الرئيس الذي «يُتَوّت»

نشر في 22-01-2017
آخر تحديث 22-01-2017 | 00:12
 ياسر عبد العزيز باتت الولايات المتحدة الأميركية في حوزة دونالد ترامب اعتباراً من أول أمس الجمعة؛ وهو، كما أصبحنا نعرف جميعاً، أكثر الرؤساء الأميركيين إثارة للجدل عبر التاريخ، وإضافة إلى ذلك أيضاً سيكون ترامب أكثر نظرائه اعتماداً على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في بث تصريحاته وإعلان مواقفه.

يوم الأربعاء الماضي، قال ترامب لـ"فوكس نيوز": "لا أحب (السوشيال ميديا)، لكنني أستخدمها للدفاع عن نفسي، وربما أتوقف عن استخدامها لو عاملتني وسائل الإعلام التقليدية باحترام، وأصبحت أكثر صدقاً مما هي عليه الآن". خلال الشهور الماضية لم يتوقف ترامب عن استخدام "تويتر" يوماً واحداً، وربما يكون "التتويت" (التغريد عبر "تويتر") هو أول ما يفعله هذا الرجل عند استيقاظه في صباح كل يوم، حتى إن الجمهور الأميركي والعالمي بات يعرف أن أفضل طريقة لمتابعة ما يصدر عن الرئيس العتيد ليست سوى باستعراض حسابه على الموقع الشهير.

منذ انتخابه في شهر نوفمبر الماضي، رصد الباحثون تغريدات لترامب وجهت إساءات مباشرة لأكثر من 110 شخصيات سياسية وعامة، حتى إن هؤلاء الباحثين اعتبروا أن تغريدات الرجل ليست سوى "مدفعيته الثقيلة"، التي يخوض بها نزاعاته الكلامية الدائمة، إلى الحد الذي دعا القائمين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إعلان استيائهم من المحتوى الذي يبثه، باعتبار أن بعضه "ينتهك حقوق الإنسان ومعايير الاستخدام المعلنة" لتلك المنصات. "تويبلوماسي" Twiplomacy هو المصطلح الذي أطلقته شركة "بيرسون مارسيتلر" الأميركية للعلاقات العامة على أنشطة السياسيين والدبلوماسيين على موقع التغريدات الشهير "تويتر"، بعدما رصدت تغريدات 264 من الرؤساء والدبلوماسيين والقادة في 125 دولة، من بينها 21 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ووجدت أن ثلثي هؤلاء القادة يعتمدون على "تويتر" بشكل أساسي في التواصل مع العالم والجمهور.

تفيد دراسة نشرتها مؤسسة "ديجتال بوليسي كاونسل" أن 123 رئيس دولة أو حكومة باتوا يستخدمون موقعي "تويتر" و"فيسبوك" بانتظام، وأن معظم هؤلاء يبثون رسائل سياسية وأخباراً عبر حساباتهم، من بينها قرارات التشكيلات الحكومية، أو حتى إعلانات الاستقالة.

مع الارتفاع المطرد في عدد مستخدمي "الإنترنت" في العالم، والزيادة المتسارعة في مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الشهيرة، تتكرس الوظيفة الإخبارية لتلك الوسائط، وتصبح مصدراً رئيساً لاعتماد الجمهور ووسيلة لمتابعة الأحداث والمشاركة في صياغتها والتعليق عليها. ليس هناك دليل على تصاعد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في السياسة والمجتمع أكثر من أن "تويتر" أصبح وسيلة يختارها قادة وحُكام لإعلان قراراتهم السيادية، وأن "فيسبوك" بات ميداناً لتوجيه الرسائل الحيوية وبث الصور والفيديوهات المهمة من وزراء ومسؤولين ومثقفين ورجال أعمال.

لقد أعطت مواقع التواصل الاجتماعي بعداً جديداً لممارسة السياسة، وبسبب سماتها التفاعلية وفوريتها ونفاذها وتأثيرها الكبير، بات المسؤولون حريصين على التواصل من خلالها مع الجمهور، من أجل تعزيز صورتهم الذهنية، وتوطيد مكانتهم السياسية.

ترى مراكز بحوث معتبرة حول العالم أن هذا الاتجاه يتصاعد، وأنه ربما تكون التغريدات عبر "تويتر" هي الطريقة المثلى لأي حكومة أو قائد سياسي للحديث إلى الجمهور عوضاً عن الوسائل التقليدية.

تقول شركة "إكسنتشر" المتخصصة في مجالات التواصل العمومية، في بحث بعنوان "نبض المواطن الرقمي" Digital Citizen Pulse، إن وسائل التواصل الاجتماعي "أعادت تشكيل آليات التواصل الحكومي"، وإن 51% من المستطلعة آراؤهم في استطلاع عالمي أجرته في هذا الصدد، وجدوا أن "حضور القادة والحكومات على الساحة الرقمية يشجعهم على التفاعل والتواصل معهم". يمثل ذلك صعوداً لافتاً لدور مواقع التواصل الاجتماعي، واختراقاً بالغ الأثر لأساليب التواصل الحكومية والسياسية ستكون له آثار كبيرة على الوسائط التقليدية من جانب، وعلى أشكال التواصل السياسي من جانب آخر. ثمة مئات الأدلة على زيادة درجة الاعتماد على تلك الوسائط في بث الرسائل السياسية، وربما لم يعد هناك شك في أهميتها ونفاذها وضرورة الاهتمام بها والتفاعل معها.

يدرك قادة المعارضة ونشطاؤها ذلك أيضاً، ويخصصون أوقاتاً طويلة للتفاعل عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ويحرص كل معارض أو ناشط منهم على قياس شعبيته ومعاينة تأثيره من خلال عدد المتابعين له أو عدد علامات الإعجاب التي يحصل عليها أحد تصريحاته أو "فيديوهاته" أو تغريداته. لدينا إذاً تطور تقني واتصالي جديد، يتميز بميزات نادرة وأخاذة، ويعطي أثراً فورياً واسعاً، ويزيد من رقعة المشاركة السياسية، ويضمن التفاعلية وتبادل الآراء، ويتيح ساحة للنقاش العام، بشكل يعزز أهداف الديمقراطية ويتسم بالشفافية والانفتاح.

لدينا أيضاً وسيلة سريعة للغاية يمكن من خلالها لأي مسؤول أو سياسي أو معارض أو ناشط أو متابع أو مهتم أن يعلق فوراً على الأحداث، أو يطرح مبادرات جديدة، أو يرد على مقولة، أو يقيّم موقفاً، أو ينتقد سياسة، أو يعارض مسؤولاً.

فما المشكلة إذاً؟ ليت المشكلة تتلخص في بعض السخافات التي تُبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أشخاص غير ناضجين أو مؤدلجين متعصبين أو مسخرين للنيل من قوى ورموز سياسية لمصلحة قوى أخرى، وليتها تنحصر في كون تلك المواقع لا تتيح المشاركة في ساحاتها إلا لأولئك الذين يستخدمونها، والذين يجب بالضرورة أن يكونوا متعلمين، ويمتلكون صلة مدفوعة إلى "الإنترنت".

المشكلة أكبر من ذلك للأسف؛ فيبدو أن قواعد استخدام "تويتر" مثلاً، والتي تجعل مساحة "التويتة" (أي التغريدة) لا تزيد على 140 حرفاً، والأدوات الثانوية التي ينطوي عليها مثل إمكانية "الهشتقة"، باتت تؤثر في الطريقة التي يمارس بها السياسيون أدوارهم، ويبدو أن هذا التأثير له جوانب سلبية للغاية.

من بين الجوانب السلبية لزيادة درجة الاعتماد على "التتويت" في التواصل الحكومي والسياسي أن ذلك الاعتماد سيغذي الميل إلى الحدة، والاجتزاء، والنزع من السياق، والبحث عن التأثير الفوري، والميل إلى الهجوم والاستهداف.

وربما يكون ترامب، الذي استهل سنوات ولايته الأولى قبل يومين، مثالاً عريضاً وملهماً لما يمكن أن يحصل عليه الجمهور والشؤون العامة من رئيس يحب دائماً أن "يُتَوّت".

* كاتب مصري

back to top