أول ضحايا ترامب

نشر في 15-02-2017
آخر تحديث 15-02-2017 | 00:06
تسبب الأمر التنفيذي (المرسوم) الذي أصدره ترامب بوقف إعادة توطين اللاجئين السوريين، وفرض حظر مؤقت على دخول كل اللاجئين الجدد بصرف النظر عن المكان القادمين منه، وحظر كل أشكال الهجرة من إيران، والعراق، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن، في إلحاق ضرر فوري مباشر بأشخاص كانوا في طريقهم إلى الولايات المتحدة.
 بروجيكت سنديكيت عندما انتُخِب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة لم أنضم إلى أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا، بل رأيت أنه من المهم احترام العملية الديمقراطية مهما كانت نتائجها مروعة، والانتظار إلى أن تعطينا إدارة ترامب شيئا نحتج عليه.

ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا، فبعد ثمانية أيام من تولي ترامب منصبه، كان أول ضحايا رئاسته الذين أمكننا تمييزهم معروضين على كل منافذ وسائل الإعلام الرئيسة، فقد تسبب الأمر التنفيذي (المرسوم) الذي أصدره ترامب بوقف إعادة توطين اللاجئين السوريين، وفرض حظر مؤقت على دخول كل اللاجئين الجدد بصرف النظر عن المكان القادمين منه، وحظر كل أشكال الهجرة من إيران، والعراق، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن، في إلحاق ضرر فوري مباشر بأشخاص كانوا في طريقهم بالفعل إلى الولايات المتحدة، كما منع الأمر التنفيذي أعداداً أكبر من الناس من المغادرة إلى الولايات المتحدة.

في محاولة لتبرير سياسته، قال ترامب إنه "لن ينسى أبدا دروس الحادي عشر من سبتمبر"، ولكن يبدو أن هذا هو ما فعله على وجه التحديد، فقد جاء مختطفو الطائرات الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر من مصر ولبنان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولم تتأثر كل هذه الدول بالقواعد الجديدة. وفي المقابل تخلص دراسة أجراها الباحث أليكس ناوراست، محلل سياسات الهجرة في معهد كاتو التحرري (libertarian Cato Institute) إلى أنه على مدار أربعين عاما حتى نهاية 2015، لم يُقتَل أحد في الولايات المتحدة في هجمات إرهابية نفذها أجانب من أي من الدول السبع التي أشار إليها أمر ترامب التنفيذي.

ومن الواضح أن الإيرانيين، وكثير منهم يقيمون في الولايات المتحدة بشكل قانوني، هم الأكثر تضررا. يقول تريتا فارسي، وهو رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي، إن الولايات المتحدة ذاتها أنتجت من المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أعدادا أكبر من تلك التي أنتجتها إيران، وهو ليس بالأمر المستغرب، إذا علمنا أن "داعش" تنظيم سُنّي، وينظر إلى الشيعة الذين يشكلون 90% على الأقل من سكان إيران باعتبارهم مرتدين وترى أن قتلهم مبرر.

الواقع أن الحظر المفروض على المهاجرين من الدول السبع يصلح لحوارات تلفزيونية درامية، لأن الأشخاص الذين ألحق بهم الضرر قادرون على التحدث إلى وسائل الإعلام حول هذا الموضوع، وهذه ليست الحال عندما يتعلق الأمر بخفض مجموع اللاجئين المقبولين في عام 2017 من نحو 110 آلاف لاجئ إلى 50 ألف لاجئ فقط، وتعليق برنامج إعادة توطين اللاجئين بشكل كامل لمدة أربعة أشهر. في ظل أزمة اللاجئين العالمية قال الرئيس باراك أوباما إن الولايات المتحدة ينبغي لها، انطلاقا من روح كلمات إيما لازاروس المحفورة على تمثال الحرية، أن تقوم بنصيبها العادل في توفير مسكن جديد "للحشود المجتمعة التواقة إلى تنشق نسيم الحرية"، ومن الواضح الآن أن ترامب أدار ظهره لهذه الرؤية.

الواقع أن هذا الأمر التنفيذي يشكل اختبارا مبكرا لمدى قدرة المحاكم الأميركية على كبح جِماح رئاسة ترامب، فقد حجب القضاة مؤقتا بعض جوانب الأمر التنفيذي، على سبيل المثال لا يجوز ترحيل الأشخاص الذين اعتُقِلوا لدى وصولهم إلى الولايات المتحدة بموجب الأمر التنفيذي؛ ولكن قد يمر بعض الوقت قبل أن تحل المحاكم جميع الأسئلة التي يثيرها الحظر الجديد.

وبين هذه الأسئلة ستبرز قضية التمييز على أساس الدين، إذ يقضي الأمر التنفيذي بإلزام وزير الخارجية بعد استئناف برنامج اللاجئين "بإعطاء الأولوية بالقدر الذي يسمح به القانون لطلبات اللجوء على أساس الانتماء إلى أقلية دينية مضطهدة. ورغم أن الأمر التنفيذي ذاته لا يذكر أي ديانة بعينها، فقد ذكر ترامب في مقابلة تلفزيونية إنه كان يريد إعطاء الأولوية للمسيحيين، ولأن دستور الولايات المتحدة يحظر على الحكومة إقامة أي ديانة، فلا نملك إلا أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا الجانب من الأمر التنفيذي قد يصمد في وجه التمحيص القضائي.

من المثير للقلق والانزعاج بالقدر نفسه ذلك التهديد الذي تفرضه على حرية التعبير فقرة تنص على أن الولايات المتحدة "لا يمكنها، ولا ينبغي لها، أن تسمح بدخول أولئك الذين لا يؤيدون الدستور". وفي حديثه عن الأمر التنفيذي قال ترامب "نحن نريد فقط السماح بدخول بلادنا لأولئك الذين يدعمون بلدنا ويكنون حبا عميقا لشعبنا".

أنا شخصيا أحمل البطاقة الخضراء (إقامة قانونية دائمة في الولايات المتحدة من دون الحصول على الجنسية)، وقد كتبت عن عيوب في الدستور الأميركي، وبقدر ما أنا معجب بكثير من الأميركيين، فلا أستطيع أن أذهب إلى حد القول بأنني "أكن حبا عميقا" للأميركيين ككل، فهل يعني هذا أنني قد أُمنَع من دخول الولايات المتحدة؟ وهل يتسق هذا مع الإيمان بحرية الفِكر؟

وفقا لناوراست لن يخلف أمر ترامب التنفيذي عمليا أي تأثير من شأنه أن يعمل على تحسين أمن الولايات المتحدة، وقد ذكر ترامب مراراً وتكراراً أنه سيضع دوما مصلحة الأميركيين أولا، ولكن هل يعطي الأولوية لمصالح الأميركيين قبل مصالح أي طرف آخر على نحو مطلق؟ بالنظر إلى المعاناة التي يحدثها أمره التنفيذي الآن فإنه يبدو أنه غير أخلاقي أو ما قد يرقى في حالتنا هذه إلى أنه مجنون.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن، ومن بين مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "الحياة التي يمكنك إنقاذها"، وكتاب "أعظم الخير الذي يمكنك تقديمه"، ومؤخرا كتاب

"الأخلاق في العالَم الحقيقي".

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

الحظر المفروض على المهاجرين من الدول السبع يصلح لحوارات تلفزيونية درامية

«داعش» يعتبر الشيعة الذين يشكلون ٠٩% على الأقل من سكان إيران مرتدين
back to top