مستقبل الطيران... استعدّ لتحديثات الدرجة الاقتصادية

نشر في 08-01-2017
آخر تحديث 08-01-2017 | 00:07
السفر و الطيران
السفر و الطيران
هل اعتدتَ السفر في الدرجة الاقتصادية؟ أليس الوقوف في صفوف الانتظار الطويلة وإنهاء إجراءات السفر في المطار أمراً سيئاً بما يكفي؟ تتبخّر الراحة التي تشعر بها حين تجلس في مقعدك سريعاً بسبب الظروف السيئة وكثرة الخزائن فوق رؤوس المسافرين، وحين تدرك أن جلب طعامك الخاص كان أفضل من انتظار وجبات الطائرة! هكذا يتحوّل السفر في حالات كثيرة من تجربة مشوّقة إلى محنة متعِبة. ولما كانت التقديرات تشير إلى تضاعف أعداد المسافرين جواً (أكثر من ستة مليارات شخص خلال السنوات العشرين المقبلة)، فتحاول الخطوط الجوية مواجهة هذا التحدي منذ الآن وبدأت تحقق بعض النجاح في مساعيها.
يلاحظ المسافرون في الفترة الأخيرة عدداً من التحسينات في الدرجة الاقتصادية على متن الطائرات التابعة للخطوط الجوية البريطانية: مقاعد جلدية مستحدثة مع مسند رأس قابل للتعديل، وقسم جديد للمجلات (يقع الآن في أعلى الجهة الخلفية من المقعد لتوسيع المساحة المخصصة لمدّ الساقين)، ومسند للحواسيب اللوحية. تشمل التحديثات أيضاً {إضاءة لتحسين المزاج} مزوّدة بالصمّام الثنائي الباعث للضوء. تُعتبر هذه التعديلات جزءاً من نزعة عالمية تتّجه إلى استعمال التكنولوجيا في قطاع الطيران لزيادة راحة العملاء.

لكن لا تنحصر التدابير الجديدة باستعمال مقاعد مريحة، بل تهدف إلى تقديم تجربة ناجحة على المستويات كافة (طريقة تعامل طاقم الطائرة مع المسافرين، جو المقصورة، الشعور باتّساع المكان، نوعية وجبات الطعام، النشاطات الترفيهية خلال الرحلة...).

حين يختار الناس شركة طيران معيّنة، يريدون أن يشعروا في المقام الأول بأنهم في أيدٍ أمينة وتثبت خطوط الطيران التقليدية عموماً أنها جديرة بالثقة وتتمتع بخبرة واسعة في مجالها. تُعتبر هذه الجوانب جزءاً من العوامل التي تريح المسافرين.

مساحة متزايدة للخزائن

يمكن ضمان راحة المسافرين داخل الطائرة أيضاً عبر تخصيص مساحة مناسبة للأدوات والأغراض التي يحملونها معهم على متن الطائرة في هذه الأيام. مثلاً، لا يستطيع التجار الذين يسافرون أسبوعياً ويتنقلون بين الدرجة الاقتصادية ودرجة رجال الأعمال بسبب مشاغلهم المتواصلة حمل أمتعة ثقيلة معهم، لذا سيستفيدون من توسيع مساحة تخزين الأمتعة فوق رؤوسهم في الطائرة. ستكون هذه الخطوة مناسبة بالنسبة إلى شركات الطيران أيضاً لأن تخزين الأمتعة المحمولة بسرعة وسهولة يختصر المدة المخصصة لإجراءات السفر.

كشفت شركة {بوينغ} عن حلّها الخاص لهذه المشكلة عبر ما يُسمّى {صناديق المساحة}. تستطيع هذه الخزائن المبتكرة أن تسع الأغراض أكثر من النسخ السابقة بنسبة 48%، وكانت شركة طيران ألاسكا أول جهة تُرَكّبها في أكتوبر 2015، ومن المنتظر أن تحذو حذوها الخطوط الجوية المتحدة وشركة {شاندونغ} وبعض الناقلات الأوروبية.

تحسين الاتصال بالإنترنت

تكثر المعدات الجديدة التي نحملها معنا اليوم خلال الرحلات، من بينها الأجهزة الرقمية التي أصبحت بسرعة جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية. اللافت أن تشجّعنا شركات الطيران على جلب أجهزتنا إلى الطائرة. لكن تشهد الأجهزة الإلكترونية الشخصية، مثل الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، تقدّماً متسارعاً لدرجة أن شركات الطيران تجد صعوبة في تحديث أنظمتها الترفيهية بسرعة كافية.

لذا تتساءل تلك الشركات عما يدفعها إلى الاستثمار في أنظمة ترفيهية مكلفة وثقيلة إذا كانت ستصبح قديمة بعد فترة قصيرة وأقل جودة من أجهزة المسافرين. وتشير تقديرات شركة متخصصة بتكنولوجيا المعلومات في قطاع الطيران إلى أنّ ثلثَي المسافرين يريدون أن يتمكنوا من استعمال أجهزتهم الإلكترونية الخاصة للاستمتاع بوقتهم خلال الرحلات.

لم تهدر شركات الطيران الوقت وبدأت تتعامل مع الوضع القائم، فعقدت مجموعة شركات الطيران الدولية حديثاً صفقة مع شركة تكنولوجيا الطيران {غوغو} في شيكاغو للاستفادة من نظام النطاق العريض فائق السرعة الذي تقدّمه. يؤكد هذا النوع من الصفقات التوجّه المتسارع نحو تأمين خدمات الاتصال بالإنترنت، مع أن كل شركة طيران تستطيع حتى الآن أن تقرر بنفسها طريقة وصول الركاب إلى الشبكات الخلوية وتوقيت هذه الخطوة.

ربما يحبّذ المسافرون استعمال شبكة الإنترنت عبر أجهزتهم الخاصة، لكن لا بد من إقامة توازن معيّن في هذا المجال: يمكن الإصغاء إلى الموسيقى خلال الرحلات القصيرة أو مشاهدة الأفلام خلال الرحلات الطويلة مثلاً. في الوقت نفسه، لا شيء يمنعهم من استغلال هذا الوقت لقراءة الرسائل الإلكترونية كي لا يفوّتوا شيئاً، لكن من الأفضل أحياناً أن يسترخوا وينقطعوا عن العالم الخارجي! يتوقف الخيار على توجّه كل مسافر.

إيقاظ الحواس

استعمال المعدات مهمّ خلال الرحلات الجوية لكن تحاول شركات الطيران أيضاً التواصل مع المسافرين بطريقة عاطفية، لذا تستعمل عناصر اللمس والمشاعر خلال تجربة السفر. ربما لاحظ الركّاب الذين يسافرون في رحلات طويلة نزعة رائجة تستعمل {إضاءة تحسين المزاج} الاصطناعية التي تحاكي أجواء شروق الشمس وغروبها وقد تساهم، بحسب مصنّعيها، في تخفيف آثار فارق التوقيت بين البلدان.

تُستعمَل الإضاءة التي تتحكّم بالمزاج خلال الرحلات القصيرة ويمكن تعديل درجتها كي تبثّ وهجاً برتقالياً دافئاً فتبدو وجبات الطعام خلال الرحلة شهية. لكن لا تقتصر منافع هذا الابتكار على الشعور بالراحة، بل إن مفعول الصمام الثنائي الباعث للضوء يدوم أكثر من تقنيات الإضاءة السابقة بعشر مرات.

تستهدف هذه التقنية أيضاً حاسة الشمّ. يمكن أن تختار كل شركة طيران الرائحة التي تحبّذها في مقصورة الطائرة. تهدف هذه الطريقة إلى تعزيز الراحة التي يشعر بها الركّاب، وقد تشمل روائح الفاكهة والأزهار والخشب.

وجبات الطعام

تشكّل مواعيد وجبات الطعام جزءاً أساسياً من تجربة السفر بالنسبة إلى أي شركة طيران تحترم نفسها. تُعتبر رائحة الطعام والجو المحيط بالوجبة أمرين أساسيَّين لتقوية الشهية، لكن يجب أن تكون المأكولات عالية الجودة أيضاً. على علو مرتفع، يؤدي الضغط داخل الطائرة إلى إضعاف حاسّتَي الذوق والشمّ بنسبة 30%، لذا تستعمل الطائرات مقاربات جديدة لتحسين نكهة الطعام تزامناً مع الحفاظ على شكل الأطباق التقليدي.

اليوم يتوقع المسافرون بشكلٍ متزايد تناول أنواع الأطباق التي يستمتعون بأكلها في أي مطعم على علو 30 ألف قدم. لكن لا يتماشى معظم معدات المطبخ المستعملة مع معايير السلامة على متن الطائرات مع أن قطاعاً جديداً يتولى تصنيع معدات تناسب جو الطائرات (آلات إسبريسو، أفران حرارية، مقالي، طناجر لطبخ الأرز على البخار...) وتلبّي أذواق المسافرين بأنواعها كافة.

تتعدد المقاربات المبتكرة التي تتخذها شركات الطيران اليوم، فقد تقرر مثلاً أن تبث شكلاً من الحنين في نفوس المسافرين عبر اختيار أزياء تقليدية لمضيفات الطيران واستعمال أدوات مائدة معدنية تعكس معايير الخدمة التقليدية.

بعد هذه التفاصيل كلها عن مزايا الطائرة الداخلية، ما الذي يمكن قوله عن شكلها الخارجي؟ تَقِلّ الاختلافات في شكل الطائرات المعاصرة ويكون أكبر عدد منها مزوّداً بأطراف مسنّنة في نهاية الأجنحة. إذا كنت مسافراً على متن طائرة {دريم لاينر} التابعة لشركة {بوينغ 787}، قد تلاحظ الحافة الخلفية المتعرّجة على مستوى المحرّكات. تسمح هذه الابتكارات بتوفير الوقود وتخفيف الانبعاثات وتخفيض أسعار بطاقات السفر وتقليص الضجة داخل الطائرة.

الكربون عنصر أساسي

يمكن الاستفادة من هذه الخصائص كلها عبر زيادة استعمال مركّب الكربون عند بناء الطائرات. إنه عنصر صلب ومرن ويتألف من ألياف الكربون المترابطة والمدعّمة بالبوليمرات، وقد أصبحت بديلة عن سبائك الألمنيوم والفولاذ. تستعمل أحدث طائرات تابعة لشركتَي {بوينغ} و}إيرباص} أكثر من 50% من مركّب الكربون، ما يضمن لها منافع على مستوى القوة والوزن. في ما يخص الشكل، يسمح هذا العنصر بزيادة مرونة التصميم في المقصورة. ظهر تصميم جديد في أحدث طائرة تابعة لشركة {إيرباص} (A330neo).

تعتبر شركة {إيرباص} أن هذه المقصورات الجديدة تبدو {أكثر استرخاءً وجمالاً وفاعلية}. ستشمل التحسينات المرتقبة توسيع مساحة الخزائن فوق رؤوس المسافرين وتوسيع المراحيض والمقاعد والممرات والمساحة الواقعة تحت أقدام المسافرين.

لكن يتعلق أهم ابتكار تضمنه ألياف الكربون خلال تجربة الطيران المعاصرة بمرونة بنيوية متزايدة تسمح برفع مستوى الضغط داخل الطائرة.

كانت شركات الطيران تتجنب دوماً زيادة مستوى الضغط داخل الطائرات لأن هذه الخطوة تزيد الضغط على سبائك الألمنيوم مع مرور الوقت، ما يؤدي إلى استنزاف المعادن وتقصير مدة استعمال الطائرة.

لكن هل يجب أن يهتم المسافرون بزيادة الضغط في الطائرات؟ أشارت دراسة أجرتها جامعة ولاية أوكلاهوما إلى أن تراجع ذلك الضغط يسبّب جواً عاماً من الانزعاج والضيق، بينما تضمن زيادة الضغط ارتفاع مستوى تشبّع الأوكسجين، ما يعني أنّ الجسم لن يضطر إلى بذل المجهود نفسه لإيصال الأوكسجين إلى الدم. ذكر بعض المعطيات الطبية أن تراجع مستويات الأوكسجين التي تصل إلى الدماغ قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض المرتبطة بفارق التوقيت بين البلدان.

مفاهيم جديدة

أصبح التوفيق بين راحة أكبر عدد من المسافرين وبين ضوابط تصاميم الطائرات أبرز هدف بالنسبة إلى قطاع الطيران. صحيح أن العوامل النفسية تؤدي دوراً في بناء مفهوم الراحة، لكن يتعلق التحدي الحقيقي بتحديد طريقة الاستفادة من المساحة المخصصة للمسافرين في الدرجة الاقتصادية.

في فصل الربيع من كل سنة في {هامبورغ}، يجتمع المديرون التنفيذيون في شركات الطيران لحضور معرضٍ لأحدث المنتجات الخاصة بالطائرات، فتظهر في هذه المناسبة مفاهيم ونماذج مبتكرة. في المعارض الحديثة، طُرِحت أنواع المقاعد غير المألوفة كافة. مثلاً، سبّبت شركة {إيرباص} ضجة كبرى في فبراير 2016 حين قدّمت طلباً لنيل براءة اختراع عن مقعد طائرة قابل للتعديل بحسب حاجات المسافرين، بدءاً من العائلات مع أولاد صغار وصولاً إلى أصحاب الإعاقة الجسدية.

بدأت وسائل الراحة المتاحة في درجة رجال الأعمال تنتقل إلى الدرجة الاقتصادية بعدما كانت الامتيازات تنحصر في الجهة الخلفية من الطائرة. تتّضح هذه الظاهرة خلال الرحلات الطويلة حيث أصبحت الأسرّة المسطحة معياراً سائداً في درجة رجال الأعمال في أنحاء أوروبا بعدما كانت حكراً على رحلات الدرجة الأولى.

كذلك أصبحت الأسرّة الآن متاحة في الدرجة الاقتصادية. في هذا السياق، تميّزت خطوط نيوزيلندا الجوية أخيراً بمقعد ثلاثي يتحوّل إلى سرير مزدوج في الدرجة الاقتصادية. وبدأت هذه النزعة تنتشر في أوروبا، فقد أطلقت خطوط طيران {أستانا} {درجة النائمين} خلال الرحلات بين كازاخستان ومطار لندن هيثرو وفرانكفورت وباريس وهونغ كونغ.

بالنسبة إلى عدد كبير من شركات الطيران لا تبدو إعادة تصميم المقاعد خياراً ممكناً، لكن يفكّر بعضها بما يمكن فعله لتحسين مستوى الراحة تزامناً مع الاحتفاظ بالمقاعد الراهنة. في هذا المجال، ابتكرت شركة الأقمشة السويسرية {لانتال} ما يُسمّى {نظام الراحة الهوائي} الذي يسمح للمسافرين بتعديل درجة صلابة الوسائد، فالمزوّدة منها بهذا النظام أخفّ من الوسائد النموذجية المستعملة في معظم الطائرات، ويمكن استغلال تراجع وزنها لزيادة وسائل الراحة.

العامل البشري

لا تستطيع التكنولوجيا الذكية استبدال جوانب الحياة كافة. في زمنٍ يكتفي فيه الطيار بالبقاء في مقصورته من دون أن يتسنى للمسافرين رؤيته، يستمتع الركاب دوماً بسماع صوته حين يقول أي ملاحظة. يعكس طاقم الطائرة اليوم مشاعر الطمأنينة ومعنى الخدمة الشخصية وحس الفكاهة. يحبّ المسافرون عموماً أن يشعروا بالعلاقات الإنسانية وأن يلاحظوا أي مؤشر يذكّرهم ببلدهم الأم ويشعروا بأنهم في ديارهم. ويلاحظ بعضهم أن طاقم الطائرات السويسرية يجمع عموماً بين الخدمة الفاعلة والابتسامة الدافئة.

خلال المرحلة المقبلة، ستتعلق النزعة الرائجة ضمن خدمات طاقم الطائرات باستعمال {البيانات الكبرى}، إذ تتابع شركات الطيران جمع معلومات إضافية عن الركاب كي تستعملها مثلاً لتقديم المشروب المفضّل لدى المسافر ومناداته باسمه. يمكن الحصول على جزء من تلك البيانات بعدما يتسجّل المسافرون في البرامج الخاصة بمختلف شركات الطيران. كذلك يمكن تعقّب ما يفضّله الركاب استناداً إلى استبيانات منشورة على المواقع الإلكترونية أو تعليقات المسافرين على مواقع التواصل الاجتماعي. لذا لا تفاجأ في المستقبل القريب إذا كان طاقم الطائرة يعرف ذوقك في الموسيقى!

في النهاية، لنأمل ألا تتغير اللمسة الشخصية التي تميّز تجارب السفر الجوي.

التوفيق بين راحة المسافرين وضوابط تصاميم الطائرات أصبح أبرز هدف لقطاع الطيران
back to top