الظواهر السلبية والحداثة

نشر في 22-01-2017
آخر تحديث 22-01-2017 | 00:11
 منصور مبارك المطيري تثبت الوقائع أن أي مجتمع ينظر إلى نفسه على أنه مجتمع عادل ومتسامح يتعين عليه أن يوفر الضمانات الكافية من أجل حماية حرية التعبير والسهر عليها، ومن نافل القول أن مطلباً كهذا لا تختزله فكرة إلغاء الرقابة على حرية التعبير، بل أبعد من ذلك، يتطلب أن تطلق أيدي الأفراد والجماعات في امتلاك الوسائل الفعالة والمؤثرة للتعبير عن وجهات نظرهم وبسطها أمام أبناء جلدتهم.

ولمن هم مصابون برهاب الفوضى، فإن هناك سبلاً متعددة للظفر بمطلب كهذا، فعلى سبيل المثال، من الضروري الاتفاق على تعريف مشترك لمفهوم الحوار العام، وفي الوقت عينه الوصول إلى إجماع شامل في عدم حصر حرية التعبير في طريقة دون غيرها من الطرائق، وعدم التقيد بالزعم القائل إن وسيلة التعبير المسموح بها والتي تتمتع بالحماية هي نفسها في كل مكان.

وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية، لكونه يميط اللثام عن الحبل السري الذي يشد التسامح وحرية التعبير عن الرأي إلى بعضهما، وبداية فإن التسامح في جوهره ينطوي على فكرة قبول أولئك الذين يختلفون عنّا على أنهم متساوون معنا، والحال أن هذه الركيزة الأساسية للمجتمعات الديمقراطية الحديثة، كما أنها الفكرة الأكثر بروزا في ميدان الحقوق المدنية، وفكرة المساواة في معناها العريض تعني الانتفاع العادل من الحقوق القانونية والسياسية الأساسية.

ولقد أعطتنا هذه الفكرة الفريدة دليلا واضحا إلى السير في طريق الحداثة، ففي قلب التسامح والمساواة كممارسة إنسانية يستوي أفراد المجتمع في حقهم بصياغة قرارات مهمة من طراز تحديد شكل مجتمعنا، ولهم كذلك حقوق متساوية في المشاركة في تحديد ما سيكون عليه في المستقبل.

وقد تثير هذه الفكرة الانقسام لأنها تمتد إلى أفراد يختلف بعضهم عن بعض فكرياً، وهو الأمر الذي يحدو ببعض الأشخاص إلى النفور من فكرتي التسامح والمساواة مجتمعتين، وأحيانا القول بأنهما معا تتحولان إلى أمر غامض لا يمكن تقبله. وهذا القول فيه شيء من الوجاهة، طالما أنه من الصعب على المرء أن يتفق مع أولئك الذين يختلفون عنّه أو يخالفونه الرأي، والذين سيعملون على تحويل المجتمع إلى شيء آخر يختلف عن الشكل الذي يبتغيه.

وغموض هذه الفكرة وجد تجليه الباهر في عبارة "الظواهر السلبية" التي لفتت الانتباه لبرهة لكنها لم تأخذ حقها من النقاش المجتمعي، فعبارة غامضة كهذه تستحق أن توضع على منضدة التحليل والتفنيد؛ لأنها ستحدد احتذاءنا درب الحداثة من عدمه.

back to top