تركيا لا تملك رفاهية الاغتراف من احتياطياتها

«الليرة» مرشحة لتصدّر أسوأ عملات العالم أداءً في 2017

نشر في 12-01-2017
آخر تحديث 12-01-2017 | 00:02
No Image Caption
مع الاتجاه الهبوطي، الذي تتخذه الليرة منذ مطلع العام الحالي على خلفية اضطرابات سياسية واقتصادية، ينتظر أن تكون العملة التركية في مقدمة أسوأ عملات العالم في 2017 لمجموعة من الأسباب، بحسب تقرير نشرته بلومبرغ.
في ضوء الانخفاض الشديد في قيمة البيزو الأسبوع الماضي، لجأ البنك المركزي المكسيكي إلى احتياطياته الكبيرة لبيع أكثر من مليار دولار بأسواق آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.

غير أن تركيا، التي تواجه هبوطا مماثلا في قيمة عملتها، لا تملك رفاهية الاغتراف من احتياطياتها لتثبيت الليرة.

فمع هبوط الليرة إلى مستوى قياسي جديد، لتصبح أسوأ العملات أداء في الأسواق الناشئة الكبرى أمام الدولار، يرى المحللون أن رفع أسعار الفائدة هو الخيار الوحيد أمام البنك المركزي. لكن الحكومة تعارض بشدة اتخاذ أي خطوة من شأنها الإضرار بالنمو الاقتصادي.

ظاهريا، تبدو الاحتياطيات التركية من العملة الصعبة في مستوى صحي، إذ تظهر بيانات البنك المركزي أن إجمالي الاحتياطيات بلغ نحو 106 مليارات دولار في نهاية 2016.

غير أن الذهب يمثل 14 مليارا من هذا المبلغ، كما أن البيانات التفصيلية للرقم الإجمالي تكشف عن صورة أقل وردية من ذلك، لاسيما عند مقارنة الأرقام بحجم المبلغ الذي يتعين على تركيا سداده من ديونها الخارجية في الأشهر المقبلة.

وتقدر حسابات أجراها بنك "يو.بي.إس" وبنوك أخرى في لندن وإسطنبول، بناء على بيانات البنك المركزي، أن المستوى الحقيقي للاحتياطيات القابلة للاستخدام أقرب إلى 35 مليار دولار.

وقال مانيك نارين خبير الاستراتيجية ببنك "يو.بي.إس": "حرفيا جانب كبير من هذا المال لا يمكن للبنك المركزي استخدامه. جانب كبير منه احتياطيات للبنوك التجارية مودعة لدى البنك المركزي".

وقدر بناء على حساباته أن 42 مليار دولار تتمثل في ودائع احتياطية إلزامية بالعملة الصعبة أودعتها البنوك التركية لدى البنك المركزي، مقابل ما تقدمه من قروض بالدولار داخل البلاد.

وقدر أيضا أن 16 مليار دولار أخرى تتمثل في "آلية خيارات الاحتياطيات" التي تسمح للبنوك بالاحتفاظ بجزء من احتياطياتها من الليرة بالنقد الأجنبي.

احتياطيات النقد الأجنبي

قال نارين: "عندما تزداد سخونة الأوضاع عليهم أن يلجأوا للدفاع التقليدي، من خلال أسعار الفائدة، لأن لديهم بأي مقياس واحدا من أدنى مستويات ملاءة الاحتياطيات في الأسواق الناشئة. سيتسببون في قدر كبير من القلق في الأسواق إذا أفرطوا في السحب من الاحتياطيات".

ومن الممكن قياس مدى كفاية الاحتياطيات بعدة وسائل، إحداها تتمثل في عدد الشهور التي تكفي فيها الاحتياطيات لتغطية الواردات، حيث يقدر أن الحد الأدنى الآمن هو ثلاثة شهور.

وتبين حسابات بنك أوف أميركا ميريل لينش، أن تركيا يمكنها أن تمول واردات تكفي 5.6 أشهر، بافتراض أن مستوى الاحتياطيات يقارب 100 مليار دولار.

وتستلزم الوسيلة الثانية المبنية على قاعدة تسمى جيدوتي- جرينسبان ألا تقل الاحتياطيات عن مدفوعات الدين الخارجي في السنة المقبلة. والمنطق وراء هذه القاعدة، أن تمتلك الدول حماية كافية تتيح لها مقاومة أي توقف مفاجئ في التمويل الخارجي.

وقدر بنك أوف أميركا ميريل لينش، أن إجمالي الدين الخارجي التركي يبلغ 421 مليار دولار، منها 107.3 مليارات دولار يحل أجلها في العام المقبل.

ويتساوى هذا المبلغ الأخير تقريبا مع الرقم العام للاحتياطيات، لكنه يزيد ثلاث مرات على مستوى الاحتياطيات القابلة للاستخدام.

وبهذا المعيار، تصبح ملاءة الاحتياطيات لدى تركيا أقل منها في دول مثل مصر وأوكرانيا.

ويشير محللون آخرون إلى أن تركيا دأبت على طرح دولارات في السوق، رغم أنها قد لا تتدخل في أسواق النقد.

وقال مراد توبراك، خبير الاستراتيجية ببنك "اتش.إس.بي.سي"، إن الهبوط المطرد في الاحتياطيات، والذي قدر بستة مليارات دولار في نوفمبر وديسمبر، يجب النظر إليه في ضوء تخفيضات في متطلبات الاحتياطيات بالعملة الصعبة لدى البنوك.

وخفض البنك المركزي مستوى هذه المتطلبات مرة أخرى هذا الأسبوع، وقدر أن ذلك سيؤدي لضخ 1.5 مليار دولار في الأسواق.

وقال توبراك: "لذا، فإن البنك المركزي يستخدم احتياطياته لضخ سيولة دولارية في النظام".

وأضاف: "ليس بوسعنا أن نؤكد أنهم لن يتدخلوا في أسواق الصرف الأجنبي بسبب المستويات الحالية للاحتياطيات، لكن من الواضح أن الذخيرة لديهم محدودة".

وعلى أي حال، فإن آثار التدخل في أسواق العملة عادة ما تكون قصيرة العمر. فرغم ضخامة ما طرحته المكسيك أخيرا للبيع من الدولارات، فقد انخفض البيزو إلى مستويات قياسية الجمعة، فيما يشير إلى أنه من الأفضل لتركيا أن تلجأ إلى زيادة كبيرة في أسعار الفائدة.

ومع ذلك، دعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومستشاروه مرارا إلى خفض أسعار الفائدة لتنشيط النمو الاقتصادي، بل إن البعض ردد أن زيادة كلفة الاقتراض بمنزلة التآمر على الدولة.

تراجع الليرة

ومع الاتجاه الهبوطي، الذي تتخذه الليرة منذ مطلع العام الحالي على خلفية اضطرابات سياسية واقتصادية، ينتظر أن تكون العملة التركية في مقدمة أسوأ عملات العالم في 2017 لمجموعة من الأسباب، بحسب تقرير نشرته بلومبرغ.

ومنذ مطلع العام تراجعت العملة التركية نحو 8.5 في المئة أمام الدولار، في حين تراجعت بنحو 17 في المئة في 2016 كله.

وعزا التقرير عوامل هبوط الليرة إلى مجموعة من العوامل كما يلي:

1- تدخل ضعيف للبنك المركزي: فيما يستعد الفدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة نحو 3 مرات على الأقل خلال العام الحالي، لم يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة سوى مرة واحدة في 3 سنوات، ومع ارتفاع العوائد في الأسواق الناشئة على أدوات الدين المختلفة، فإن احتمالية تخارج المستثمرين من الديون التركية تبقى كبيرة مع بحثهم عن عوائد أفضل.

كما أن الإشارات، التي يعطيها البنك لوقف الاتجاه الهبوطي للعملة تبقى محل شك على نطاق واسع.

وخفض البنك المركزي التركي، أمس الأول، من السقف الإلزامي للبنوك من العملة الصعبة، في محاولة لضخ المزيد من السيولة الدولارية بالأسواق، لكن تعاطي الليرة مع القرار كان دون المستوى وقللت خسائرها بنحو 0.4 في المئة فقط.

2- التضخم: ارتفاع مستويات التضخم في أواخر العام الماضي دون مستهدفات البنك المركزي تبقى أحد العوامل الرئيسية، التي تضغط على الليرة خلال العام الحالي مع وصول التضخم إلى مستوى 8.5 في المئة أي فوق مستهدف البنك المركزي بنحو 3 في المئة.

ويتوقع محللون في «يوني كريديت» أن تصل معدلات التضخم إلى مستويات 12 في المئة بنهاية العام الحالي، وهو ما من شأنه أن يدفع الليرة نحو المزيد من التراجع مع تراجع قيمتها الشرائية.

وارتفاع معدلات التضخم سيؤثر بالسلب أيضاً على الاستثمارات الأجنبية مع تخوف المستثمرين من تراجع قيمة أصولهم، وهو ما سيؤثر بالسلب على التدفقات الأجنبية.

كما سيؤثر التضخم على عجز الحساب الجاري، الذي ينتظر أن يرتفع إلى نحو 7 في المئة خلال العام الحالي.

3- اتجاه الأتراك نحو دولرة أصولهم: حينما طالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مواطنيه في الثاني من الشهر الماضي بتحويل أصولهم إلى الليرة من أجل دعم عملتهم المحلية، تجاهل الأتراك الأمر بل على العكس تماماً اتجهوا نحو تحويل الأصول المملوكة لهم للدولار.

وتشير بيانات البنك المركزي التركي إلى أن الفترة التي تلت خطاب إردوغان شهدت تحويل ودائع بالعملة المحلية إلى ودائع بالدولار من قبل المواطنين والشركات العاملة البلاد.

4- ديون الشركات: ستعاني الشركات التي استدانت بالعملة الصعبة في تركية تبعات هبوط الليرة مع ارتفاع في قيمة ديونهم المقومة بالعملة المحلية، ما من شأنه إحداث فجوة بين موجودات الشركات المقوّمة بالدولار والأصول المملوكة لها.

وبالفعل وصلت تلك الفجوة إلى نحو 213 مليار دولار في سبتمبر الماضي، ومع رغبة الشركات في الحصول على الدولار لسداد ديونها سيعمل هذا كعنصر للضغط على العملة التركية ضمن مجموعة العوامل الأخرى.

5- السياسة: الاضطرابات السياسية والأمنية، التي تشهدها البلاد ستدفع الليرة أيضاً نحو الهبوط مع هروب رؤوس الأموال الأجنبية التي تعمل وفقاً لقاعدة أصيلة مفادها بأن «رأس المال جبان».

تسارع خروج رؤوس الأموال الأجنبية يعني تراجعاً في المعروض من الدولار، وهو ما سيدفعه لمواصلة صعوده أمام العملة التركية مع توقعات بازدهار السوق السوداء.

ارتفاع عجز الحساب الجاري

ارتفع عجز الحساب الجاري في تركيا إلى 2.26 مليار دولار خلال نوفمبر من 2.24 مليار خلال نفس الفترة من العام الماضي، بحسب ما أظهرته بيانات البنك المركزي أمس.

وجاءت هذه البيانات أقل قليلاً من تقديرات المحللين التي أشارت إلى عجز نسبته 2.50 مليار، لكنها كانت أكثر من العجز المسجل خلال أكتوبر عند 1.7 مليار. واتسع العجز السنوي في الحساب الجاري التركي إلى 33.65 مليار دولار في نوفمبر من 33.62 مليارا في أكتوبر.

وخلال الفترة من يناير حتى نوفمبر ارتفع عجز الحساب الجاري إلى 28.6 مليارا من 27.2 مليارا خلال نفس الفترة من عام 2015.

2.5% خسائر الليرة

هبطت الليرة التركية 2.5 في المئة مقابل الدولار، امس، إذ أدت أجواء القلق بين المستثمرين بشأن الآفاق السياسية والاقتصادية للبلاد إلى تفاقم خسائر العملة إلى أكثر من 9 في المئة منذ بداية العام.

وسجلت الليرة مستوى منخفضاً قياسياً عند 3.8950 ليرة للدولار قبل أن تنتعش قليلاً إلى 3.8691 ليرة، كما هبطت إلى مستوى قياسي عند 4.1089 ليرة مقابل اليورو بعد أن أغلقت الثلاثاء الماضي عند 3.9971 ليرة.

وكانت الليرة قد فقدت ربع قيمتها تقريباً أمام الدولار منذ محاولة انقلاب فاشلة في يوليو الماضي.

back to top