حول المبالغة في دور مجلس الأمة

نشر في 15-02-2017
آخر تحديث 15-02-2017 | 00:10
لا يكفي وجود نظام ديمقراطي حقيقي ومؤسسات دستورية راسخة لحل المشاكل العامة وتطوير المجتمع، فالحياة السياسية لا تقتصر على مجلس الأمة فقط مهما كان قوياً ومؤثراً، لهذا من المفترض أن تبتدع القوى السياسية والشبابية الحيّة في المجتمع وبالذات القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية أساليب ضغط شعبي وسياسي جديدة ومبتكرة.
 د. بدر الديحاني من الخطأ المبالغة في الدور الذي من الممكن أن يؤديه مجلس الأمة لإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي، لا سيما في ظل المعادلة السياسية الحالية العقيمة، وموازين القوى المُختلّة، والنظام الانتخابي المُشوّه، والطابع الفردي للعمل السياسي.

مجلس الأمة في وضعه الحالي لا يعدو عن كونه مؤسسة شبه ديمقراطية غير مؤثرة كثيراً في صنع السياسات واتخاذ القرارات العامة، حيث تستطيع الحكومة في النهاية، بما تملكه من أغلبية لأن الوزراء أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم، وبما لديها من إمكانات ضخمة تستخدمها أحياناً في دعم من تريد من المرشحين، أن توجهه كيفما تشاء، وإلا فقرار الحلّ جاهز كي نعود للمربع الأول.

بعبارات أخرى فإن "الخيط والمخيط" في يد الحكومة الثابتة التي لا يتم تداولها كما تقتضي المبادئ الديمقراطية، هذا ناهيك عن تداخل السلطات العامة، وغياب التعددية السياسية، حيث لا أحزاب سياسية مدنية ديمقراطية كما يفترض في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، بحيث تتنافس فيما بينها حول رؤى وبرامج عامة لمعالجة مشاكل المجتمع وقضاياه المستقبلية، ومعظم أعضاء السلطتين غير مؤهلين لإدارة الشأن السياسي والعام، فلا علاقة مباشرة لهم ولا صلة البتة بالعمل السياسي قبل تولي المنصب. لهذه الأسباب تجدنا ندور في حلقة مفرغة ونُعيد إنتاج مشاكلنا العامة على الرغم من أننا نملك إمكانات مالية وبشرية ضخمة، ومقومات فريدة تؤهلنا كي نكون دولة ديمقراطية حديثة ومتقدمة.

وفي حالة استمرار الوضع السياسي الحالي فإن دور مجلس الأمة كمؤسسة دستورية سيتضاءل تدريجياً إلى أن يصبح شكلياً بالمرّة، وستتراجع معدلات التنمية ويستنزف المال العام بعد أن يستشري الفساد السياسي المؤسسي الذي يعتبر أشرس أنواع الفساد وأكثرها دماراً وضرراً على الدولة والمجتمع.

وحتى في حال وجود نظام ديمقراطي حقيقي ومؤسسات دستورية راسخة، فإن ذلك لا يكفي بحد ذاته لحل المشاكل العامة وتطوير المجتمع، فالحياة السياسية لا تقتصر على مجلس الأمة فقط مهما كان قوياً ومؤثراً، لهذا فمن المفترض أن تبتدع القوى السياسية والشبابية الحيّة في المجتمع وبالذات القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية أساليب ضغط شعبي وسياسي جديدة ومبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية التي تدور جميعها حول مجلس الأمة، بحيث يتم توحيد الجهود الشعبية حول القضايا الوطنية والمعيشية المشتركة، بدلاً من ترك الساحة السياسية للقوى الطائفية والرجعية المعادية للحريات والنظام الديمقراطي، والتي تشغل الناس في قضايا سطحية وجانبية بعيدة عن همومهم ومشاكلهم الحياتية والمستقبلية المشتركة.

back to top