أقلام الحبر... أحدث الابتكارات الصينية

نشر في 28-01-2017
آخر تحديث 28-01-2017 | 00:00
من شأن إصلاح أو اغلاق الشركات المملوكة للدولة التي تخسر الأموال أن يجعل الاقتصاد أكثر إنتاجية، كما يضمن تدفق الموارد إلى الشركات المنافسة ذات الأفكار الجيدة، لا تلك التي تملك روابط سياسية، وقد يكون هذا هو العمل الأفضل بالنسبة إلى الصين.
 بلومبرغ • أعلنت الصين في الأسبوع الماضي أنها أتقنت فنون صنع أقلام الحبر، ولكن لا تضحكوا من ذلك؛ فقد كان هذا حصيلة جهود استمرت سنة كاملة وكلفت الملايين من الدولارات كما تطلبت قيادة شركات ضخمة مملوكة للدولة، وكانت أنباء احتلت الصفحات الأولى وجرت مناقشتها عبر برامج الحديث ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن هذا الموضوع.

ولم تكن تلك الخطوة مذهلة من النوع الذي يحدث لمرة واحدة فقط، غير أن الصين تأمل أن يسهم هذا الابتكار الذي تم بتفويض حكومي في انعاش اقتصاد البلاد ويدفعها الى الصفوف الأولى بين الدول المتقدمة على الصعيد التقني، ولسوء الحظ فإن مثل هذه الجهود قد تفضي الى تراجع مستويات عدم الكفاءة والفعالية التي تعوق الاقتصاد.

وفي الحقيقة فإن أقلام الحبر ليست جديدة بالنسبة الى الصين – وشركات تصنيع الأقلام في الصين التي يصل عددها الى 3000 شركة تنتج حوالي 40 مليون من تلك الأقلام سنوياً كما تغطي 80 في المئة من الطلب العالمي على تلك المادة، ولكن توجد مشكلة واحدة تتمثل في أن الصين لا تملك المعادن المتقدمة والآلات الضرورية من أجل صنع تلك الأقلام ذات الجودة العالية – ونتيجة لذلك تقوم باستيراد 90 في المئة من رؤوس الأقلام، ومعروف أن الأقلام المصنوعة من مكونات صينية أدنى درجة من مثيلاتها الى حد كبير، وهو ما جاء في مقابلة تلفزيونية تحدث فيها رئيس الوزراء الصيني لي كيغيانغ في سنة 2015، يومها قال الزعيم الصيني إن "تلك هي المشكلة التي تواجهنا".

وبالنسبة الى رئيس الوزراء وغيره كانت المشكلة أكثر من مجرد انتاج أقلام للتوقيع، وطوال سنوات كانت تلك المشكلة صورة رمزية لاخفاق وفجوات الصناعة في الصين كما عكست النوعية الرديئة والعجز عن الانتقال الى صنع منتجات عالية الجودة، وفي خضم اقتصاد ضعيف بدأت تلك الصورة عن الفشل في اجتذاب الاهتمام في أعلى مستويات الحكومة الصينية.

وفي عام 2011 أطلقت وزارة العلوم والتقنية الصينية مشروعاً أطلقت عليه اسم "بحوث وتطوير وتصنيع المواد الرئيسية لصناعة الأقلام" كما أنها خصصت حوالي 9 ملايين دولار وأوكلت قيادة هذا المشروع إلى مجموعة تيوان للحديد والفولاذ المملوكة للدولة والتي تعرف باسم تيسكو.

الرمز الملائم للتوجه الجديد

كان ذلك رمزاً ملائما تماماً، وطوال عقود من الزمن كان صناع القرار في الصين يفضلون المشاريع المملوكة للدولة ذات الارتباطات السياسية على الرغم من كونها تفتقر الى الكفاءة والانتاجية ولكن ذلك أفضى الى نتائج سيئة بالنسبة الى الاقتصاد الوطني، وخلال النصف الأول من عام 2016 سجل أكثر من نصف المشاريع المملوكة للدولة والتي يقدر عددها بحوالي 150000 خسائر فصلية، على الرغم من أن تلك المشاريع تشكل حوالي ربع الدخل الصناعي في ذلك البلد، وقد تعزز ذلك القطاع في عهد الرئيس الصيني زي جنبينغ وأصبح دوره في الاصلاح الاقتصادي أكثر مركزية وأهمية.

وهنا تبدأ المشاكل بشكل حقيقي، وحتى اذا أرادت شركة خاصة الاستثمار في انتاج رؤوس أقلام عالية الجودة في الصين فإن مشاعر القلق تتمحور حول الخوف من تعرض التقنية الجديدة الى السرقة وهو ما يدفع تلك الشركة الى العزوف عن العملية، وبالنسبة الى مصنعي الأقلام كان ذلك يعني أن من الأسهل – والأكثر ربحية – الاستمرار في انتاج أقلام ذات نوعية أقل جودة. وبدلاً من القيام بالعملية الصعبة المتمثلة في اصلاح الملكية الفكرية أصدرت حكومة بكين تفويضاً يتعلق بالابتكار والاستثمار في شركات مملوكة للدولة تفكر في الجوانب السياسية أولاً ثم في الأرباح في ما بعد – هذا اذا استطاعت تحقيق أي ربحية في الأساس.

وتشكل "تيسكو" مثلاً جيداً في هذا الشأن، ولم تكن هناك حاجة لتلك الشركة لإنتاج رؤوس أقلام ضمن هذه المعطيات، وفي سنة 2015 خصصت أكثر من 10 ملايين طن من الفولاذ فيما كان اجمالي الطلب السنوي الصيني على الفولاذ الذي لا يصدأ لصنع الأقلام حوالي 1000 طن.

وفي مقابلة تلفزيونية أجريت في الآونة الأخيرة أقر مسؤول في جمعية الأقلام الصينية التي تدعم هذا المشروع بذلك في اشارته الى تيسكو قائلاً "إن الانتاج ليس رخيصا ً تماماً"، وقد احتاج المشروع الى نصف عقد من الزمن من عمليات البحث والتطوير المكلفة، وقد لا يتمكن من تحقيق أرباح خلال العديد من السنوات المقبلة.

ولعل ما هو أسوأ من ذلك أن تلك الأرباح قد تتحقق على حساب صناعة الأقلام التي كان يفترض أن يقدم المشروع مساعدة لها، وفي نوفمبر الماضي تم السماح لشركة "تيسكو" بكتابة المقياس الجديد لصناعة رؤوس الأقلام – وكان التأثير المباشر لذلك هو ارغام كل المصنعين الآخرين على التقيد بالمواصفات التقنية التي وضعتها تسيكو، وإلا فإنها سوف تعتبر مخالفة وقد تتعرض لاغلاق مصانعها، وفي الأجل الطويل قد يفضي مقياس تيسكو الى احتكار الأمر الواقع المحلي لرؤوس الأقلام وتحل بذلك محل الاحتكار الأجنبي الذي كانت الصين تحاول التخلص منه.

وقد يرضي ذلك البعض من صناع القرار ولكنه يشكل نموذجاً سيئاً ازاء تحقيق الابتكار في الصين وامكانية التصنيع في ذلك البلد، والمسار الأفضل هو تعزيز اجراءات حماية الملكية الفكرية بحيث تصبح المشاريع الخاصة واثقة من أن ابتكاراتها سوف تكون مصونة، وفي غضون ذلك، فإن اصلاح أو اغلاق الشركات المملوكة للدولة التي تخسر الأموال سوف يجعل الاقتصاد أكثر انتاجية كما يضمن تدفق الموارد الى الشركات المنافسة ذات الأفكار الجيدة وليس تلك ذات الروابط السياسية، وبالنسبة الى الصين قد يكون هذا هو الابتكار الأفضل والأكثر أهمية على الاطلاق.

* آدم منتر | Adam Minter

طوال عقود كان صناع القرار في الصين يفضلون المشاريع المملوكة للدولة ذات الارتباطات السياسية رغم افتقارها إلى الكفاءة والإنتاجية وهو ما أفضى إلى نتائج سيئة

عدد شركات تصنيع الأقلام في الصين يصل إلى 3000 تنتج سنوياً حوالي 40 مليون قلم وتغطي 80% من الطلب العالمي على تلك الأقلام
back to top