حديث الحياة والموت

نشر في 05-01-2017
آخر تحديث 05-01-2017 | 00:00
 لافي الشمري قبل يوم من وفاة الزميل يحيى عبدالرحيم إثر حادث أليم، دار حديث بيننا مساء السبت الماضي، لم أجد لهذا الحوار تفسيراً مقنعاً يزيل تخميناتي لسبب إثارة هذا الحديث في هذا التوقيت، لاسيما أنه جاء قبل رحيل أبي يوسف بأقل من 48 ساعة، وأذكر أن مبعث هذا الحديث كان كثرة وفيات النجوم والمشاهير العرب والأجانب في شهر ديسمبر، فكان يردد حينها: "ربنا يعديه على خير"، ثم أشار إلى موضوع يزعجه جداً في العمل الصحافي، رغم أن انزعاجه ليس من أداء المهمة وظيفياً بل كان امتعاضه إنسانياً، فقال: كلما نُشر خبر عن مرض أحد المشاهير أو النجوم، يحتم علينا عملنا الصحافي الاستعداد لهذا الخبر وكأننا ننتظر لحظة الوفاة، فهو لم تكن تزعجه فكرة الموت ولم يخشه.

انتهى الحوار بيننا على أن أجل الإنسان بإرادة الخالق.

صحيح أن الجملة الأخيرة لا اعتراض عليها ولا جدال فيها، لكن مناسبة الحديث هي التي تشرع باب التأويل المنطقي واللامنطقي، فمنذ لحظة مشاهدتي للزميل الراحل مسجى على السرير الأبيض لا يحرك ساكناً وأسلاك الأجهزة الطبية متصلة بأعضاء جسده، ومؤشرات الأجهزة تشير إلى تدهور حالته الصحية، وتنذر باقتراب النهاية، كانت الذاكرة تسترجع ما دار بيننا يوم السبت الماضي عن الحياة والموت، فهل كان هو حديث الوداع؟ هل كان يستشعر أمراً ما لم يود الإفصاح عنه؟ نعم هي إرادة الله... لكن توقيت الحديث كان صعباً جداً، لاسيما حينما سمعت نبأ تعرضه إلى حادث، فتذكرت حديث السبت، لم أعرف ماذا أفعل وأين أذهب بعد الرسائل التي كانت تصلني من بعض الزملاء تطلب التبرع بالدم وتخبر بأن حالته حرجة جداً، هل أتجه إلى المستشفى أم أذهب إلى بنك الدم؟ حينها تذكرت مقطعاً من قصيدة محمود درويش "في مديح الظل العالي"- كنت دائماً أستمع إليها أنا ويحيى- يقول فيه: أين تذهبُ؟

ليس لي بابٌ لأفتحَهُ لفارسي الأخيرْ

والسبتُ أسودٌ

هل كان هذا هو السبت الأسود الذي دار فيه الحوار عن الحياة والموت، وأين ذهبت يا يحيى وتركت أوراقك وتدويناتك الأخيرة ومشاريعك المقبلة؟... هل كنت تخبرني باقتراب النهاية ولم تود أن تؤلمني بما كنت تشعر به لأنك دائماً لا تجرح محادثك وتتقبل ما يقوله لك بسعة صدر وقلب أبيض، وتنصحني بالتفكير بايجابية أكثر ورؤية الأمور من زاوية مختلفة رغم قتامة الواقع أحياناً؟

يحيى مذ عرفتك قبل تسعة عشر عاماً وأنت البشوش الذي ينثر الفرح أينما حل وكيفما شاء، ودائماً تنظر إلى الحياة كما يقول محمود درويش:

البحرُ أبيضُ والسماءُ

قصيدتي بيضاءُ والتمساحُ أبيضُ والهواءُ وفكرتي بيضاءُ

كلبُ البحر أبيضُ كل شيء أبيضٌ: بيضاءُ ليلتُنا وخطوتنا وهذا الكونُ أبيضُ

أصدقائي والملائكةُ الصغارُ

وصورة الأعداءِ

أبيضُ كل شيء صورةٌ بيضاءُ هذا البحرُ، مِلء البحرِ، أبيضُ.

نعم، كنت تحمل البياض في قلبك وفي سريرتك، وهذا ليس فيه شك، لكن السؤال الذي لم أجد له إجابة: هل كان حديث السبت بمنزلة الوداع لاسيما أنني لم أره بعدها إلا مسجى على السرير الأبيض.

back to top