«بشتري راجل»!

نشر في 17-02-2017
آخر تحديث 17-02-2017 | 00:00
 مجدي الطيب أول ما يلفت نظرك، ويستوقفك، في فيلم «بشتري راجل» (100 دقيقة) أن معالجته، التي تتّسم برقة، وخفة ظل، وذكاء، أنقذته من أزمة كبيرة كانت في انتظاره، في حال وقوعه في فخ الغلظة والمباشرة.

تدور الفكرة حول امرأة تُدعى «شمس» (نيللي كريم) دقيقة وصارمة، ومُتحققة في عملها، كمدير مالي، لكنها تعاني بسبب رغبة أمها «نجوى» (ليلى عز العرب) في تزويجها «زواج صالونات»، ورفضها القاطع النظرة الذكورية للمجتمع، بعد سلسلة تجارب عاطفية فاشلة فقدت معها الثقة في الرجال، وأوصلتها إلى قناعة تامة بخيانتهم ووحشيتهم وأنانيتهم. وعندما يُنذرها خالها الطبيب «ماجد» (لطفي لبيب) بأن فرصتها في الإنجاب باتت ضئيلة، وحلم الأمومة يكاد يتلاشى، نظراً إلى اقترابها من سن الأربعين، تُعيد التفكير في مشروع الزواج، برؤيتها الخاصة، إذ توظف مالها الشخصي، مستخدمة حساباً وهمياً على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، لإغراء الرجال بالتقدم إليها، واختيار الأكبر قدرة منهم على التخصيب، ليكون «زوجاً صورياً» لها، بمعنى أنها تشتري «الحيوانات المنوية» بأعلى سعر!

فكرة مثيرة للجدل كان يمكن أن تجر كثيراً من المشاكل على كاتبة الفيلم إيناس لطفي ومخرجه محمد علي، ومن خلفهما منتجته دينا حرب، لولا الاتفاق الضمني بين ثلاثي الفيلم على إعطاء الأولوية للرقة قبل القسوة، وألا تتحوّل الجرأة إلى وقاحة وغلظة، بل إن خفة الظل كان لها مكان كبير في التجربة، بفضل السيناريو الرائع، والحوار الممتع، والتوازن الدقيق في كتابة الشخصيات، بما منح كل شخصية ثقلاً واضحاً، وتأثيراً ملحوظاً، يتساوى في هذا البطلان الرئيسان، وأصحاب الأدوار المساعدة. في مقابل شخصية «شمس» ثمة «بهجت» (محمد ممدوح) الطبيب البيطري، الذي يمتلك مزرعة ورثها عن عائلته، ويعيش لحظات عاطفية حميمة مع رفيقته «سالي» (ليلى عربي) المرشدة السياحية دائمة السفر والترحال، ويواجه أزمة مالية مع البنك الذي يتعامل معه، تجبره على القبول بشروط «شمس»، والإذعان لغطرستها، وغض الطرف عن عنجهيتها ونرجسيتها، وهي شخصية لطيفة لا تخلو من إنسانية، وتلقائية، وحب للحياة، وحيوانات مزرعته، التي يكن لها حباً دافئاً كان طبيعياً أن يجد لنفسه مكاناً عندما وجد نفسه طرفاً في علاقة غريبة مع امرأة نالت منها الصدمات!

لم تختلف الحال كثيراً مع الأم «نجوى» (ليلى عز العرب)، التي ابتعدت عن الشكل التقليدي المُتعارف عليه، واتسمت بشخصية قوية نجحت في تحريك الأحداث، وهي الحال التي تكررت بدرجة أقل تأثيراً مع «نيفين» (دنيا إجلال ماهر) صديقة البطلة و{طارق» (محمد حاتم) خال البطل، الذي أضفى روحاً مرحة على الفيلم، سواء في طرافة التناقض بين تكوينه الجسماني الهزيل، وبين ضخامة تكوين «بهجت»، الذي يناديه «خالو»، أو تكرار أزماته العاطفية مع الفتيات اللائي ينظرن إليه بوصفه «أخاً» ليس أكثر!

بالطبع جاء بعض المواقف الدرامية متوقعاً، كالمفارقات الناتجة عن إخفاء «شمس» أمر «الاتفاق المنوي» بينها وبين «بهجت» عن الأم، واختلاف الطباع بين الزوجين، والمشاكل التي نجمت عن هذا، وعن تكتم «بهجت» أمر علاقته بعشيقته «سالي»، التي امتدت زهاء ثلاث سنوات، عن زوجته، وافتضاح أمرهما بعدما بدأت «شمس» في الاقتراب من «الزوج الصوري»، وتسللت الغيرة إلى نفسها، والحب إلى قلبها، بعدما اكتشفت إنسانيته، وجمال فطرته. فالأزمات ليست جديدة، وتكاد تكون مستلهمة من أفلام كثيرة سابقة، لكن طزاجة الفكرة، طرافة الحوار، خفة ظل الشخصيات، والتوظيف الرائع لإمكانات الممثلين، أسفرت عن مباراة قوية في الأداء، وأسبغت على التجربة كثيراً من الجدة والجدية، وهو ما يُحسب للمخرج محمد علي الذي أدار عناصره الفنية بثقة واقتدار، فاختيار أماكن جديدة، كالمزرعة، قاد الفيلم إلى لغة بصرية أخاذة كان للتصوير (عبد السلام موسى) دور كبير في إبرازها، والانتقال بسلاسة من مشهد إلى آخر (مونتاج وائل فرج) كان سبباً رئيساً في التواصل مع الفكرة المثيرة، والتجربة الجديدة، فالاهتمام بالفيلم الرومانسي الكوميدي لا يشغل بال السينما المصرية كثيراً، رغم التجاوب الجماهيري الدائم مع هذه النوعية عند تناولها في الأفلام الأميركية!

«بشتري راجل» عن المسؤولية التي تثير رعب وخوف الضعفاء، والتسامح والغفران كخطوة وحجر أساس في توطيد العلاقات بين البشر، والأهم أنه فيلم عن الحب عندما يتحوّل إلى سلاح تغيير فاعل وناجح.

back to top