عالمة الأعصاب وخبيرة أمراض النوم إيزابيل أرنولف:

يمكننا إعادة صياغة كوابيسنا

نشر في 21-02-2017
آخر تحديث 21-02-2017 | 00:02
إيزابيل أرنولف
إيزابيل أرنولف
هل تراودك أحلام سيئة وتتكرّر على مرّ الأسبوع، أو كل ليلة أحياناً؟ إنه «مرض الكوابيس» الذي يصيب 5% من الراشدين حول العالم. تؤكد عالمة الأعصاب وخبيرة أمراض النوم إيزابيل أرنولف إمكان معالجة هذه الحالة عبر تقنية كندية حديثة: علاج تكرار الصور العقلية.
تتحدّث أرنولف في هذه المقابلة عن خصائص عيادات الكوابيس المنتشرة في أميركا الشمالية، مؤكدةً أن الاهتمام بالكوابيس لا يزال حديث العهد في بلدان كثيرة. تقضي التقنية التي تستعملها بتغيير سيناريو الحلم قبل أن يتحوّل إلى كابوس حقيقي. إلى التفاصيل.
لماذا تراودنا الكوابيس؟

نشاهد جميعاً الكوابيس ويتّخذ ثلثا أحلامنا طابعاً سيئاً. يبدأ معظم الأحلام في مرحلة «حركة العين السريعة»، أي حين يكون الجسم في حالة راحة بينما يتابع الدماغ العمل وينشط بوتيرة مكثفة.

يسمح النوم بتنظيم العواطف اليومية واستيعابها، من بينها الفرح والضغط النفسي والخوف... من الناحية العصبية، يُعاد ضبط عمل اللوزة الدماغية التي تتحكّم بالعواطف. لكن حين تكون العواطف مشحونة بشكل مفرط، أو يكون الفرد مصاباً بأمراض مثل القلق والاكتئاب، يبدأ الكابوس الذي يكشف عن عنصرٍ لم يتقبّله العقل.

تقولين إن 5% من الراشدين يشاهدون كوابيس متكررة...

تتجدّد الكوابيس لدى المصابين بهذه المشكلة في مناسبات متكررة خلال الأسبوع، ويُعاد الكابوس نفسه غالباً. في هذه الحالة، يجب أن يقصد الشخص عيادة متخصصة بالنوم إذا بدأت المشكلة منذ أشهر، أو إذا كان يستيقظ مرة على الأقل أسبوعياً وانعكس الوضع على حياته اليومية: انزعاج، قلق، تعكّر مزاج، تعب... قد ينشأ خوف أو رهاب من النوم أو أرق مزمن.

الكوابيس أكثر شيوعاً لدى الأولاد والمراهقين، لكنها لا تشير بالضرورة إلى داء الكوابيس، وسرعان ما تتلاشى المشكلة مع مرور الوقت. لكن تشير الكوابيس لدى المراهقين المكتئبين إلى ميول انتحارية أحياناً.

ما أصل الكوابيس؟

ثمة كوابيس نفسية بطبيعتها وترتبط باضطرابات القلق أو الاكتئاب. تنشأ أشكال أخرى بعد صدمات معينة، وترتبط بحوادث مأساوية، بينما تكون حالات أخرى مجهولة السبب. تبدأ هذه المشكلة غالباً منذ الطفولة. أو يمكن أن يكون سبب الكابوس عصبياً، ويكشف عن اضطرابات متعلقة بالنوم: رعب ليلي، اضطراب سلوك النوم في مرحلة «حركة العين السريعة»، انقطاع التنفس أثناء النوم، خدر.

كيف تشخّصين الحالة؟

نجري تقييماً عيادياً خلال استشارة نفسية. نراجع مشاكل المريض الصحية والنفسية والعائلية السابقة لأن عدداً من العوامل الوراثية قد يكون مؤثراً، كما يحصل مع مشكلة السير أثناء النوم. ثم ندوّن قصة الكابوس ونبحث عن تاريخها عبر تحديد سياقها والعوامل المؤثرة وتداعياتها على الحياة اليومية.

يمكن أن يدخل المريض إلى مختبر النوم لليلة أو ليلتين، حيث نراقب سلوكه على مرّ الليل ونسجّل نشاطه الدماغي.

علاج معرفي شائع

لمعالجة هذه الكوابيس المتكررة، تستعملين تقنية مبنية على علاج معرفي شائع ما وراء الأطلسي...

إنها تقنية تكرار الصور العقلية. لا تستهدف هذه الطريقة سبب الكابوس، سواء كان معروفاً أو مجهولاً، بل تعالج الحلم السيئ بحد ذاته. إذا شاهد المريض كوابيس متعددة ومتكررة، سنستهدف كل واحد منها بشكل متلاحق بدءاً من الأقل حدّة.

نطلب من المريض أن يحتفظ بمذكّرة عن أحلامه حيث يدوّن حين يستيقظ تفاصيل كوابيسه، ثم نعيد قراءة ما كتبه خلال الجلسة العلاجية التي يحضرها طبيب نفسي وعالِم أعصاب. بعد ذلك، نطلب منه وضع القصة في غلاف لحفظها في ملفّه. عندئذ، تبدأ مرحلة تغيير سيناريو الحلم قبل أن يتحوّل إلى كابوس.

كيف يحصل ذلك؟

نقترح على المريض أن يغمض عينيه وهو في حالة يقظة ويتخيل حلماً جديداً له نهاية إيجابية بأدق تفاصيل ممكنة. يجب ألا نؤثر في السيناريو الجديد، بل من مسؤولية المريض أن يحدّد جوانبه. يستطيع تغيير الجو العام والشخصيات والتفاعلات بحسب صوره العقلية ومخيلته وما يفضّله.

بين الجلسات العلاجية، يجب أن يتخيّل المريض في المنزل ذلك الحلم الجديد مرتين يومياً، طوال خمس دقائق، صباحاً ومساءً، قبل النوم، تزامناً مع إغلاق العينين. تكرار التمرين في المنزل أمر أساسي لضمان فاعلية هذه الطريقة لأنه يسمح بتدريب القدرة على تخيّل الصور العقلية البصرية.

هل يحفظ الدماغ السيناريو الجديد؟

نعم، يسجّله الدماغ في الذاكرة البصرية، لذا من الضروري أن يتخيّل الشخص ذلك الحلم الجديد قبل النوم. ترتبط هذه التقنية بقدرة الدماغ النائم على معالجة المعلومة الجديدة التي تلقاها في اليوم السابق عبر تعديلها جزئياً.

هل هذا التمرين بسيط؟ وهل يتطلّب متابعة طبية؟

من الأفضل أن يتدرب الأطباء على هذه التقنية لدى اختصاصيين يعملون في عيادة للنوم. سيتأكدون حينها من عدم ارتباط الكوابيس بمرض معيّن. يكفي الخضوع لأربع أو خمس جلسات أسبوعية. إنه علاج قصير، ثم يصبح عمل المريض مستقلاً في المنزل. إذا ظهر كابوس آخر لاحقاً، سيكون الشخص مطّلعاً على التقنية الفاعلة لتجاوز المشكلة. المهمة أسهل بالنسبة إلى الأشخاص المبتكرين وأصحاب المخيلة الخصبة، لكنها تزداد تعقيداً مع الأشخاص المنطقيين. مع ذلك يمكن التدرّب على هذا التمرين العقلي.

هل هذه التقنية فاعلة مع جميع الناس؟

تقنية تكرار الصور العقلية فاعلة في 70% من الحالات. بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يتجاوبون معها، يمكن إعطاؤهم دواءً يُؤخَذ في العادة لمعالجة ارتفاع ضغط الدم ويسمح بتخفيف إنتاج الأدرينالين. عند أخذه في موعد النوم مساءً، يمكنه أن يحدّ من الكوابيس.

تكرار الصور العقلية

هل يسمح العلاج بتقنية تكرار الصور العقلية باختيار الأحلام كما يفعل أصحاب الأحلام الواعية؟ تجيب إيزابيل أرنولف: «يدرك أصحاب الأحلام الواعية أنهم يحلمون أثناء النوم. يمرّ نصف الناس بهذه الحالة، وينتقلون أحياناً إلى مراحل أكثر تقدماً ويستطيعون التأثير في أحلامهم وتغيير مسارها عبر زيادة الشخصيات والتفاعلات بينها والهرب من الأعداء... يمكن التدرب على تقنية «الحث الذاكري على الأحلام الواعية» التي تهدف إلى تخيّل سيناريو وحفظه قبل النوم لتكراره لاحقاً أثناء النوم».

وتوضح أن نصف المرضى الذين يشاهدون الكوابيس المتكررة قد ينجحون ويتعلمون تقنية تكرار الصور العقلية في بلوغ مرحلة الأحلام الواعية بعد أقل من ثلاثة أشهر من التمارين. سيتمكنون حينها من توجيه أحلامهم خلال النوم.

نقترح على المريض أن يتخيل حلماً جديداً نهايته إيجابية

تقنية تكرار الصور العقلية تعالج الحلم السيئ بحد ذاته
back to top