«داعش» والإعلام... كيفية صناعة الوحش (2)

نشر في 02-02-2017
آخر تحديث 02-02-2017 | 00:13
 عبداللطيف المناوي يعتمد "داعش" أسلوبا علميا في التفكير وفِي التعامل مع الميديا بشكل عام، حيث يمتلك استراتيجية واضحة يعتمد فيها على الأدوات الإعلامية في نشرها والترويج لها، ومن ذلك نشر آلاف الصور ومقاطع فيديوهات لتحقيق عدة غايات تتمثل في:

1- استعراض القوة: فمن السذاجة اختزال ما يقوم به "داعش" من ذبح وحرق على أنه مجرد تصرف عشوائي وهمجي، ولكنه يأتي في إطار استراتيجية صناعة صورة ذهنية للترويج لنفسه إعلاميّاً، وتجنيد مقاتلين، وهنا هو يقدم رسالتين: الأولى جاذبية القوة التي تقوم على إرسال رسالة للجماهير بأنه قوي وشرس وقادر على الإيذاء وتحقيق الانتصارات، والثانية جاذبية الانتقام التي تقوم على مبدأ الثأر من العدو، وهو ما يُسهّل عملية التجنيد والتعبئة.

2- توظيف جاذبية الخلافة: وهي الفكرة الأساسية لدى كل التنظيمات الإسلامية، هذه الفكرة "المثالية" كانت محور تركيز استراتيجية "داعش" الإرهابي كرابطة عاطفية ودينية وتاريخية تمكنها من كسب تعاطف الشباب وتجنيدهم.

3- جذب الاهتمام: حيث يسعى نشطاء التنظيم إلى وضع أخبار "داعش" على الأجندة الإعلامية الدولية من أجل أن تحصل على مزيدٍ من الاهتمام والانتباه والترويج، وتصبح دائماً في قلب الحدث، وتحت بؤرة الاهتمام.

4- ترويج "الجهاد السياحي": فالترويج للجهاد لم يعد يركز على المفهوم الكلاسيكي (التقشف والزهد) الذي كان يركز عليه الجيل الأول من مقاتلي "القاعدة" الذين كانوا يعيشون في كهوف جبال "تورا بورا"، في صورة زاهدة، بل صار تنظيم "داعش" يركز على غنائم الحرب، حيث يقتني مقاتلوه المركبات والسيارات الفخمة، ويتزوجون من المعتقلات والسبايا قسراً، كما حدث في العراق مع الإيزيديات والمسيحيات.

5- صناعة البطل: حيث سعى تنظيم "داعش" إلى خلق نموذج للبطل من وجهة نظره كما فعل مع من عرف باسم "الجهادي جون" وهو محمد جاسم اموازي (بريطاني الجنسية كويتي الأصل)، واشتُهر جون بحمل سكين لنحر الرهينة أمام الكاميرا وفصل رأسه عن جسده، كما قام التنظيم بنشر فيديو لشخص ذي بنية جسمانية قوية يحمل سلاحاً، وأطلق عليه "ملاك الموت... رامبو العراق"، في مشهد هوليوودي يستقطب جموح الشباب المتأثرين بالأفلام الأميركية التي تميل إلى العنف والقوة.

كما أصدر "داعش" سلسلة من الأفلام الأشبه بالوثائقية، تصوّر عمليات للتنظيم أُطلق عليها سلسلة "صليل السيوف"، كما أنتج "داعش" لعبة إلكترونية قتالية تحاكي استراتيجية التنظيم في عمليات القتال، ومشاهد كرتونية تحاكي عملياته التي صدّرها في فيلمه "صليل الصوارم".

على مستوى آخر، سعى التنظيم إلى مخاطبة حالة الإحباط والكبت لدى الشباب والمراهقين من خلال طرح فيديو يقوم على الادعاء بأن علاج الاكتئاب هو الجهاد، كما اتجه التنظيم إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للإجابة عن كيفية الانضمام للتنظيم، وتحديد أفضل الطرق للوصول إلى المناطق الخاضعة لـ"داعش" دون أن تكتشف السلطات ذلك.

يستعمل "داعش" الإثارة في عرض موضوعاته وإصداراته على المواقع التابعة له، وما إن يدخل شخص إلى مادة إعلامية حتى تظهر مواد جانبية تلفت انتباه المتصفح، ولهذا فإنها تجتذب فئة الشباب والمراهقين لأنهم يمتلكون وقتا طويلا في التصفح من دون ملل.

إذا كنا قد قلنا إن أكثر من 50% من قوة "داعش" سببها الإعلام، وإن الجانب الأقوى في التنظيم بموازاة الجسم العسكري هو الإعلام، فإن التنظيم الإرهابي أدرك ذلك عبر صناعة إعلامه الخاص، واستغلاله وسائل التواصل الاجتماعي، وفي استعراض بسيط للأساليب الإعلامية التي يمارسها "داعش"، يتبين لنا أننا أمام تنظيم يمتلك قدرات دعائية تستند إلى العلم والخبرة، وعلى آخر نظريات علم نفس الإعلام التي تدرس حديثا في معاهد في دول متقدمة.

إذا كان يمكننا الآن أن نعود إلى اللحظة التي بدأت فيها قناة الجزيرة بث رسائل أسامة بن لادن، في أكبر خدمة إعلامية يمكن أن تقدمها قناة فضائية لتنظيم إرهابي، فإن تنظيم "داعش" استطاع تجاوز ذلك، من خلال صناعة إعلامه الخاص، وإعلامه المعادي الخاص أيضا، الذي يستطيع من خلاله بث كل ما يريد أن يقول، وأن يستقطب من خلاله المتابعين والجهاديين.

من يمتلك خططاً علمية واستراتيجية واضحة ويحسن استغلال أدواته ينجح في تحقيق أهدافه، حتى لو كان من القتلة والإرهابيين.

back to top