الأديبة اللبنانية مريم مشتاوي: مجتمعنا ذكوري يحدّ من طموحات المرأة... والترجمة الرديئة كارثة

نشر في 31-01-2017
آخر تحديث 31-01-2017 | 00:04
تكتب الأديبة مريم مشتاوي لترحل وفي رحيلها تعيش حالة من النشوة الروحية... هكذا تصف علاقتها بالكتابة، مشيرة إلى أنها تمنحها عمراً آخر كأنها تعيش زمنين مختلفين في الوقت نفسه. وتضيف في حوارها مع «الجريدة» أن المبدعة العربية تفتقر إلى الحرية التي هي أساس التطور الإنساني والثقافي، وترى أن مجتمعنا ذكوري بامتياز يحد من طموحات المرأة. ورغم الحرية التي وصلت إليها بعد صراعات طويلة الأمد، ما زالت حريتها غير مكتملة. إلى نص الحوار.
في روايتك «ياقوت» التي صدرت أخيراً ترين الواقع العربي بعين المثقف. ما مدى مسؤوليته عن هذا الواقع وما دوره؟

طالما أدى المثقف دوراً تنويرياً منذ الثورة الفرنسية، فلولا فولتير وديدرو وروسو لما قامت هذه الثورة التي استلهمت أفكارهم في الحرية والعدالة والمساواة. وفي عصرنا، ومنذ بداية القرن العشرين، كان للمثقف دوره البارز في الحركات الثورية التي ناهضت القمع والاستبداد والكولونالية، ودعت إلى حرية التعبير وحقوق الإنسان، أي إنسان، مهما كان دينه وجنسه ولونه. ازدهرت حركة ثقافية كبيرة على المستوى العالمي بالتوازي مع صعود الاتجاهات الثورية، وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، وفي منتصف القرن الماضي عرفنا مثقفين وقفوا ككتاب وأشخاص ضد الصعود النازي والفاشي، ودفعوا ثمناً باهظاً نتيجة لمواقفهم، سجناً وقتلاً ومنفى. ولكن نلاحظ اليوم للأسف أن دور المثقف في مجتمعه تراجع إلى حد كبير لأسباب عدة، من بينها تراجع الحركة الثورية التي ارتبط بها المثقف، خصوصاً في الخمسينيات والستينيات، بسبب طبيعة العصر الذي نعيشه، كذلك بسبب القمع والاضطهاد السياسي والفكري، لا سيما في منطقتنا العربية.

أمام شعوري بالعجز وأنا أعيش الحوادث في واقعنا العربي وموت الأطفال في البحار، وقضية اللاجئين السوريين ومآسيهم، وجدت نفسي ملزمة ككاتبة أن أتحرك فلجأت إلى ما أستطيع، الكتابة، شعوراً بمسؤوليتي.

دواوين وأزمة

صدرت لك أعمال شعرية عدة من بينها: «حبيب لم يكن يوماً حبيبي»، «ذكريات في حلم»، «ممر وردي بين الحب والموت»، «هالوين الفراق الأبدي» وديوان «حين تبكي مريم». حدثينا عنها.

كتبت «حبيب لم يكن يوماً حبيبي» وأنا تلميذة في المدرسة الثانوية، و«ذكريات في حلم» وأنا طالبة في الجامعة الأميركية في بيروت. كانت القصيدة في البدايات محجوزة تدور حول الأنا، ثم شهدت ولادة ديوانيّ «ممر وردي بين الحب والموت» و«هالوين الفراق الأدبي» في مرحلة لاحقة وهي الأصعب في حياتي. كتبتهما وأنا قابعة في المستشفى بجانب ابني الصغير الذي كان يواجه الموت. عانيت تجربة المرض والسكن في غرفة صغيرة في مستشفى «غريت أورمند ستريت»، وأدى تأجج المشاعر إلى تدفق نثري أكثر منه شعري بسبب الحالة النفسية المتأزمة التي كانت تسيطر عليّ، فلم أستطع في «مِمر وردي بين الحب والموت» و«هالوين الفراق الأبدي» أن أتحكم بزمام اللحظة وأعبر عن الحالة بعيداً عن الانفعالات المفرطة… ولكن بعد رحيل ابني نضج الألم فجاء ما يسمى بالتكثيف الشعري في ديوان «حين تبكي مريم».

يقول روزنتال: «إنّ الحياة التي تخلو من الشعر لهي حياة غير جديرة أن تعاش» كيف تعيشين في لحظات اللاشعر؟

لأرحل... وفي رحلاتي أنتشي... الكتابة تساعدني على أن أعيش حالة من النشوة الروحية، فأنا أميل بطبيعتي إلى كل ما هو روحي لأني أشعر بأنني به أرتفع فوق المادي... وينعكس ذلك في مجموعتي الأخيرة كما أعتقد. والكتابة عموماً تمنحني عمراً آخر وزمناً مختلفاً عن الزمن الواقعي، وكأني أعيش زمنين مختلفين في الوقت نفسه: حياتي الطبيعية حين أكون مع أسرتي وأصدقائي أو في عملي، وحياة أخرى أعيشها في كتاباتي.

هل يجوز القول إن الشعر يعيش اليوم أزمة حقيقية؟

الشعر اليوم في غرفة الطوارئ يعاني تفشي مرض يدعى «ظلم قصيدة النص المفتوح والتعدي عليها»، فثمة استسهال كبير في الكتابة إذ يرى البعض أن الشعر هو مجرد تقطيع الأسطر إلى أبيات، ذلك في ظل غياب أية مرجعية ثقافية وانحسار دور النقد الذي يغربل الأعمال الصالحة والطالحة. عموماً، القصيدة ليست بقصيدة إن غابت عنها الموسيقى الداخلية والإحساس بالكلمة والصدق الفني وتكثيف المعاني.

هل ثمة مناطق محظورة في شعرك وكتاباتك؟

تحمل القصيدة صوت صاحبها وصمته. قصائدي مسكونة بالماضي الذي يشاكس حاضري وميزانها قلبي. ولكن تركيبتي الشرقية وتربيتي تفرضان تابوهات معينة، وثمة خط أحمر لا أستطيع بالفطرة تجاوزه.

ترجمة وجوائز والمرأة

هل أثرت الترجمات الشعرية السيئة في الوعي الأدبي العام لدينا؟

الترجمة الرديئة كارثة أدبية تهين تراث الآخرين وتسيء إلى الكاتب الأصلي. وأكبر أذى يقع على القراء المبتدئين الذين ربما تتعرّض ذائقتهم الأدبية الليّنة للتلوث والتشويه، بسبب عدم قدرتهم على التمييز بين الترجمتين الجيدة والرديئة، لأن ظاهرة الترجمات السيئة سائدة في ثقافتنا العربية في ظل غياب الحركة النقدية القوية التي كانت لتقف لها بالمرصاد وتغربل الجيد من الرديء وتنصف المبدع الحقيقي وتكشف الزائف. ويمكن لمتابعي الحركة النقدية أن يلاحظوا بيسر أن عدد النقاد الجادين لا يتجاوز أصابع اليد في كل اختصاص أدبي.

ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي؟

تكرم الجوائز العربية الكتّاب وتعطيهم دفعة من الحماسة لكتابة المزيد، وطبعاً بحالة الفوز تمنح الكاتب شهرة واسعة محلياً وعالمياً من خلال ترجمة عمله إلى لغات عدة. ولكن لا يمكن القطع بأنها دليل على أهمية المنتج الأدبي، بل يتوقف الأمر على كفاءة اللجنة الحاكمة.

باعتقادك ما الذي تفتقد إليه المبدعة وينقصها في مجتمعاتنا؟

تفتقد المبدعة إلى الحرية التي هي أساس التطور الإنساني والثقافي. الحرية وحدها تمنح جناحي طير... فمجتمعنا ذكوري بامتياز يحد من طموحات المرأة. ورغم الحرية التي وصلت إليها بعد صراعات طويلة الأمد ما زالت حرية غير مكتملة.

«الممر الوردي»

يحلّ اسم اللبنانية مريم مشتاوي ضمن قائمة أفضل تجارب ناجحة للنساء العربيات اللواتي ذهبن إلى بريطانيا لبدء حياة جديدة، ذلك وفق تقارير صحافية وإعلامية عدة. مريم مشتاوي شاعرة وكاتبة روائية وأستاذة لغة عربية في SOAS، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن منذ أكثر من عشر سنوات، تكتب الشعر والرواية والمقالات الصحافية، صدر لها عدد من المجاميع الشعرية من بينها: «حبيب لم يكن يوماً حبيبي»، «ذكريات في حلم»، «ممر وردي بين الحب والموت»، «هالوين الفراق الأبدي» وديوان «حين تبكي مريم»، ولها روايتان عن دار المؤلف في لبنان الأولى بعنوان «عشق» والثانية «ياقوت».

كتبت مريم عن الكثير من ذكرياتها في الحرب الأهلية اللبنانية والقذائف التي تجنبتها في طفولتها، لكنها لم تكن أشد ما آلمها، ففي بريطانيا، أنجبت ابنها الأول أنطوني لكنه أصيب بالسرطان ومات في عمر الخمس سنوات. أسست صالوناً ثقافياً له طابع خيري في لندن بغية مد الجسور الثقافية والحضارية بين عالمنا العربي والعالم الغربي، وهو معني بمساعدة الأطفال المصابين بمرض السرطان.

الجوائز الأدبية تزيد من حماسة المبدعين

القصيدة تحمل صوت صاحبها وصمته
back to top