«وقف مسجد هلال المطيري» يروي أسطورة أشهر تجار اللؤلؤ في الخليج

كتاب أصدره بدر ناصر الحتيتة يتتبع تفرد فكر هذه الشخصية الفذة

نشر في 20-02-2017
آخر تحديث 20-02-2017 | 00:05


يرصد الكاتب بدر ناصر الحتيتة المطيري سيرة أشهر طواش في الخليج، الراحل هلال فجحان المطيري، الذي خاض عباب البحر بعزيمة فولاذية، وإرادة حديدية لم تنل منها قسوة الظروف وصعوبتها، بل أشرع يديه كمجدافين يتفوقان على مخاطر البحر المتنوعة.

ويسرد المؤلف جانباً من أعمال هلال المطيري الخيرية المشهورة، فيبدأ بالكرم في ديوانه، وبره بأقاربه، وإخراجه للزكاة وتوزيعها على مستحقيها، والتبرع لإنشاء المدرسة المباركية، ومقبرة هلال المطيري، ووصيته بالثلث الخيري، والتبرع لبناء المساجد والوقف عليها، ومنها مسجد هلال، الذي يتكون من بيتين لسكن الإمام والمؤذن، إضافة إلى بنائه عشرين دكاناً في سوق الصفاة، تُصرف إيجاراتها كرواتب للعاملين بالمسجد وصيانة المبنى.

وعبر إصدار موزع على 3 أقسام، يحكي المؤلف قصة كفاح مرصعة بالعزيمة والإصرار، إذ يروي حكاية رجل كان من بين ألف رجل استطاع أن ينجح في كسب ثروة طائلة من الغوص، وحصل في عامه الأول على صيد جيد من اللؤلؤ، ربح من بيعه، ولأنه كان حكيماً وحصيفاً حتى في شبابه تمكن من تكوين ثروة كبيرة بفضل ذكائه وفطنته.

ويصف الإصدار ديوان هلال المطيري بأنه كان عامراً بالرواد من كل الفئات الأغنياء والفقراء، وأهل البحر وأهل البادية، وذوي القربى.

ومن التبرعات المشهورة له، تبرعه بأرض خُصِّصت لدفن الموتى، أُطلِق عليها اسم "مقبرة هلال" وتقع بالحي الشرقي، وتقدر مساحتها بنحو 20 ألف متر مربع، وتبرع أيضاً بتسويرها.

يقسم مؤلف كتاب "وقف مسجد هلال فجحان المطيري بدولة الكويت"، بدر ناصر الحتيتة، مؤلفه إلى 3 أقسام، الأول بعنوان: "الطواش هلال فجحان المطيري... العصامي الكريم"، والثاني: "مسجد هلال بالمرقاب... إعادة البناء والتوسعة والإنفاق عليه"، في حين جاء القسم الثالث بعنوان "وقف الدكاكين بالمباركية على مسجد هلال... مائة عام من الصدقة الجارية".

ويفتتح الحتيتة سيرة هذه القامة السامقة في العطاء والبذل والكرم من خلال ما ذكرته زهرة فريث، ابنة الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، هارولد دكسن (أبو سعود)، خلال الفترة ما بين 1929 و1936م، وهي التي عاشت في الكويت في صغرها وعاصرت هلال المطيري، وعرفته عن قرب في كتابها "الكويت كانت وطني"، تعريفاً مختصراً بسيرة هلال فجحان المطيري، صاغته بأسلوب ممتع، نورده فيما يلي - بعد ترجمته - مع إضافة بعض المعلومات الضرورية إليه من مصادر أخرى لإكمال الصورة، وتقول فريث في هذا الصدد:

"كان الغوص، حتى سنوات قليلة ماضية، هو الحرفة الوحيدة المغرية التي قد يكسب البعض من خلالها ثروات طائلة في الكويت، فكم داعبت خيال مجتمع الغاصة قصص ثروات طائلة جناها العديد من النواخذة والطواويش من بيع اللؤلؤ أثناء سنوات رواج الغوص، حقق القليلون جدا حلمهم بالحصول على ثروات طائلة من الاتجار باللؤلؤ، بينما عاد الغالبية الساحقة منهم بلا فائدة مجدية، ومثقلون بديون تقصم الظهر، ولابد أن كل غواص ألزم نفسه بهذا العمل البدني الشاق في عز شهور الصيف اللافح قد جال بخاطره قصص نجاح رجال مثل هلال المطيري، الذي انتقل من حياة الفقر المدقع إلى الغنى والثراء في الكويت، والذي أصبحت قصته أسطورة بين قصص تجار اللؤلؤ في الخليج".

ويحدد الإصدار انتماء هلال المطيري، إذ يوضح أنه ينتمي إلى أسرة بدوية فقيرة معدمة، من فخذ الدياحين من قبيلة مطير، (حيث هاجر مع أسرته وهو صغير من منطقة "مهد الذهب" بالقرب من المدينة المنورة في بادية الحجاز، والتي تقع على طريق قوافل الحج، حيث تبدأ منها ديار قبيلة مطير- مروراً بقرى نجد- وتمتد ديارها لتصل إلى حدود الكويت في أقصى شمال شرق الجزيرة العربية). ويقول إن "هلال في شبابه عانى شظف العيش، لكنه انتفض على وضعه، وقرر في أحد الأيام شق عباب البحر والعمل بالغوص على اللؤلؤ، ولم تثنه عن عزمه القصص التي يسمعها عن الغاصة المدينين الجوعى الذين لم يستغنوا من هيرات اللؤلؤ، لكن الله تعالى كان به رحيما، فحالته لن تكون أسوأ منهم".

ويروي الإصدار قصة كفاح مرصعة بالعزيمة والإصرار، إذ يقول كان هلال المطيري واحداً من بين ألف رجل استطاع أن ينجح في كسب ثروة طائلة من الغوص، فدخل الغوص في الموسم الأول بالنسبة له (واختار أن يمارس غوص العزال)، أي أن يغوص لحسابه الخاص دون سلف من النوخذة والارتباط معه، بل يقوم بدفع نسبة من محصوله لصاحب السفينة.

وحصل هلال في عامة الأول على صيد جيد من اللؤلؤ، ربح من بيعه، ولأن هلال كان حكيما وحصيفاً حتى في شبابه، وبسبب عزمه الأكيد على التخلص من حالة الفقر الموجع الذي عاناه هو وأسرته، وذاقت مراراته عبر الأجيال، فقد ادخر ما حققه من ربح في ذلك العام، وجرب حظه مرة أخرى في موسم الغوص التالي، والغوص دائما مغامرة، ولكن التوفيق لازمه، وحقق هلال في الموسم الثاني، والمواسم التي تلته أرباحا جيدة، وبعد ستة أو سبعة مواسم، استطاع هلال أن يجمع رأسمال مكنه من تملك سفينة صغيرة، وأصبح هلال بعدها نوخذة يخرج إلى الغوص لحسابه، بعدما كان غواصا فقط، ولازم التوفيق هلال المطيري، الذي كان عزمه الأكيد وإرادته الصلبة في العمل وراء ما وصل إليه من رفعة شأن، واستمر هلال في ادخار ومراكمة أرباح طائلة ببطء أثناء مواسم الغوص الرائجة التي كانت فيها أسعار اللؤلؤ مرتفعة، وأصبح هذا البدوي البسيط رجل أعمال ماهرا، واستثمر أمواله في تملك العقارات (بساتين النخيل) في العراق، وبومبي، وبنى هلال لنفسه بيتا جميلا على ساحل الكويت يستطيع وهو جالس في ديوانه، عندما يبحر أسطول الغوص، أن يدير منه أعماله بأسواق اللؤلؤ في العالم.

بين البادية والحضر

وفي حديث عن تفرد فكر هذا الرجل وجلده، وقوة عزيمته وكرمه، يسرد الكتاب ملامح من هذه المناقب الكثيرة، ويقول في هذا السياق: "لم يكن هلال يشبه البعض ممن حققوا ثروة طائلة وانتقلوا من حالة الفقر إلى حالة الغنى، فهو لم ينس جماعته في البادية، ورغم أن هلال قد تحضر، وأصبح من سكان المدينة، فإن قلبه كان مع أبناء عمومته الدياحين الذين مازالوا يسكنون بيوت الشعر السوداء في البادية. كان هلال يبني مخيمه كل ربيع في البر".

وعن هذه الفترة تتحدث فريث: "في أيام طفولتي في الكويت كانت أسرتي (أسرة الوكيل السياسي البريطاني هارولد دكسن)، تنصب خيمتنا البدوية بجوار المخيم الربيعي لهلال المطيري لعدة مواسم، وكنا نزور هذا الرجل الودود، كبير السن، ذا الوجه الدائري الباسم، ولحيته البيضاء الكثيفة، وأتذكر عدة مناسبات دعانا فيها لتناول الغداء معه في مخيمه على سفرة ملكية، لقد كان لدى هلال طاقم من الموظفين وجهاز خدمة مثل شيخ الكويت، تضم مرافقين وأتباعا مخلصين، ومع ذلك لم يكن هلال متكبرا، بل كان يرى نفسه محظوظا، وأنه ليس بأفضل من سائر بني عمومته الذين ينتمي إليهم، وفي حياة هلال كان بإمكان أي ديحاني اضطرته الحاجة أن يذهب إلى ديوان هلال، وهو واثق بأنه سيحصل على أعطية جزلة ووجبة دسمة، وهكذا تحققت لهلال هذه الشعبية والمكانة، والذكر الطيب في قلوب سكان الكويت، وأصبح اسمه مقترنا بالكرم، وصلة الرحم، ومثالا لهما.

أعمال خيرية

ويسرد المؤلف جانبا من أعمال هلال المطيري الخيرية المشهورة، فيبدأ بالكرم في ديوانه، وبره بأقاربه، وإخراجه للزكاة، والتبرع لإنشاء المدرسة المباركية، ومقبرة هلال المطيري، ووصيته بالثلث الخيري، والتبرع لبناء المساجد والوقف عليها. وكان ديوان هلال المطيري يقع بجانب نقعة هلال، وموقعها الحالي هو مكان سوق شرق.

وكان الديوان عامرا بالرواد من كل الفئات الأغنياء والفقراء، وأهل البحر وأهل البادية، كما كان المطيري بارا بأقاربه، محبا لأرحامه، وصولا لهم، وبره بأقاربه وعشيرته والإنفاق عليهم أمر مشهور عنه، وعلاوة على ذلك، كان حريصا على إخراج زكاة ماله وتوزيعها على مستحقيها.

ومن التبرعات المشهورة له، تبرعه بأرض خصصت لدفن الموتى، أطلق علهيا اسم "مقبرة هلال" وتقع بالحي الشرقي، وتقدر مساحتها بنحو 20 ألف متر مربع، وتبرع أيضا بتسويرها ودفن فيها هلال المطيري يرحمه الله تعالى، ضحى يوم الاثنين 11 يوليو 1938م، وتقع المقبرة حاليا مقابل سوق شرق على شارع الخليج العربي.

مسجد هلال

ويقع مسجد هلال بالقرب من سوق الأقمشة والبطانيات من جهة الشمال، ومجمع البنوك من جهة الغرب، وعندما ضاق المسجد بالمصلين، طلبوا من هلال المطيري توسعته فعمل على ذلك.

ويتكون وقف هلال المطيري الخيري على مسجد هلال من بيتين لسكن الإمام والمؤذن، وبناء عشرين دكانا في سوق الصفاة، تُصرف إيجاراتها كرواتب للعاملين بالمسجد ولبند صيانة المبنى، وقد وهب أمير الكويت وقتها الراحل الشيخ سالم المبارك الصباح قطعة الأرض التي تمت إقامة الدكاكين عليها.

شكر وثناء

ويقدم المؤلف الشكر والتقدير وعرفان بالجميل إلى الذين ساهموا في تذليل العقبات التي اعترضت مشوار جمع المعلومات وتنفيذ هذا الإصدار، ويقول ضمن هذا السياق: "يسرني ويشرفني أن أتقدم بجزيل الشكر والثناء للذين تكرموا بتشجيع هذا الإصدار الوطني - الذي يقدم لمحة مشرقة من التاريخ الاجتماعي للكويت وأهلها - ورعايتهم ومساعدتي على إنجازه بالصورة اللائقة، وأخص بالذكر الجميل والشكر الوافر كلا من السيد هلال مشاري هلال المطيري، ود. عبدالله يوسف الغنيم، والأمانة العامة للأوقاف، والسيد يحيي يوسف الصوري، والمصور القدير رائد قطينة.

العصامي المتوج بالكرم والبذل والعطاء

يصف مؤلف الكتاب بدر ناصر الحتيتة، الطواش الراحل هلال فجحان المطيري بالعصامية والكرم والإباء، مشيرا إلى أنه شخصية خالدة في تاريخ الكويت الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والخيري، ويرى من خلال رصده لهذه الشخصية الكبيرة أن مسيرة حياته وسيرته تثيران العجب والإعجاب عند التأمل فيها، فهي تصور قصة كفاح الشعب الكويتي الذي تكوّن بالهجرة والكد والصبر والعطاء.

ويتتبع الحتيتة مشوار الراحل، ويقول: "حينما كان هلال صغيرا هاجر مع أسرته في منتصف القرن التاسع عشر تقريباً من "مهد الذهب" في بادية الحجاز بأقصى غرب الجزيرة العربية إلى الكويت في أقصى شمال شرق الجزيرة العربية، وانتقل هلال بتلك الهجرة من قسوة حياة البادية ومشقتها إلى مخاطر حياة البحر وأهواله.... وصعد بالكد والجهد والصبر من قاع الفقر والحرمان إلى أن بلغ قمة الغنى وامتلاك بساتين النخيل الشاسعة على شط العرب، بعد أن تفوق في مهنة الطواشة وتجارة اللؤلو الدولية، حتى أصبح يلقب بملك اللؤلؤ في الخليج.

ويسرد المؤلف ملامح التواضع الجم في هذه الشخصية الفذة، ويقول: "هذه الثروة الطائلة لم تنس الطواش هلال جذوره المتواضعة وأقاربه وأبناء وطنه، فتوج حياته بتاج الكرم والبذل والعطاء، وتعددت مساهماته لتشمل بر الأقربين، والفقراء والأرامل والأيتام، وبناء المساجد وتعمير المدارس، والوقف الخيري في المدينة والبادية، داخل الكويت وخارجها، حتى اشتهر بذلك وأصبح الكرم ملازما لاسمه، فسطر بهجرته إلى البحرين في نهاية شهر أغسطس 1910م وعودته إلى وطنه الكويت، في شهر سبتمبر من عام 1911م، معززا مكرما أسمى معاني المواطنة المبنية على قيم العزة والكرامة والوفاء.

وعن دوره الوطني، قال الحتيتة، اختير هلال المطيري عضوا بمجلس الشورى 1921م وظل مواطنا فاعلا ومبادرا للمشاركة في كل الأحداث والمحطات التي مر بها وطنه الكويت حتى وفاته في يوم الاثنين11 يوليو 1938م، حيث دفن في مقبرة هلال. ويشير المؤلف إلى استحقاق هلال المطيري- بمثل هذه السيرة والسلوك- أن يكون نموذجا للشخصية العامة النافعة وقدوة للمواطنة الصالحة.

بدر الحتيتة يصف الطواش الراحل بالعصامية والكرم والإباء والشهامة

حياة المطيري تختزل قصة كفاح الشعب الكويتي الذي تكوّن بالهجرة والكد والصبر والعطاء

المؤلف يسرد ملامح التواضع الجم في هذه الشخصية الفذة

اختير عضواً بمجلس الشورى 1921م وظل نموذجاً للشخصية العامة النافعة وقدوة للمواطن الصالح

الراحل تبرع لإنشاء المدرسة المباركية ومقبرة وبناء المساجد

الحتيتة يوثق لرجل استطاع أن ينجح في كسب ثروة طائلة من الغوص
back to top