الشاعرة نسرين كمال: «الحرية» هي الشرع الأعلى والبداية التي لا نهاية لها

الشاعرة نسرين كمال: «الحرية» هي الشرع الأعلى والبداية التي لا نهاية لها

نشر في 20-01-2017
آخر تحديث 20-01-2017 | 00:00
الشاعرة نسرين كمال
الشاعرة نسرين كمال
نسرين كمال شاعرة لبنانية شابة ترسم الكلمات ألواناً من الحياة بعضها قاتم وبعضها مشرق، من دون أن تنسى أنها امرأة تقدّس الحب والعطاء، ترى وجهها تارة ويغيب تارة أخرى في وجوه الآخرين من خلال مقاسمتهم معاناتهم وإشكالياتهم.
آمنت بالشعر وسيلة تعبر بها إلى أعماق الذات لسبر كنهها وأسرارها، وتسير أبعد من هذا الجسد، بحثاً عن اكتمال رؤيتها وشخصيتها وشمولية تعابيرها وصورها الشعرية.
مشاغبة هي، معاكسة، تندفع في مغامرة اكتشاف وجوه الآخرين وسماتهم وتستلهم من بعض ملامحها صوراً شعرية تدفعها إلى التأمل في هذا الإنسان الذي هو نبع لا ينضب من المشاعر، وفي الوقت نفسه يشبه البئر التي لا يمكن بلوغ أعماقها.
راكمت نسرين كمال ثقافتها من مطالعة أعمال كبار الشعراء من لبنانيين وعرب وأجانب، فاكتسبت بلاغة وقوة في صياغة العبارة الشعرية، ما سمح لها بالجمع بين الأضداد في إطار ينبض قوّة في متن القصيدة من دون أن تشكل دهشة واستغراباً لدى القارئ، لانسيابها الجميل واستخدامها رموزاً لوصف مكنونات النفس.
حول تجربتها الشعرية ورؤيتها نتاج الشعراء الشباب ومستقبلهم، كان الحوار التالي معها.
كيف بدأت علاقتك بالشعر وبمن تأثرت من الشعراء؟

ليس هناك سوى بدايات دائمة ولعل علاقتي الحميمة مع اللغة بدأت باكراً جداً: كنت أقفز فوق التصاميم المفروضة للكتابة في تلك المرحلة، ما لفت نظر أستاذ اللغة العربية الذي كان مثقفاً فشجعني تاركاً لي حرية الكتابة من دون قيود أو شروط. كانت البداية الثانية في المرحلة الجامعية وكانت المحاولات الأولى من الشعر الموزون إضافة إلى نصوص نثرية كنت أنشرها في ملحق «نهار الشباب» الذي كان التفاتة مضيئة لتشجيع الشباب على التعبير الحر. وأما منبع التأثر فكان الإنتاج الأدبي الفرنسي والإنكليزي، ومن ثم كتّاب الحداثة العرب.

لماذا اخترت 2014 لإصدار مجموعتك الشعرية الأولى؟ وهل القصائد الواردة فيها مكتوبة في الوقت الحاضر أم بعضها تجارب قديمة؟

بعد توقف طويل فرضته ظروف خاصة عدت إلى الكتابة وكانت العودة بمثابة انفجار شعري وتدفق مستمر. أهملت الكثير من المحاولات وأبقيت على المجموعة التي شكلت مضمون «لأني لم أكن».

وتيرة سريعة

«لأني لم أكن» ديوانك الأول و{صور الوحدة» ديوانك الثاني الصادر في 2016، كيف تقيّمين تجربتك الشعرية فيهما؟

لا أقيّم أي شيء، فالكاتب يموت لينتج نصّه كما يقول بارت، وتشير إليه تفكيكية دريدا. النص هو الذي يتكلّم والقارئ هو من يعيد إنتاجه، ولكني أستطيع ببساطة القول إني أتشكّل دوماً بوتيرة سريعة جداً وذات عارية تنفتح على نبض الكون ودهشته مسقطة الكثير من الأقنعة الخانقة.

من يطالع قصائدك يشعر بأن الحياة تركت علامات مؤلمة في شخصيتك مع أنك ما زلت في مقتبل العمر، فهل تعكسين في شعرك تجاربك الشخصية أم تجارب تصادفينها في يومياتك؟

قد لا نستطيع الفصل بين تجاربنا الشخصية وكل ما نلتقطه عفواً من انطباعات ورسائل تبثها الحياة بالأشكال كلها، ولكن تبقى المكابدة الشخصية المنبع الخلّاق للتوتّر الشعري وسبيل التّماس مع المعرفة الإنسانية الحقّة. وقد يدفعنا ترتيب حياتنا إدراكنا السرّي والمرير أنها ذات حمولات ثقيلة جداً مقارنة بحياة الآخرين العادية نسبياً.

برأيك هل بات الشعر مجموعة تأملات وومضات فلسفية أكثر من كونه مناجاة للروح والحبيب؟

سيبقى الشعر دوماً عصيّاً على التعريف لذلك فاختزاله إلى حالة وجدانية ما أو طريقة تعبيرية خاصة أو جانب حياتي أو فكرة فلسفية لن يقودنا سوى إلى مزيد من الابتعاد عن كنه الشعر الذي أراه الإطلالة الشغوفة في سعة وجودنا الإنساني من المحدود إلى اللامحدود المبهر.

قصائد حب

تكتبين قصائد للحب، عن أي حب تكتبين في زمن مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار ظاهرة «تسليع» العواطف؟

ثمة حب يتفوّق على ذاته حين يتّحد مع ذاك التوق الباطني إلى المعرفة، مع ذاك الفرح الوجودي القاطن في مكان ما فينا. ما نمرّ فيه من تخبّط هو حالة تساؤل لا واعية عن جدوى مفاهيمنا بما فيها «الحب»، وهذا أمر طبيعي رغم قسوته المحبطة: حالة جيل يحاول التأقلم مع الجديد فيما هو غارق في القديم من دون مساءلة واستشفاف لممكنات الخطابين.

يصنّف الأدب والشعر اليوم بحسب الجنس البشري فيقال أدب نسوي وأدب شبابي. ما رأيك بهذه التصنيفات، وهل يمكن وضع الأدب في خانات محددة؟

لا أحبّذ كثيراً تصنيف «الأدب النسوي» فالتجربة الإنسانية لا جنس لها وما يخيفني هو محاولة تحجيم تجربة المرأة الكاتبة وحصرها في خانة ما. أما أن يتميّز الإنتاج الكتابي لجيل من الكاتبات والشاعرات بخطوط مشتركة فهو من الطبيعي جداً، فنحن لا نزال في بداية طريق تحرير الإنسان والمرأة خصوصاً من رواسب النظرة الدونية، كذلك من الإجحاف القانوني والمجتمعي.

في لبنان تجربة رائدة منذ القدم يُحسد عليها وهي حرية التعبير، فكيف تتعاملين مع هذه الحرية وهل يجوز للشاعر أن يكون جريئاً إلى أبعد الحدود في التعبير عن مشاعره بحجة الصدق والشفافية؟

في البدء ما هي الحرية؟ هل هي المفهوم الذي نطلقه لتبرير النرجسيات الضيقة؟ أم هي الانعتاق منها لنكون ذواتنا المتّسعة في صيرورة دائمة؟ بالنسبة إلي الحرية هي الشرع الأعلى والبداية التي لا نهاية لها. شرطها الوحيد احترام أبعاد الإنسانية. أما لبنان الذي كان الحضن المتّسع للمبدعين والمبدعات العرب حين ضاقت بهم سبل الحرية فهل ما زال فعلاً تلك المنارة؟ السؤال برسم المستقبل.

وعي حضاري

أين موقع الشعراء الشباب اليوم من الوعي الحضاري والفكري العميق لما يحصل على أرض الواقع من متغيرات سياسية واجتماعية دراماتيكية؟

أعتقد بأن هذا السؤال يتطلب بحثاً اجتماعياً شيّقاً للإحاطة بجوانبه. ولكن ما أشعر به هو حالات متناقضة من الوعي ونقيضه: الاغتراب والهروب وفقدان الهوية والرفض.. وهذا انعكاس لما نعانيه من اللااستقرار على الأصعدة كافة.

ما الجديد الذي تعملين عليه اليوم؟

لا أعلم أين ستقودني الرحلة في المرحلة التالية فأنا التقط أنفاسي وأنتظر اختمار فكرة جديدة لكتاب جديد قد لا يكون بالضرورة شعراً.

هل تعتبرين أن الشعر استعاد موقعه على الساحة الثقافية بعدما طغت الرواية وقتاً طويلا؟

لا شك في أن عصرنا هو عصر الرواية ولكن لا أظن بأن الشعر مصيره التلاشي حتى لو خفت صوته... الجيل الذي سبقنا ضم أصواتاً موهوبة ومهّد لأشكال جديدة في التعبير فيما نحن نستمر في التجريب، كلّ بطريقته الخاصة، ولا أعلم ما ستثمر هذه التجارب من إضافات فهذا رهن بالأيام المقبلة

مواقع التواصل الاجتماعي

رداً على سؤال حول دور مواقع التواصل الاجتماعي، هل يساعد الشاعر على إيصال قصائده إلى أكبر شريحة من الناس أم وسيلة تدمير العلاقات المباشرة والتفاعل المباشر بين الشعراء أنفسهم وبينهم وبين المتلقّي؟، قالت الشاعرة نسرين كمال: «مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة رائعة للتفاعل الفكري والثقافي في زمن الأعباء والانشغالات اليومية الخانقة. ثمة وجه سلبي طبعاً إنما ليس إلى حد تدمير العلاقات الإنسانية التي تحمل بذور تطورها أو تمزقها في ذاتها بغض النظر عن التكنولوجيا. أما أن تصل القصيدة إلى أكبر شريحة من الناس فأمر لا يقلقني بتاتاً لأن للشعر في هذا العصر خصوصيته ومأزقه وإشكالياته، فضلاً عن متذوّقيه».

أتشكّل بوتيرة سريعة وذات عارية تنفتح على نبض الكون ودهشته مسقطة الأقنعة

ثمة حب يتفوّق على ذاته حين يتّحد مع ذاك التوق الباطني إلى المعرفة
back to top