«ماسبيرو» يواجه خطر الغلق... التلفزيون المصري ضحية الإهمال والفساد

نشر في 17-02-2017
آخر تحديث 17-02-2017 | 00:00
مبنى التلفزيون
مبنى التلفزيون
لم يكن يخطر في بالنا أن نسمع ذات يوم أصواتاً تُطالب بإغلاق «ماسبيرو»، الصرح العريق وأول تلفزيون في الوطن العربي والمنطقة العربية بأسرها. هذا الكيان الذي شهد حوادث عدة على مستوى العالم وأرّخ لها في ذاكرته مشكّلاً وجدان الشعوب العربية على مدار عقود بإنتاجه الدرامي المتميز، ومساهماً في نشر اللغة المصرية والتقارب بين الشعوب، أصبح بلا قوة ولا قيمة بسبب إهمال كبير مسّه وجعله يتراجع عن دوره فانصرف عنه متابعوه فيما تُنفق المليارات عليه بلا عائد.
هل انتهى عصر الإعلام الرسمي المصري، وهل التطوّر أصبح عصياً على هذا الكيان العظيم؟ عن هذه القضية كانت لنا المتابعة التالية.
يؤكّد المخرج المصري الكبير محمد فاضل أن وجود كيان إعلامي يعبّر عن سياسة الدولة، لا الحكومة، أمر ضروري ومهم تتمسك به دول العالم كافة، ومن الخطأ التخلي عنه وتركه للإعلام الخاص مهما كان مؤيداً أو موجهاً، خصوصاً مع مستوى الإعلام الهابط الذي نراه الآن.

ويضيف فاضل أن أزمة «ماسبيرو» تكمن في الإهمال والفساد ومنح المناصب القيادية لأصحاب «الثقة» وليس الكفاءة، وللأسف رغم الثورة والتغيرات السياسية بقيت العناصر الفاسدة فيه تحتل مناصب قيادية». ويتابع: «في عام 2013 نظمت مؤتمراً اقتصادياً وإعلامياً بحضور رئيس الوزراء المصري وأعضاء الحكومة وعدد كبير من المتخصصين والمهتمين بالإعلام والثقافة. وحضرنا للمؤتمر بشكل جاد وعلمي عن طريق تشكيل لجان بحث وتقصٍ من أصحاب الخبرة في الإعلام والفن، وكنت أنا مُقرر لجنة الإنتاج الدرامي ووضعنا خطة عمل للنهوض بالتلفزيون المصري خلال فترة وجيزة من دون أن تتحمّل الدولة أية أعباء مالية، ذلك عن طريق استغلال إمكانات ماسبيرو المُهدرة أو المُستغلة. ورفعنا مذكرة لرئيس الوزراء ولكن بالطبع لم تلق الاهتمام رغم أهمية مضمومنها ومعديها».

خدع المنتفعون والمدعون، بحسب فاضل، مؤسسة الرئاسة بأن ادعوا أن وإصلاح «ماسبيرو» أمر مستحيل ولا أمل فيه، «من ثم بدأت بالتصرف على هذا الأساس رغم أن الحل سهل ومُتاح وذكرناه في أكثر من اجتماع ومؤتمر».

خطة متعمدة

من جانبها، ترى الإعلامية هبة رشوان أن ثمة خطة متعمدة لإسقاط تلفزيون الدولة في مصر، ومقارنته بالقنوات الخاصة رغم اختلاف الرسالة الإعلامية بين جهاز تنويري وتوعوي وآخر تجاري ترفيهي، عندما حِّولت المذيعات إلى مندوبات للإعلانات، «رغم أنها ليست مهمتنا ولا مهمة من سبقونا من الرواد الذين نتحدث عنهم»، مشيرة إلى أنهم يعملون في ظل ضعف الإمكانات داخل التلفزيون وفي أصعب الظروف، ومع ذلك يقومون بدورهم.

في السياق نفسه، يرى الدكتور سامي عبد العزيز، عميد كلية الإعلام الأسبق، أن لا بلد في العالم ليس لديه إعلام الخدمة العامة، ولسان حال يعبر عنه، ونحن تأخرنا كثيراً وما زلنا متأخرين في دعم الإعلام الوطني والإعلام القومي، سواء «ماسبيرو» أو الصحف القومية».

ويضيف عبد العزيز أن النهوض بـ«ماسبيرو» يتطلّب اتخاذ قرارين متلازمين: الأول إعادة توزيع العمالة المترهلة التي لا صلة لها بالعمل الإعلامي المباشر وتمثّل عبئاً على الإداريين في التلفزيون، والثاني أن تأخذ الدولة قراراً حاسماً بإسقاط الديون عن كاهل المبنى كي يتحرّر من القيود، فضلاً عن ضرورة إعادة النظر في القنوات الإقليمية وتوجهاتها ودعمها ليكون لها وجود حقيقي، فهل نحن بحاجة إلى العدد الرهيب من القنوات الإقليمية والمحطات الإذاعية؟

كذلك يرى الناقد طارق الشناوي أن ما وصل «ماسبيرو» إليه هو نتيجة للإهمال والفساد وعدم الاهتمام بما يقدمه للجمهور، فاهتم القيمون على الإعلام في مصر بالكم وليس الكيف، فزاد عدد القنوات المحلية والإقليمية ومحطات الإذاعة وساعات البث دون الاهتمام بالمحتوى، ما أدى إلى إنفاق كبير من دون عائد، ومع ظهور القنوات الفضائية الجديدة ومحطات الإذاعة عجز التلفزيون عن المنافسة وانصرف عنه الجمهور.

ويضيف الشناوي أن «ماسبيرو،» هذا الصرح العملاق، يحتاج إلى ثورة إعلامية وإدارية للنهوض من أزمته والعودة إلى الريادة، ولكن الإدارة الراهنة أضعف من أن تفعل ذلك، فقد عملت القيادات السابقة في عهد حسني مبارك على تفريغ التلفزيون من الكفاءات كي تضمن لنفسها البقاء، وبعد رحيلها لم نجد من يصلح لتولي هذا الكيان الكبير وتطويره والنهوض به. ويضيف أن الأزمة لن تُحلّ ولن يُغلق الجهاز لأن لا إرادة سياسية للحل لعدم إدراك أهمية وجود إعلام رسمي يُعبر عن الدولة ويخاطب الجمهور ويجذبه بعيداً عن الفضائيات الخاصة، كذلك لا تستطيع الدولة تحمل تبعات الاستغناء عن أكثر من 40 ألف عامل في التلفزيون.

كيان كبير

ترى الناقدة ماجدة خير الله أن التلفزيون المصري كيان كبير لا يجب الاستغناء عنه، وتطويره ليس أمراً مستحيلاً ولا صعباً، وما وصل إليه هذا الكيان من تردي أوضاعه شأنه في ذلك شأن مؤسسات الدولة كافة، فهل نُغلق المؤسسات الفاشلة كلها أم نعمل على تطويرها؟ وتتابع: «ولكن لا بد من توافر إرادة سياسية للتطوير والتحديث وليس التخلي. صحيح أن الغلق هو أسهل حل ولكن سيشكّل كارثة إن تحقق».

وتضيف خير الله: «سيطرة أصحاب الثقة على معظم المناصب القيادية دون أصحاب الكفاءة هي السبب في ما وصلنا إليه. مثلاً، من لا يملك الخبرة أو الكفاءة يدير كياناً كبيراً مثل التلفزيون المصري بميزانية ضخمة، لذا نرى أن تراث الأخير العريق هُرِّب الكثير منه أو وضع على «يوتيوب» من دون مقابل، فيما الإنتاج الحديث من الدراما في المكتبات لا يجد من يسوقه رغم انتشار القنوات الدرامية ولا أحد يحاسب أو يسأل».

back to top