خاص

«الزعتري»... السوريون بين اللجوء والهروب من المخيمات

مقره في الأردن ويحتضن 120 ألف لاجئ ويستقبل زواره بلافتة «شكراً للكويت»

نشر في 11-02-2017
آخر تحديث 11-02-2017 | 00:00
كنت منذ سنوات أحلم بزيارة «الزعتري»، لاسيما أني كنت حاضرة أكثر من مرة في رحلات عمل وتطوع بالأردن، ولكن قيل لي إن الموضوع ليس بهذه السهولة، وزيارته تتطلب ترتيباً خاصاً. وبدعوة كريمة من شركة «زين» للاتصالات لحضور رحلتهم الميدانية للمخيم والتي تنظمها مفوضية اللاجئين تم تحقيق أمنيتي.
سبب حماسي لزيارة مخيم الزعتري يرجع إلى أنه من أقدم المخيمات وأكبرها، إذ إنه الأكبر على مستوى العالم العربي والثاني عالميا، وله استقلاليته، ويحتضن أكثر من 120 ألف لاجئ حتى اليوم.
زرت العديد من المخيمات خلال السنوات القليلة الماضية، ولربما شاهدت أسوأها في رحلتي إلى أربيل؛ خيام متهتكة ومياه متسربة، مع انعدام الخدمات الصحية، إضافة إلى الثعابين والفئران التي تزور خيامهم كل مساء.
يقع مخيم الزعتري في محافظة المفرق، وهو أول مخيم أردني رسمي للاجئين السوريين، ويحظى بدعم من منظمات الإغاثة المحلية والدولية، وفي طليعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

لعل أهم ما لفت انتباهي هو استبدال الخيم بالكرافانات، وهذه نقلة نوعية بالنسبة للاجئ، لأنه يوفر الحد الادنى من الخصوصية وقليلا من الدفء، ولكن بحجم غرفتين صغيرتين، ويقطنها ما بين 5 الى 7 أشخاص، وهو وضع صعب من دون شك.

ولكني لن أنكر تلك المشاعر المختلطة، وأنا أرى المخيم يستقبل زواره بلافتة «شكرا للكويت» لتبرعاتها السخية للمخيم، وتأتي بعدها لافتة اخرى لأهم المساهمين... تأكدت حينها أن الكويت لم تصبح مركزا للعمل الانساني عبثاً.

ساعات الكهرباء

يعتبر شتاء الأردن قاسياً جدا، وتتخلله الثلوج في كثير من الاحيان، وكلنا نعرف ان الثلج والامطار هي من أكبر مخاوف اللاجئين، إذ إن الكهرباء موجودة بساعات معينة في الزعتري، وهي من 6 مساء حتى 1 فجرا، مما يجعل الافراد يحددون اولوياتهم مع الكهرباء في هذا الوقت المحدود.

والكرافانات رغم أنها افضل بمراحل من الخيم فإنها لا توفر الدفء المطلوب وتتسرب اليها الامطار، والأسوأ من ذلك حين يضطر اللاجئ للسير وسط الطين والبرد والمطر والثلج، بينما تترصد له امراض الشتاء.

الكاش والكوبونات

في خطوة موفقة من قبل مسؤولي المخيم تم اعتماد تجربة الدعم النقدي عبر ضخ «الكاش»، أو من خلال بطاقات ممغنطة يمكن استخدامها في اجهزة متصلة الكترونيا بـ«داتا» البصمة، كما طوروا شبكتي المياه والكهرباء في المخيم.

إعطاء الفرصة للاجئ ليشتري هو ما يريد من «سوبر ماركت» ليتاح للناس شراء ما يلزمهم عبر نظام «الكاش» الذي يعد اول تجربة من نوعها في تاريخ المخيمات؛ حقق نتائج فعالة وساهم في انتعاش الحركة نوعا ما في داخل حدود الزعتري، الى جانب منحه اللاجئين شعورا بالحرية، لاسيما أن الكثير منهم يحبون ان يطهوا طعامهم بأنفسهم لا ان يؤتى اليهم كل يوم بطعام.

مع تعدد زياراتي للاجئين، لاسيما السوريين، اكتشفت مدى حبهم للطعام «الزاكي»، ويعتبر من اجود المطابخ العربية، لذا فهو يفضل ان يختار طعامه بنفسه ويستمتع بتجربة طبخه، وهي واحدة من المتع القليلة المتبقية للاجئين اتمنى ان تستمر.

شارع الشانزليزيه

تحول الشارع الرئيسي في المخيم إلى «شارع الشانزليزيه»، كما أطلقوا عليه، إذ يحتوي على أكثر من 600 دكان، وتوفر هذه المحلات والبقالات معظم ما يحتاج إليه اللاجئون من لوازم العيش، مما جعل الزعتري أكبر تجمع سكاني وتجاري في منطقة المفرق التي يتبع المخيم لها إداريا. وتتنوع البضائع المعروضة في المخيم بين الغذائية -وهي الأكثر مبيعا- والملابس (بما فيها فساتين الزفاف) والأدوات المنزلية.

كما توجد صالونات الحلاقة ومحال للخياطين ومهن أخرى، وصولا إلى الأماكن «الترفيهية»، إذ ينتشر في الشارع محلات تبيع أنواع القهوة والشاي والمشروبات والآيس كريم، أو توفر مقاعد يجلس عليها اللاجئون لتدخين «النرجيلة» في بعض الأوقات.

قصص اللاجئين

قصة أم محمد لا تختلف عن آلاف من قصص بعض اللاجئين، لا يطيقون الحياة بالمخيمات، ويجدون أنهم لا يستطيعون حماية أبنائهم بها، سواء من الاختلاط أو الامراض أو غيره، الكثير من الأسر السورية تعتبر محافظة، وهي مستعدة لتكبد خسائر فادحة فقط لضمان الخصوصية لها ولأبنائها، وكانت أم محمد المهجرة من مدينة حمص وأم لستة أبناء، واحدة من تلك الامهات، لم تمكث في الزعتري سوى 12 يوما، وتقطن حاليا في أحد الاحياء، وهي واحدة من الأسر الـ 32 ألفا التي حصلت على مساعدة خارج المخيمات.

تنقلت أم محمد خلال السنوات الأربع التي قضتها بالأردن في أكثر من 9 منازل، كلها تعاني سوء الخدمات الصحية أو تسرب المياه من الاسقف وغيره، ضحى ابنها البكر (محمد) البالغ 16 سنة بفرصته في التعليم ليصرف على أمه وإخوته، إيجار منزله المكون من غرفتين يبلغ 180 دينارا، ويعمل في تنظيف السيارات لمن يرغب، يعانون كحال اللاجئين جميعا من شح النقود وغلاء المعيشة في الأردن.

«زين» ترصد معاناة اللاجئين واحتياجاتهم

قالت الرئيسة التنفيذية لشركة زين، إيمان الروضان، إنه «بسبب توسع منطقة الخطر وزيادة عدد اللاجئين ارتأت (زين) أن تتحمل جزءا من المسؤولية الاجتماعية والشراكة الاستراتيجية عن طريق دعم العمل التطوعي من خلال جهة عريقة، وهي المفوضية السامية للأمم المتحدة بسبب خبرتها العريقة في هذا المجال».

وتابعت الروضان: «بناء على الاتفاقية توجهت (زين) بمعية المفوضية لمخيم الزعتري لرصد معاناة واحتياجات اللاجئين داخل المخيم، ومن قرر ان يسكن خارجه ولكنه مسجل لدى المفوضية للحصول على المساعدات».

وأكدت أن هذه الزيارة تأتي تزامنا مع الاحتفالات الوطنية للكويت ومرور 11 عاما على تولي امير البلاد وقائد الانسانية الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم، مشيرة إلى ان ذلك تعبير بسيط من شركة زين على وقوفها مع اللاجئين ورغبتها في رصد معاناتهم لتقدم المشاريع التي بإمكانها ان تساعد اللاجئين لاسيما الاهتمام بالتعليم.

وأشارت إلى ولوج القطاع الخاص إلى العمل الانساني، لاسيما مع مأساة العصر وهي قضية اللاجئين، فتلك فضيلة أتمنى أن تحذو باقي الشركات حذوها.

وكانت شركة الاتصالات المتنقلة «زين» وقعت مذكرة تفاهم مع رئيسة مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الكويت د. حنان حمدان تهدف إلى دعم قضايا اللاجئين وتحسين أوضاعهم، وكان ذلك في أبريل 2016.

شكراً للأيادي البيضاء الممتدة للأشقاء

في مبادرة جميلة شجعت إدارة المخيم على مشروع تزيين الكرافانات بأعمال فنية، من خلال رسم بعض الرسومات المبهجة عليها، أضافت بهجة على تلك الحياة القاسية في المخيمات، تلك المشاريع الصغيرة ممكن أن تساعد في تخفيف مأساة اللجوء، فالفن صديق السلام، ويضفي جمالا يبهج الروح... الشكر دوما لأولئك العاملين في الميدان بصمت، ويستمعون لشكاوى اللاجئين والاطفال ونحن لا نعلم كيف هي حالتهم النفسية، شكرا لجميع المبادرات الانسانية والفنية التي تسعى للتخفيف من معاناة هذا الآخر بدون سابق معرفة.

والشكر الكبير لكل من خصص جزءا من وقته ومجهوده وماله لمساعدة الآخر المنكوب والمهجر والفقير، فلولا تلك القلوب الرحيمة لما تم انشاء تلك المخيمات، وما كنا سنعرف مصير هؤلاء اللاجئين، شكرا للأيادي البيضاء التي لم تتوقف عن التبرع منذ بدء الازمة السورية.

أعضاء وفد الرحلة

ضم وفد شركة زين الكويت كلاً من: الرئيسة التنفيذية إيمان الروضان، والمدير التنفيذي للعلاقات والاتصالات وليد الخشتي، ومديرة الاستدامة هيا المانع، واختصاصي الإعلام الاجتماعي فيصل الراجحي.

في حين ضم فريق مفوضية اللاجئين: رئيسة مكتب المفوضية في الكويت د. حنان حمدان، ومساعدة العلاقات الخارجية لولوة التركيت، والزميل مدير تحرير جريدة الأنباء محمد الحسيني.

البعض لا يطيقون الحياة في مخيم ولا يستطيعون حماية أبنائهم من الاختلاط والأمراض

استبدال الخيم بالكرافانات نقلة توفر الحد الأدنى من الخصوصية وقليلاً من الدفء

قطع التيار الكهربائي في الزعتري من الساعة الواحدة فجراً حتى السادسة مساء

حب الطعام «الزاكي» والاستمتاع بالطهي من المتع القليلة المتبقية للاجئين
back to top