اللاجئة السورية نوجين مصطفى... من الخوف إلى الحرية

نشر في 06-01-2017
آخر تحديث 06-01-2017 | 00:00
No Image Caption
بعد قطع ما يفوق ٥ آلاف كيلومتر من سورية إلى ألمانيا على كرسي متحرك، تتوق نوجين مصطفى اليوم إلى عيش حياة طبيعية وتخفيف محنة اللاجئين.
أصدرت كتاباً حمل عنوان «نوجين: رحلة فتاة مدهشة من سورية الغارقة في الحرب على كرسي متحرك». في ما يلي تفاصيل رحلتها.
شعرت نوجين مصطفى بالقلق والحماسة في آن. كانت تعرف أنّ كل شيء سيتغير حين تصبح على متن ذلك المركب الصغير في «بهرام»، تركيا. كان مليئاً أصلاً بالركاب الهاربين من بلدهم الغارق في الحرب في منطقة الشرق الأوسط.

سمعت تلك الفتاة السورية الكردية الآتية من حلب عن خطورة هذه الرحلة عبر بحر إيجه وكانت تشكك بقدرة ذلك المركب على نقلها مع كرسيها المتحرك وشقيقتَيها و36 شخصاً آخر من تركيا إلى اليونان. لكنها لم تكن تستطيع أن تعود أدراجها لأن عائلتها أنفقت آلاف الدولارات لضمان وصولها مع شقيقتَيها نسرين وناهدة إلى ألمانيا للانضمام إلى شقيقهنّ الأكبر الذي يقيم هناك منذ سنوات.

كتبت نوجين في مذكراتهاNujeen: One Girl’s Incredible Journey from War-torn Syria in a Wheelchair (نوجين: رحلة فتاة مدهشة من سورية الغارقة في الحرب على كرسي متحرك): «لم أكن أدرك أن الموت وشيك. كان يكفي أن يتمزق جزء صغير من قماش الكرسيّ المتحرك أو تأتي موجة كبيرة كي ينقلب القارب في أي لحظة». عدا احتمال غرق القارب، كانت تخشى أن تعيق الشرطة التركية طريق ذلك القارب وتعتقلهم أو تُرَحّلهم.

رحلة 14 شهراً

في تلك الفترة، أي في سبتمبر 2015، كانت نوجين وشقيقتاها قطعن نحو 1600 كلم من مدينة منبج في شمال سورية إلى «بهرام». على مرّ 11 شهراً، كانت نسرين تجرّ شقيقتها الصغرى على جميع أنواع الأراضي (مسارات صخرية، طرقات وعرة) واضطرّت الشقيقات أحياناً إلى انتظار المهربين لساعات طويلة أو الاختباء من الشرطة. ثم قطعن البحر باتجاه جزيرة «ليسبوس» لكن لم تكن الرحلة على وشك الانتهاء. من الجزيرة اليونانية إلى ألمانيا، قطعت الشقيقات 4 آلاف كلم واعتُقلن لفترة قصيرة لكن صعبة في صربيا.

قالت نوجين خلال اتصال من ألمانيا: «في تلك المرحلة شعرتُ بخليطٍ من الحماسة والخوف الشديد لأنني كنت أعرف أنني أجازف بحياتي. لكني كنت واثقة من أنني أستحق حياةً أفضل». تتحدث عن تلك الرحلة التي دامت 14 شهراً بكل إيجابية وبفصاحة تفوق عمرها. مرّت أكثر من سنة منذ وصولها وشقيقتَيها إلى منطقة «ويسلينغ» في ألمانيا، حيث يتقاسمن شقة تتضمن غرفتَي نوم مع أولاد ناهدة الأربعة.

نُشرت مذكرات نوجين التي تروي حياتها في سورية ورحلتها الشاقة نحو أوروبا على كرسي متحرك وحصدت تقييماً إيجابياً جداً. وتستعد الشابة الآن لسنتها الأخيرة في المدرسة الثانوية وبلغت 18 عاماً في 1 يناير 2017. وتخضع، منذ وصولها إلى ألمانيا في سبتمبر 2015، للعلاج الفيزيائي مرتين أسبوعياً في مدرستها وتعتبر نفسها اليوم أكثر مرونة بكثير.

تختلف حياتها بشدة عن وضعها السابق في سورية حيث كانت تمضي معظم وقتها في شقة تقاسمتها مع أفراد عائلتها. لم تكن تذهب إلى المدرسة أو تخرج كثيراً نظراً إلى إصابتها بشكلٍ حاد بالربو، وزاد وضعها سوءاً بسبب غبار المدينة ومدخّني السجائر: يدخّن معظم الرجال في سورية وتدخّن النساء أيضاً بحسب قولها. حين اندلع الصراع المسلّح في سورية في عام 2011 ثم بدأت الحرب الأهلية في السنة اللاحقة، اضطرّت نوجين وأفراد عائلتها إلى ملازمة منزلهم قبل الهرب إلى مدينة منبج. قبل بدء الحرب، كانت الفتاة بدأت تميل إلى جمع الوقائع والمعلومات وكانت تهتم بعلم الفيزياء والفضاء. تعلّمت اللغة الإنكليزية عبر مشاهدة القنوات الفضائية ثم أصبحت الكتب وشبكة الإنترنت مصادر قيّمة كي تكتسب المعارف أيضاً.

في ألمانيا، لا تزال نوجين تجمع الوقائع وباتت تهتم بعلم النفس والفضاء وتحب قراءة الكتب حين لا تسمع موسيقى بيتهوفن أو موزار. كذلك تسمع موسيقى البوب حين تكون بمزاج سيئ وترغب في التصرف كمراهِقة. بعد سنوات، تقول إنها تريد متابعة تحصيلها العلمي وتنوي أن تدرس الفيزياء أو الأدب «في أفضل جامعة».

حياة جديدة

تشعر نوجين بالسعادة والامتنان بعدما بدأت حياة جديدة في ألمانيا لكنها تعترف بأنها تشتاق إلى وطنها وتشعر برغبة في البكاء حين تسمع أغنية تذكّرها بطفولتها أو بسورية: «تحسّن وضعي اليوم لكن لا يعني ذلك أنني أكره حياتي السابقة. أشتاق إلى الطفولة والبراءة وغياب المسؤوليات والدلال».

لم يُصَب أي شخص من أفراد عائلتها بالأذى لكنهم لا يعيشون معاً اليوم. يقيم والداها في تركيا وتتكلم معهما يومياً للاطلاع على مسار حياتهما وتأمل أن يجتمعوا مجدداً في ألمانيا. لكنها تشعر بالقلق لأن اللاجئين السوريين، وفق القانون الألماني، يحق لهم أن يطالبوا بِلمّ شمل عائلاتهم قبل عمر الثامنة عشرة ويتلاشى هذا الحق بعد بلوغ سن الرشد.

وسط تشديد التدابير المرتبطة بتدفق اللاجئين إلى أوروبا، تقول نوجين إنها ملتزمة بالنضال في سبيل مساواة اللاجئين بالآخرين: «اللاجئون بشر مثل غيرهم ونجد بينهم الصالحين والأشرار مثل جميع الناس في أي مجتمع. لا أشعر بالغضب من أحد. كتبتُ هذا الكتاب لأنني أردتُ أن أؤدي دوري في تغيير نظرة الناس إلى اللاجئين. جميعنا بشر ويجب أن ينظر الناس إلينا بطريقة إنسانية أولاً».

في النهاية، قالت نوجين إنها لا تتخذ من أي شخص قدوة لها لأن لكل إنسان عيوبه:»أحمل أفكاري الخاصة عن العالم وأريد أن أبذل قصارى جهدي كي أحسّن وضعه. لطالما تساءلتُ إذا كنت متوهّمة لأنني أحافظ على تفاؤلي في الأوقات الصعبة، لكن سرعان ما اكتشفتُ أنني لا أخطئ حين أعبّر عن شخصيتي الحقيقية!».

back to top