فجر زائف يترقبه اقتصاد الولايات المتحدة

نشر في 21-01-2017
آخر تحديث 21-01-2017 | 00:00
في حين تسهم معدلات الفائدة الأعلى في تحسين مستقبل الأرباح من خلال إعادة الاستثمار بمعدلات فائدة أعلى، فإن البنوك تواجه في الأجل القصير خسائر كبيرة في ظل الموجودات الحالية، وقد أفضت زيادة ما بعد فوز ترامب إلى خسائر فادحة حوّلت أكثر من 30 مليار دولار أرباحاً إلى خسائر وصلت إلى 14 ملياراً في الموجودات من السندات.
 بلومبرغ • تتوقع الأسواق أشياء كبيرة من رئاسة دونالد ترامب، وعلى الأقل في ما يتعلق بمعدلات الفائدة الطويلة الأجل في الولايات المتحدة، وبعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة التي جرت في نوفمبر الماضي ارتفعت معدلات الفائدة لعشر سنوات و ثلاثين سنة فوق 2.6 في المئة و3 في المئة على التوالي – أي زيادة بنسبة تقارب 75 نقطة أساس، كما ارتفعت معدلات الفائدة في الأسواق الناشئة بنسب مماثلة (وكانت الزيادة في أوروبا واليابان معتدلة بقدر أكبر، ويرجع ذلك بشكل رئيسي الى استمرار عمليات الشراء النشيطة من قبل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان). وبينما تراجعت معدلات الفائدة بشكل ما فقد ظلت فوق مستويات المعدلات المتدنية التي شهدها عام 2016.

ويتعين أن تكون هذه أنباء جيدة، ويرجع ذلك الى كون معدلات الفائدة الأعلى تشير الى أن المستثمرين يرون في ذلك نمواً أقوى ودرجة من التضخم السليم الصحي بسبب التشدد في سوق العمل وضغوط الأجور وارتفاع أسعار السلع – وخاصة النفط في الفترة المقبلة، وعلى أي حال فإن المشكلة تكمن في أن تلك المعدلات المرتفعة قد تقوض أي درجة من التعافي قبل أن يتحقق.

ومن الواضح بقدر أكبر أن معدلات الفائدة الأعلى تمثل مشكلة بالنسبة الى حملة السندات، ويرجع ذلك الى أن زيادة بنسبة 1 في المئة في معدلات الفائدة - على صعيد عالمي – سوف تفضي الى خسائر بين الأسواق في السندات تصل الى ما بين تريليوني دولار الى 3 تريليونات. كما أن مثل تلك الزيادة سوف تلحق الضرر بالمقترضين وتتطلب بالتالي زيادة بنسبة 2.5 في المئة في الدخل من أجل تلبية التزامات الديون الحالية.

آمال الإنفاق الأوسع

تتوقف آمال الانفاق الواسع النطاق على عمليات البنية التحتية التي يمكن تنفيذها أيضاً، وبمرور الوقت سوف تفضي الزيادة البالغة 1 في المئة في معدلات الفائدة في الأجل الطويل الى زيادة في فواتير تبلغ 20 تريليون دولار من ديون الحكومة الأميركية الى ما يصل الى 200 مليار دولار. ويبلغ ذلك حوالي نصف العجز المتوقع في الوقت الراهن بالنسبة الى الميزانية الفدرالية في سنة 2017 البالغ 441 مليار دولار، ومن هذا المنطلق فإن توفير المال اللازم من أجل تشييد الطرقات والجسور سوف يصبح أكثر تكلفة وصعوبة.

وينسحب ذلك على التحدي المتمثل في اعادة احياء عملية التصنيع في الولايات المتحدة – وهو الوعد الذي قطعه دونالد ترامب وكان السبب الرئيسي وراء فوزه في انتخابات الرئاسة، وتجدر الاشارة الى أن قيمة الدولار قد ارتفعت منذ تلك الانتخابات بحوالي 6 في المئة مقابل اليورو و 12 في المئة مقابل الين الياباني، ثم إن الدولار الأقوى يلحق الضرر بتنافسية شريحة المصدرين في الولايات المتحدة كما يرفع تكلفة اعادة التصنيع من الخارج. والزيادة التي تصل الى 10 في المئة من قيمة الدولار ترفع العجز التجاري الأميركي بما يصل الى حوالي 1 في المئة ويخفض النمو بما يراوح بين 0.2 في المئة و0.5 في المئة.

ولعل الجانب الأكثر خطورة هو أن معدلات الفائدة الأعلى قد تفضي الى زعزعة الاستقرار في الأسواق المالية، وقد ارتفعت أسهم البنوك العالمية بأكثر من 20 في المئة منذ الاعلان عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، كما كسبت أسهم البنوك الأميركية نسبة راوحت بين 40 في المئة الى 70 في المئة، ويعكس ذلك العديد من الأشياء، وفي مقدمتها الأمل في انتهاء الدعاوى ذات الصلة بالتقاضي الكبير حول الخسائر اضافة الى الثقة في أن العوائد على الأسهم قد تحسنت مع توقعات بأن الخطوات التنظيمية سوف تصبح أخف في عهد ادارة دونالد ترامب. وقد أضافت معدلات الفائدة الأعلى دفعة جديدة من التفاؤل ويجادل المحللون في أن البنوك سوف تتمكن عما قريب من زيادة معدلات الاقراض بقدر يفوق معدلات الايداع وهو ما يسهم في تحسين الهوامش.

التنافس بين البنوك

ويتجاهل هذا حالة التنافسية بين البنوك ناهيك عن ضعف الطلب على القروض، وعلى أي حال فإن ذلك يتجاهل أيضاً أنظمة السيولة الجديدة التي تطلب من البنوك تمويل سجلاتها من القروض عبر ايداعات العملاء. وسوف يتعين على البنوك التي تواجه الحاجة الى الحفاظ على مثل تلك الايداعات أن ترفع مستويات الايداع ومعدلات الاقراض وهو ما يؤدي الى تقليص الهوامش.

والبنوك معرضة بقدر يفوق ما قد تتضمنه تقييماتها الزائدة، وتملك هذه البنوك كميات كبيرة من الأسهم الحكومية، وتملك البنوك التجارية وحدها حوالي 2.5 تريليون دولار من سندات الخزينة والأسهم غير المدعومة برهونات عقارية، وبينما قد تسهم معدلات الفائدة الأعلى في تحسين مستقبل الأرباح من خلال اعادة الاستثمار في معدلات فائدة أعلى فإن البنوك تواجه في الأجل القصير خسائر كبيرة في التعاملات بين البنوك بالنسبة الى الموجودات الحالية، وقد أفضت زيادة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأساس الى خسائر فادحة عكست أكثر من 30 مليار دولار من الأرباح الى خسائر كبيرة وصلت الى 14 مليار دولار في الموجودات من السندات.

وسوف تعاني البنوك أيضاً اذا أطلقت معدلات الفائدة الأعلى موجة من تخلف الشركات عن السداد كما أن الزيادة في مديونية الشركات التي يرافقها ارتفاع التأثير وتقلص الفائدة وتغطية الديون يمكن أن تتحول بسهولة الى حالة لا يمكن تدبرها عند معدلات فائدة أعلى.

ديون الأسواق الناشئة

ويدين المقترضون في الأسواق الناشئة بما يقارب ثلث حوالي 10 تريليونات ديوناً غير رسمية خارج الولايات المتحدة ومعظمها بالدولار، وتشير التقديرات الى أن الشركات الصينية قد اقترضت أكثر من تريليون دولار على شكل ديون بالعملة الأجنبية على الرغم من أنها جهدت في محاولة تسديد تلك القروض مع هبوط قيمة اليوان.

وسوف تشكل معدلات الفائدة الأميركية الأعلى ضغطاً على كل اولئك المقترضين كما أن الدولار الأقوى سوف يفاقم هذه المشكلة الى حد تصبح الديون معه غير مغطاة بعوائد الدولار، ومع ضعف العملات المحلية سيتعين على المقترضين في الأسواق الناشئة تحويل نسبة أكبر من تدفقاتهم النقدية لخدمة تلك الديون، وهو ما يزيد من خطر التخلف عن السداد.

وحتى حيث اقترض مقترضو الأسواق الناشئة بالعملة المحلية فإن المستثمرين الأجانب يملكون نسبة كبيرة من تلك الديون، وقد يرغم الدولار الأقوى المستثمرين على بيع البعض من تلك الموجودات من أجل احتواء الخسائر، ما يرفع من تكلفة الاقتراض في الأسواق الناشئة، وهو ما يفضي الى مزيد من الخفض في القيمة.

وعلى الرغم مما يود بعض المستثمرين أن يعتقدوا فإن ترامب لم يؤشر الى "صباح جديد في أميركا"، وفي عام 1981 عندما تسلم رونالد ريغان مقاليد الحكم في الولايات المتحدة كان الاقتصاد قد بدأ بالخروج من الركود، وكانت معدلات الفائدة عند مستويات قياسية عالية كما كانت مستويات الديون عند ربع مستوياتها الحالية، وتبدو موجة التفاؤل اليوم في ضوء الظروف الراهنة مرشحة أن تمثل بقدر أكبر مجرد فجر زائف.

* Satyajit Das

إعادة إحياء عملية التصنيع في الولايات المتحدة كان وعداً قطعه ترامب وتسبب في فوزه بالرئاسة

بعد فوز ترامب في نوفمبر الماضي ارتفعت معدلات الفائدة لعشر سنوات وثلاثين سنة فوق 2.6% و3% على التوالي بزيادة تقارب 75 نقطة أساس

الدولار ارتفع منذ الانتخابات الأميركية بنحو 6% مقابل اليورو و12% مقابل الين
back to top