كيف وصلت النساء إلى أعلى المناصب الأميركية في علم الفلك؟

نشر في 07-01-2017
آخر تحديث 07-01-2017 | 00:00
No Image Caption
في أواخر القرن التاسع عشر، عملت مجموعة استثنائية من النساء حملت اسم «الحواسيب» في «مرصد كلية هارفارد». كنّ يرصدن مواقع النجوم ودرجة سطوعها يومياً عبر تطبيق معادلات رياضية على ملاحظات يدوّنها زملاؤهن الرجال الذين كانوا يراقبون السماء. كانت جامعة هارفارد الجهة الوحيدة التي استفادت من زيادة أعداد النساء المتعلّمات بهذه الطريقة. حين اتّجهت البحوث في المرصد نحو تصوير السماوات بدلاً من مراقبتها بالعين المجرّدة، توسعت واجبات مجموعة «الحواسيب» بإيقاع متسارع. وحقق عدد كبير منهن إنجازات استثنائية في مجال علم الفلك. التفاصيل عرضتها «إيكونوميست».
حصل عمل طاقم النساء «الحواسيب» في جامعة هارفارد على دعم امرأتين: آنا بالمر درابر وكاثرين وولف بروس، وريثتان لديهما شغف بعلم الفلك. أما دافا سوبيل، كاتبة علمية سابقة في صحيفة «نيويورك تايمز» اشتهرت بكتابها الأول الذي حقق أعلى المبيعات Longitude (خط الطول) (1995)، فأمضت سنوات عدة وهي تحلل سيلاً من الرسائل وتدرس السجلات لسرد قصة عالمات الفلك وداعميهنّ.

سمح استعمال تقنية التصوير في مرصد هارفارد بالتقاط صور للسماء بمقياس غير مسبوق على أطباق زجاجية. بلغ مجموع تلك الأطباق نصف مليون بحلول عام 1992، حين انتقل المرصد إلى استعمال وسائل التخزين الرقمية، وكانت تتألف من «كون زجاجي» كما يشير عنوان كتاب سوبيل. سمحت الأطباق باتباع مسار النجوم ولم تقتصر العملية على ليالٍ معدودة بل امتدت على عقود. يمكن التحقق من الاكتشافات التي قام بها علماء الفلك في قارات أخرى داخل مكتبة هارفارد. لكن ربما تتعلق أهم نتيجة بإمكان تسجيل طيف ضوء النجوم بالطريقة نفسها حين ينقسم عبر منشور زجاجي.

تلك الأطياف شبيهة بشرائح طويلة بلون قوس قزح (تصبح باللونين الأبيض والأسود في مستحلب فوتوغرافي على الأطباق) وتتداخل مع عدد من الخطوط الداكنة. فهم العلماء أن الثغرات في الطيف تنجم عن امتصاص الضوء من ذرات عناصر كيماوية تُشكّل طبقات النجم الخارجية. في هذا السياق أعلن عالم فلك بكل فخر أن القدرة على تخمين مكونات النجم انطلاقاً من طيفه «جعلت نطاق الكيمياء يمتدّ على ملايين الأميال». كشف التحليل الطيفي للنجوم أيضاً عن خصائص فيزيائية أخرى في النجوم، مثل حرارتها، ومهّد في نهاية المطاف لظهور مجال الفيزياء الفلكية الجديد.

بفضل هذا السجل الفوتوغرافي الاستثنائي، حصل فريق العمل في مرصد هارفارد على فرصة اكتساب معلومات كثيرة عن النجوم. خلال الدراسات الروتينية التي تستعمل الأطباق في عام 1893 مثلاً، اكتشفت ويليامينا فليمينغ نجماً متجدد التألق، علماً بأن علماء الفلك في الغرب كانوا رصدوا عِشْر تلك النجوم كحد أقصى. واكتشفت لاحقاً تسعة نجوم أخرى. بدورها، سجّلت آني كانون مئات آلاف النجوم وابتكرت في خضم هذه العملية نظاماً لتصنيف النجوم ويتابع علماء الفلك استعماله حتى اليوم.

أبهرت دورة تعتيم النجوم وسطوعها هنرييتا ليفيت التي كانت أول من أدرك أنّ تردد نبضاتها يرتبط مباشرةً بدرجة سطوعها، ما سمح لعلماء الفلك بقياس بُعدها بطريقة موثوق بها وإنشاء أبعاد ضخمة لدرب التبانة وقياس حتى أكبر المسافات الواقعة بين هذه المجرة وغيرها.

سيسيليا باين

لكن ربما تكون سيسيليا باين الأبرز بين العالِمات، فهي كانت أول طالبة في هارفارد (بين الرجال والنساء) تنال شهادة دكتوراه في علم الفلك. أكدت أطروحتها في عام 1925 أن الهيدروجين، مقارنةً بأحجام العناصر الأخرى، يكون وافراً في النجوم أكثر مما هو عليه على كوكب الأرض.

حين شاهد هنري نوريس راسل، خبير في تركيبة النجوم الكيماوية، أطروحتها، أخبرها بأن النتيجة التي توصلت إليها كانت «مستحيلة بكل وضوح». لكن بعد أربع سنوات، قادته حساباته الخاصة إلى الاعتراف بأن باين كانت محقة في نهاية المطاف. فكتب في نهاية دراسته أن انتشار الهيدروجين «لا يمكن التشكيك به». لكن نُسِب هذا الاكتشاف عن غير وجه حق إلى راسل في تلك الفترة بدل باين.

شكاوى

يطّلع عدد كبير من النساء (وبعض الرجال أيضاً) داخل الأوساط الأكاديمية اليوم على بعض الشكاوى التي عبّرت عنها نساء من مجموعة «الحواسيب» في «مرصد هارفارد». كتبت فليمينغ في مذكراتها بعد فشل المفاوضات على راتبها مع المدير: «أشعر أحياناً بأنني أفضّل الاستسلام وأريد أن أكشف له عما يحصل عليه مني مقابل 1500 دولار في السنة مقارنةً بما يحصل عليه من المساعدين [الرجال] الآخرين الذين يقبضون 2500 دولار». بدا وكأن المديرين في تلك الحقبة كانوا يحملون عقلية استغلالية تجاه مساعديهم المتفانين. كان رب عمل آخر يقيس مهام الحوسبة بوحدات «ساعات عمل الفتيات» و«ساعات عمل الفتيات بالكيلو».

تحرص سوبيل على إعفاء المديرين من هذه التهمة. لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أنهم لم يتولوا عدداً كبيراً من الأعمال الرتيبة. ربما حققت النساء اللامعات اللواتي تذكرهنّ في كتابها إنجازات أكثر منهم وربما يعرف عشاق علم الفلك أسماءهنّ. حان الوقت الآن كي يتعرّف إليهن جمهور أوسع. تعمّقت سوبيل في مصادرها واستخلصت مسار حياة النساء في «مرصد هارفارد» وحقيقة عملهنّ وحوّلت تلك المعطيات إلى سيرة فكرية منقطعة النظير. من الواضح أن كتاب Glass Universe (الكون الزجاجي) يتألق ويلمع بقدر النجوم نفسها.

سيسيليا باين كانت أول من نال دكتوراه في علم الفلك بجامعة هارفارد
back to top