يومٌ مُرّ... و«فازةُ» العمر

نشر في 19-01-2017
آخر تحديث 19-01-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري يحدث أحيانا أن تعجز من تمرير يومك من سم خياط الفرح، وأن تشعر بأن جسد يومك يضيق بقلبك الصغير شيئا فشيئا، حتى يكاد يعتصره ويصبّه في كأس الضيق قطرة... قطرة، يتراءى لك أن المسافة بين السماء والأرض تتقلص تدريجيا بمؤامرة منهما، للإطباق على أنفاسك وخنقها تماما، وأن الهواء بينهما يفر من حولك، محرضا ما بقي منه في صدرك على اللحاق به على الفور وبأسرع ما يمكن. ويحدث أحيانا أن ترى في يوم ما أنياب الحياة الحادة بارزة في وجهك وجاهزة لالتهامك، ويحدث في حياة كل منا أن يباغته على حين غفلة من بهجته يوم عصيب ومُرّ وقاسٍ يفقده القدرة على التصالح مع ذاته ومع الحياة، يترك ندباً قبيحاً على وجه المشاعر البيضاء فيه، ولأن مثل هذا يحدث أحيانا في حياة كل منا فكرت مؤخرا بالبحث عن طريقة أحمي بها ذاتي من مثل هذا اليوم المرّ، وأن احتاط من مباغتته لي، فخطرت في ذهني فجأة فكرة!

احضرت «فازة» كبيرة من الزجاج الشفاف، ومجموعة كبيرة من الزهور غير الطبيعية، وملصقات ورقية على شكل قلوب ملونة، قمت بفصل الزهور عن أغصانها، ونثرتها في قاع «الفازة»، ووضعت على رأس كل غصن من تلك الأغصان قلبا ورقيا كتبت عليه بخط يدي اسما مختارا لأحد الأشخاص الجميلين الذين أثْروا حياتي وأثّروا فيها جمالا وبهاء، أشخاص التقيتهم أضافوا للعمر عمقا أو شذا لم يُمحَ، ولم تسرقه الأيام أو تسلب فتنته، رغم رحيل بعضهم عن الحياة، أو انقطاع التواصل مع بعض آخر منهم، أسماء لأصدقاء مقربين من نساء ورجال، وأحباب وحبيبات، وبعض مبدعين التقيتهم ووجدتهم أكثر جمالا حتى من جمالهم الذي يستوطنني قبل أن التقيهم، وأناس عاديين لا يعرفهم سوى محيطهم... إلخ.

كنت استجمع الأسماء من الذاكرة البعيدة والقريبة على السواء، وكانت تتوافد تباعا بيُسر، وكأنما لديها نفس الرغبة في أن تجتمع في هذه «الفازة». كم كانت دهشتي كبيرة حين غصّت «الفازة» بالأغصان التي تحمل قلوباً ملونة، وكل قلب يحمل اسما يعني لي الكثير، حتى إن الأغصان نفدت قبل أن تكتمل كل الأسماء التي تذكرت! كانت تلك «الفازة» بمثابة العمر، رأيت من وراء زجاجها الشفاف هذه القلوب التي تشكّل زهور عمري العصيّة على الجفاف، شعرت بفرح لم أشعر به من قبل، أحببت عمري الغني بكل هذا الجمال من أناس جعلوه يزهو بأيامه، فكلما حاصرني يوم بتعاسته وبؤسه نظرت إلى آنية القلوب تلك، فينفك الحصار في ذات اللحظة، وكلما باغتني الضيق التفت إليها، فيتسع الفضاء لقلبي، وكلما تدلّى فرحي من قدميه تفحصت القلوب ووقفت عند بعض الأسماء واسترجعت ذكرياتي معه، أو سبب وجوده في هذه «الفازة»، فيعتدل فرحي، ليقف مستويا على قدميه. كانت تلك الآنية قادرة دائما على أن تصالحني مع ذاتي كلما خاصمتني، فقررت أن أضيف لتلك «الفازة» قلوبا أخرى تحمل أسماء أشخاص ربما سأعرفهم مستقبلا وسيتركون في حياتي ذات الأثر والتأثير.

back to top