آدم دريفر يستمتع بالشعر في Paterson لجيم جارموش

نشر في 07-01-2017
آخر تحديث 07-01-2017 | 00:03
غولشيفيه فرهاني وآدم درايفر
غولشيفيه فرهاني وآدم درايفر
يشكّل Paterson (باترسون)، فيلم جيم جارموش الجديد المذهل والهادئ بتميّز، سلسلة دعابات شفهية تبدو جادة جداً، ما يضفي عليها لمسة من العفوية المذهلة.
يؤدي آدم درايفر في Paterson دور سائق حافلة يُدعى باترسون يعيش في باترسون بنيو جيرسي، المكان الذي ألهم وليام كارلوس وليامز لكتابة ملحمته العصرية Paterson، التي تتألف من خمسة أجزاء.

في وقت فراغه، يؤلف باترسون الشعر ويستمتع برفقة صديقته لورا، التي تشير لاحقاً إلى أنه اسم المرأة التي كانت مصدر إلهام فرانشيسكو بيترارش حين كتب قصائده المليئة بالحب.

كتب بيترارش: «ما من عبء أكثر خفة ومتعة من القلم». ولا شك في أن باترسون، الذي لا يزال متمسكاً بهذا التقليد بعد سبعة قرون، يوافقه الرأي. فيما يتنقل في هذه المدينة التي يحمل اسمها، يراقب ويصغي، يتنصت على محادثات ركابه، ويمتصّ مشاكل معارفه العابرة ليعمل بعدئذٍ على تلخيص ذلك كله في خواطر قصيرة من الشعر الحر يدونها في كتيب بني صغير.

لا يسارع إلى الكشف عن طبيعة موهبته الشعرية، ويلائم أسلوب جارموش، الذي يعتمد في فنه على فنون مثل النقش في القرون الوسطى والتأمل البوذي، فضلاً عن تقاليد صناعة الأفلام في هوليوود، وتيرة باترسون البطيئة هذه.

إيحاءات ذكية

قد تتساءل لبرهة عما إذا كان الفيلم الغامض والمقتضب يحتوي على ما يتعدى سلسلة إيحاءات وأحاجٍ لغوية ذكية. لكنك قد تتساءل أيضاً، لمَ لا يقوم عدد أكبر من الأفلام على سلسلة مشابهة؟ خصوصاً عندما تقودنا في النهاية إلى دفق مميز من المشاعر، كما في هذا العمل. وهكذا لا يُعتبر Paterson، على غرار معظم الأفلام الواثقة جداً من نفسها، تغييراً منعشاً في الوتيرة فحسب، بل تبدلاً يبث في المشاهد حياة جديدة أيضاً.

يتناول الفيلم سبعة أيام متتالية من حياة باترسون لا تشهد سوى تبدلات بسيطة في اللهجة والحوادث. تخيل نسخة من Groundhog Day مستبدلاً باستياء بيل موراي المزعج تحفظ درايفر العميق، وتكون كوّنت فكرة عامة عن Paterson.

يستيقظ باترسون كل يوم بعيد السادسة صباحاً ويمضي بعض الوقت الحميم مع لورا (غولشيفته فرحاني) قبل توجهه إلى العمل، حيث يتحمل الشكاوى البائسة من سائق آخر (رضوان مانجي)، يقود الحافلة، ويكتب. وبعد عودته إلى المنزل، تكون لورا بانتظاره، فيستمع إلى ما قامت به خلال النهار، ثم يُخرج كلبه الصغير الأليف مارفين (دور مميز يسرق الأنظار يؤديه كلب بولدوغ إنكليزي توفي بعد الفيلم كان يُدعى نيلي) في نزهة صغيرة إلى حانة قريبة، حيث يمضي بعض الوقت مع المالك (باري شاباكا هنلي)، يراقب الزبائن الآخرين، ويحدّق بتمعن في مشروبه.

في مستواه الأبسط والأكثر نقاء، يصوّر Paterson فناناً شاباً يجمّل تحفه، فيرسم انطباعات عن وجوده اليومي ويعطيها شكلاً مسراً مستفزاً. تضم القصائد بحد ذاتها، التي ألفها رون بادجيت لهذا العمل بالذات، صوراً تبدو لنا مألوفة (صرير ماسحة الزجاج الأمامي أو جمال علبة كبريت)، إلا أنها لا تقدّم لنا معلومات جديدة بقدر ما تؤكد لنا مدى عمق نظرة باترسون إلى العالم.

خيط من السحر

عمل جارموش نفسه على تصميم هذا العالم وترتيبه بدقة. ولكن وراء التفاصيل اليومية، يتدفق خيط رقيق من السحر تكاد لا تلاحظه. علاوة على ذلك، تظهر في الخلفية شخصيات من أفلام أخرى (لا تُعتبر كلها من صنيع جارموش)، فتخال أنها تُبث من عالم سينمائي موازٍ. تخبر لورا باترسون بأنها حلمت بأن لكل منهما توأماً. ومنذ ذلك الحين، نرى ثنائية وازدواجية غريبتين في السرد: أبوت وكوستيللو، روميو وجوليت، وديفيد فوستر والاس ووالاس ستيفنز.

بالإضافة إلى ذلك، يتضمن تصميم الإنتاج، الذي أعده مارك فريدبيرغ، والأزياء، التي صممتها كاثرين جورج، عدداً من دعابات خاصة وابتكارات مبدعة، علماً بأن كثيراً منها يتناقض بوضوح مع حب لورا الدوائر ويتلاءم على نحو غريب مع ملابس باترسون المغطاة بالمربعات عموماً.

تنجح لورا كثيرة الكلام في موازنة شخصية شريكها الهادئ، إلا أنها لا تقل عنه تميزاً وإبداعاً. فمن الممكن إعداد فيلم مختلف لا يقل أهمية عن الفترة ذاتها إنما من منظارها هي. خلال أسبوع، تزين حلوى الكابكيك، وتطلي الجدران، وتحيك الستائر، وتعزف الغيتار بالروح المبتكِرة والمرحة ذاتها، مع أن ما يوحّد هذه النشاطات كلها واقع أنها تتيح لها الغوص في خطتها الدائمة التي تقوم على اللونين الأبيض والأسود وتشكّل مصدر إلهامها الأكبر.

لعل الوجه الأكثر سحراً في Paterson (وما يثير استياء مَن يبحثون عن تجربة أكثر تنظيماً وإسهاباً) رفضه تقديم أجوبة واضحة. نتيجة لذلك، قد تتساءل عما إذا كان الفيلم صورة عن قناعة زوجين سعيدين أو عن سأم باترسون الوجودي الخفي، ذلك وفق تفسيرك ردود فعله المرحة بعض الشيء تجاه تصرفات لورا.

يتحلى هذا الثنائي بأمر يلاحقك طوال أيام بعد مشاهدتك الفيلم، كما لو أنهما، رغم السعادة والمرح في علاقتهما، يعيشان في مكان أكثر تعقيداً وغرابة بكثير من الجنة.

خلف التفاصيل اليومية في الفيلم يتدفق خيط رقيق من السحر لا تكاد تلاحظه
back to top