صلاة الشكر!

نشر في 05-01-2017
آخر تحديث 05-01-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري القصيدة بخور الأرض للسماء، منذ الخليقة ومنذ بداية الكون، تقيم الأرض صلاة شكر للسماء في كل لحظة ومع كل نفس لها– هكذا تقول الأسطورة- تعبيراً عن شكر الأرض وامتنانها للسماء التي تهب لها الحياة، والتي تبقي قناديلها مضاءة ليلاً، وفانوس شمسها منيراً في النهار، هذه السماء الكريمة والتي عند عقد قران كل غيمتين تحت خيمتها تفتح على الأرض خزائن المطر، وتنزل في أيدي "رعاة الظمأ" جنيهات من الماء، ولفضائل أخرى للسماء جمّة على الأرض تقيم الأخيرة "صلاة الشكر" هذه لها، وكمعظم الطقوس المقدسة، فإن البخور يكاد يكون جزءاً لا يتجزأ من تلك الطقوس، وصلاة الأرض ليست استثناء من ذلك، القصيدة هي بخور صلاة الأرض التي ترفعها للسماء، القصيدة بكل سمائها، ومائها، وعوالمها المكتنزة بالصور والمتضادات، وخضرتها التي تغطي عورة اليباس في الحجر، وكرنفال موسيقاها التي لا يبح صوتها ولا يشيخ، وإيقاع أقدامها الذي يترك وشماً على سطح البحر لا يُمحى، وأرديتها الحريرية الشفافة، وبريق عطرها، اختارتها أمّنا الأرض لتكون بخور صلاتها، إلاّ أن القصيدة لم تخترع منذ ولادة الأرض، فقد وُجدت بعد ذلك بكثير، فقبل اختراع الشعر لم تكن القصيدة إحدى أنواع البخور على تسريحة أمنا الأرض، كان بخور الأرض في ذلك الحين خلاصة كل عمل آدمي خيّر وصالح، حيث تقوم الأرض بجمع زهرة كل عمل جيد يقوم به الإنسان على الأرض، وتجمع كل تلك الزهور وتصنع منها بخوراً تبخّر به السماء خلال صلاتها، إلى أن تم اختراع القصيدة، فمنذ ذلك الحين أصبحت القصيدة البخور الوحيد المعتمد للسماء والمصاحب لأمنا الأرض في كل صلواتها، وكأنما كثّفت الأرض كل عمل إنساني طيب وصالح ونقي وجميل في القصيدة واختصرته بها، حتى إن بعضهم قال بنقض "صلاة الشكر" بدونها، وبعضهم أفتى بعدم جواز قراءة القصيدة إلا أن يكون المرء على وضوء! من شدة إيمانهم بأن القصيدة ليست مجرد بخور ورائحة زكية، بل هي ركن من أركان "صلاة الشكر" التي تحييها الأرض بشكل متواصل، ولا يتوقف طيب بخورها. وتضيف الأسطورة أن الشيطان منذ أن طُرد من السماء، كيداً في أمنا الأرض، يبخّر السماء بكل عمل بشريّ قبيح، حيث يقوم بجمع ثمرة كل عمل سيئ ويضعها في إناء كبير تغلي تحته نار يكفي وهجها لإحراق مدن، تفوح من الإناء رائحة نتنة تثير الغثيان، ويصنع الشيطان من هذا الخليط الذي في الإناء سائلاً كثيف اللزوجة رائحته شديدة البشاعة، وكلما وضعت الأرض قصيدة في مبخرها، وضع الشيطان شيئاً من ذاك الخليط ليفسد رائحة البخور، واستمر الحال بينهما هكذا حتى عهد قريب، فقد توقّف الشيطان تماماً عن محاولات إفساد بخور السماء، فقد تكفّلت بعض برامج الشعر بهذه المهمّة، وبطُلت صلاة الشكر وقلّ طُهرها!

انتهت الأسطورة.
back to top