فوارق لافتة في الأعمال بين الرجل والمرأة

نشر في 14-01-2017
آخر تحديث 14-01-2017 | 00:01
أعمال التصنيع لن ترجع حتى إذا قرر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قطع العلاقات التجارية مع الصين، لأن الكثير من تلك الوظائف لم تُفقَد نتيجة المنافسة الخارجية، بل بسبب الروبوتات الموجودة في الولايات المتحدة نفسها.
لماذا لا تتشبه المرأة بقدر أكبر بالرجل في العمل؟ يطالب هنري هيغنز في كتابه بعنوان "سيدتي الجميلة" بمعرفة السبب الكامن وراء ذلك، وفي هذه الأيام يطرح الاقتصاديون السؤال بطريقة مغايرة: لماذا لا يتشبه الرجل بقدر أكبر بالمرأة؟

لقد ترك الهبوط في العمل التقليدي للطبقة الكادحة، مثل التصنيع، العديد من الرجال في حالة ضياع، وتوجد صناعات نمو مثل الرعاية الصحية، حيث يمكن لهؤلاء الرجال الحصول على عمل، ولكن يبدو أنهم لا ينتهزون الفرصة الرائعة للتحول الى مساعدي رعاية صحية أو الى عمال رعاية نهارية، ويرجع ذلك في جزء منه الى أن العديد من هذه الوظائف لا توفر أجوراً تماثل أعمال التصنيع التي فقدوها أو كانوا يأملون الحصول عليها، وربما أيضاً لأن هذه الوظائف لا تليق بالرجل بصورة كافية.

وقد صرح الاقتصادي لورانس كاتز لصحيفة نيويورك تايمز بأن "المسألة ليست عدم ملاءمة من حيث المهارة، بل صورة تباين في الهوية، والمسألة ليست أن هؤلاء الرجال لا يستطيعون التحول الى عمال صحة بل لأن لديهم فكرة متخلفة عن هويتهم".

ويبدو أن هذا الوضع غير مقبول، وإذا فقد كاتز وظيفته كاقتصادي وعمل مثل مساعد ممرض لرعاية كبار السن فليس لدي شك في أنه سوف يجد في ذلك صعوبة من الوجهة العاطفية، ولكنني لن أقول إن تفضيله لمهنته الحالية يتسم بالتخلف. إن العمل في رعاية المرضى يشكل ضرورة ويتعين أن يحظى بتقدير وتكريم. ومن قبيل الأمانة نقول إنه يجب أن يكون أقل راحة من الجلوس في مكتب والكتابة حول ما يتعين على الناس القيام به في حياتهم العملية.

والأكثر من ذلك، فإن الناس يستثمرون كثيرا في بناء هوية مهنية تساعدهم على جعل العمل أكثر احتمالاً (وربما منح الناس الفخار في ما يقومون به يضمن انجاز العمل بصورة أفضل)، والتخلي بشكل مفاجئ عن شيء شكل جزءاً رئيسياً من كيانك والقيام بعمل في قاع حقل جديد ليس سهلاً بالنسبة الى عامل آلات أو منجم.

واضافة الى ذلك، وقبل أن نبدأ في توجيه اللوم الى الهوية، يتعين علينا على الأقل أيضاً أن نكون راغبين في السؤال عن القدرة: كم من الرجال لديهم الرغبة في العمل في مهن الرعاية؟

وكصحافية تكتب في أغلب الأحيان عن "ميادين الذكور" بصورة تقليدية مثل الجوانب الاقتصادية أو الأعمال التجارية ربما يتعين أن يتوقع مني الموافقة على نظرية أدوار الرجل والمرأة، والمشكلة أن هذا قد لا يتطابق بالضرورة مع الدليل، ويشعر الأطفال بميل الى الدمى وهو تفضيل يظهر عليهم، وأنا أعتقد بالتأكيد أن المجتمع الانساني يحتفظ بآثار من الماضي، كما أنني أضع الخط الفاصل عندما يتعلق الأمر بتفضيلات الأطفال.

ولهذا السبب أنا أظن أن علينا النظر بجدية الى أن العديد من الرجال لا يجتنبون العمل في مهن الرعاية لأنهم يستخفون بما تقوم المرأة به، بل لأن الكثير منهم يفتقر الى القدرة والصبر للقيام بعمل المرأة في ميادين الرعاية.

والفوارق بين الرجل والمرأة ليست خطاً واضحاً، وعلى سبيل المثال فإن السجل العالمي للمرأة في سباق المئة متر للجري يقل عن مثيله بين الرجال، والرجل عموماً أسرع من المرأة ولكن بطلات الأولمبياد يتربعن على القمة ويحققن سرعة تفوق معدلات معظم الرجال. وسوف يكون من السخف القول ان المرأة لا تستطيع الجري مسافة 100 متر في 11 ثانية لأن معظم النساء لا تقدر على ذلك، وبالمثل فإن من السخف القول ان الرجل ليس أسرع من المرأة بشكل متوسط.

فوارق المهنة

وهكذا فإنه من الممكن أن يكون توزيع الأدوار في ميادين الرعاية ينطوي على درجة كافية من التشويش بحيث يكون العدد الأقل من الرجال بارعين في أداء العمل الصعب المتمثل في توفير عناية للمرضى والمحتاجين، وبينما يوجد العديد من الأعمال في ميدان الرعاية الصحية التي لا تتطلب الكثير من التفاعل الانساني المباشر فإن ذلك العمل يتطلب المزيد من التدريب، ثم إن القدرة على الجلوس في قاعة الصف واستيعاب المواد من كتب دراسية هو أيضاً عمل موزع بصورة غير عادلة وغير متساوية، والأمر ليس أنه لا يوجد رجل يعجز عن النجاح في الانتقال من عمل الرجال من الطراز القديم الى مهن الرعاية، بل ان قلة من الرجال لديهم القدرة على القيام بذلك بقدر يفوق ما نود أن نعتقده ونتوقعه.

ويثير هذا طبعاً أسئلة غير مريحة: ماذا يتعين على الرجل عمله اذا اضطر الى القيام بعملية الانتقال؟ إن أعمال التصنيع لن ترجع على أي حال حتى اذا قرر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قطع العلاقات التجارية مع الصين، لأن الكثير من تلك الوظائف لم تفقد نتيجة المنافسة الخارجية بل بسبب الروبوتات الموجودة في الولايات المتحدة نفسها، وما لم نبدأ بتأسيس حفنة من المعامل القديمة غير الفعالة الموجودة فقط من أجل توفير فرص عمل للناس فسوف نكون في حاجة الى نوع من الخطة "ب" للعديد من العمال المحتملين في المستقبل.

كنت أتمنى لو كانت لدي فكرة أفضل عن الخطة "ب" ولكن الحقيقة أن الحل الذي كان خبراء الاقتصاد يطالبون به منذ عقود طويلة من الزمن والذي يتمثل في تحقيق المزيد من التعليم والمزيد من القدرة على الانتقال الى أعمال الخدمة ليس النوع الذي يناسب العديد من الناس.

وفي حقيقة الأمر فإن المسألة تبدو بقدر أكبر مثل سياسات هوية مهنية: يقول الخبراء إن الحل المتعلق بكل المشاكل يتمثل في حصول كل شخص على العمل الذي يلائمه. وقد يكون من غير الممكن بالنسبة الى الرجل العادي أن يعمد الى تحويل نفسه الى امرأة عادية من أجل ملاءمة احتياجات سوق العمل، وإذا لم نتمكن من اقامة سوق عمل يوفر الفرصة ويرضي ويلبي القدرات والهويات المتنوعة فقد نشهد المزيد من الهزات والتداعيات التي تفضي الى الاستياء الشعبي على غرار ما حدث في شهر نوفمبر الماضي.

رجال عديدون يجتنبون العمل في مهن الرعاية... لا لأنهم يستخفون بما تقوم المرأة به بل لأن كثيراً منهم يفتقر إلى القدرة والصبر

مادمنا لن نؤسس حفنة من المعامل غير الفعالة فقط لتوفير فرص عمل للناس فسنكون في حاجة إلى خطة «ب» للعديد من العمال المحتملين في المستقبل

الناس يستثمرون كثيراً في بناء هوية مهنية تساعدهم على جعل العمل أكثر احتمالاً
back to top