوة الأهم لتحقيق هذا الهدف، فإذا أنفقت ألمانيا وأوروبيون آخرون مبالغ أكبر في مجال الدفاع، يُضطرون أيضاً إلى تعزيز تعاونهم العسكري، فضلاً عن توسيع سياسة الدفاع والأمن المشتركين في الاتحاد الأوروبي على نحو شامل. يجب ألا يحل التحالف الأوروبي محل الناتو، ولكن من الضروري أن يتيح للأوروبيين الوقوف إلى جانب بعضهم، إذا كانت الولايات المتحدة لم تعد ترغب في ذلك.

* "شبيغل"

back to top