أنا حُرّة!

نشر في 13-01-2017
آخر تحديث 13-01-2017 | 00:10
 تهاني الرفاعي أفعل ما أريد، وأتصرّف كما يحلو لي، وأقولُ أيضا ما أودُ قوله دونما حدود أو حواجز! أنا حُرّة ألبس ما أحب وما أشتهي، ولي معتقداتي وأفكاري التي تخصني والتي لا تقبل قطعاً النقاش والنقد أو مجرد النصيحة! أنا حرّة لأنني ولدّتُ كذلك، ولأن أهلي وفروا لي سبل التحرر!!

وللأسف أن ما يظنّه أغلب أولئك الذين أساؤوا استخدام الحرية بأنها انفلات! أولئك الذين لطخوا جمال الحرية بـ"قباحة" تبرأ الحرية منها! أولئك الذين اختلطت عليهم المفاهيم، وظنوا أن التحرر الصارخ ما هو إلا رُقي وتحضر! وأنه كلما انسلخ المرء عن قيمه الاجتماعية صار "أكثر جمالاً وجاذبية"! كل أولئك الذين صنعوا لأنفسهم قوانين "مودرن" تخص نضوجهم المزعوم!

للأسف هكذا كبر الجيل الذي لربما هو ذاته الذي كان بين أحضان الخدم والمربيات، أو كان وحيدا يبحث عن دفء يحوي قلبه المهمل! وهو ذات الجيل الذي اعتقد الآباء أن أبناءهم خلقوا لزمانٍ غير زمانهم فأساؤوا فهمه، وظنوا أن زمن أبنائهم لا يشترط فيه التربية كما كان في زمانهم!

كبر الجيل الذي تُرك على راحته، والذي فُتحت له أبواب التكنولوجيا على مصراعيها دون رقيب، لأن حب والديهم لهم باختصار أكبر من أن يتقيدوا بتوجيهات وأوامر تحدّ حريتهم! هؤلاء هم ذاتهم الذين إن نصحتهم وكزوا عينيك بأصابعهم صارخين بعدم تدخلك في شؤونهم! هؤلاء هم أنفسهم الذين يفرضون عليك "موديلاتهم الدخيلة" التي ليس لك حق إلا أن تقبلها أو أن "تبلع عافيتك وتسكت"! هؤلاء الذين حسبوا أن الدنيا بما فيها مُلكٌ لهم وحدهم فقط، وأنهم الصواب وكل ما يعارضهم تخلف! وأن الحياة تكمن في أن يفعل المرء كل ما يريد دون رادع، أما الله فهو "غفورٌ رحيم".

صار مؤسفاً حقيقة أن نرى انفلاتا معجونا بجهل يصل فيه المرءُ إلى قلة الأدب والجرأة الفاجرة المتمردة، التي تنتقل بك إلى مرحلة تخجل فيها من تصرفات لم تقم بها أنت، إنما قام بها أشخاص حولك وكأن شيئا لم يكن! وصار محزنا جداً أن تشعر حين تمسكك بمبادئك وقيمك أنك رجعي ومتأخر بينهم! وأنك لا بد أن تواكب الانفلات الواقع وإلا فأنت معقد ومنغلق!

صرت أنت نفسك لا تدري بأي زمانٍ أنت فيه؟ صرت تشك في الفطرة السليمة لدى أولئك البشر، صرنا في زمن للأسف عكست فيه الآيات، فصار العيب عاديا والحياء نقصا والفجور حرية والعبادة تشددا وتطرّفا! للأسف أولئك جهلة مهما مُنحوا من شهادات، فلا شيء في هذا الكون مُطلق! حتى الحرية التي تخصك أنت لا تملك قرارها دون أسقف تكبح عنانها! والتحرر المفرط ما هو إلا تمرد ومن ثم "سواد وجه"!

الحرية نعمة ثمينة لمن يعرف قيمتها، أما الذين يفجرون في استباحتها فقد أفسدوا بذلك طعم الحياة بأكملها، وانتقصوا من قيمة أنفسهم دون أن يشعروا!

أنت خلقت حرا ومع ذلك خلق الله فيك إيمانا وخجلا وإيثارا، وكل تلك الصفات التي تقف حدا بين ما تريد وما تفعل،

أنتّ حر وذلك يعني أن تفعل ما تشاء، مع احترام نفسك والآخرين.

حريتك تعني "أن تخاف الله أولاً وآخراً و سراً وجهراً"! حريتك تعني أخلاقك باختصار، ولا شيء عدا ذلك، وكل تحرر يتعدى الخُلُق يتحولُ رأسا إلى جريمة إما بحق ذاتك أو بحق من هم حولك! فمن غير المنطقي أن تعيش حياتك حرا دون ضوابط تحكمها، وإلا عشت متخبطاً جاهلاً دون المستوى!

back to top