سنة جديدة من المواجهة بين روسيا والغرب

نشر في 29-12-2016
آخر تحديث 29-12-2016 | 00:00
عملت موسكو على استغلال التطورات المختلفة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتأثير فيها في بعض الحالات بغية تقويض وحدة الغرب بواسطة الحملات الدعائية، والاعتداءات عبر الإنترنت، والمناورات السياسية، وستسعى روسيا على الأرجح إلى تعزيز هذه الجهود عام 2017.
 ستراتفور . تملك روسيا على الأرجح ما تتطلع إليه عام 2017، فخلال السنوات الثلاث الماضية عانى هذا البلد عدداً من النكسات الاستراتيجية، وواجه ضغوطاً كبيرة من الغرب، فأدت انتفاضة الميدان الأوروبية عام 2014 في كييف إلى مرحلة من التعاون المتزايد بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي (الناتو)، وقد حذت دول استراتيجية أخرى في المحيط الروسي، مثل مولدوفا وجورجيا، حذوها مع توسيع قوات الولايات المتحدة والناتو انتشارها ونشاطها على طول الحدود من بولندا إلى دول البلطيق فرومانيا.

في الوقت عينه فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على هذا البلد بسبب ما قام به في القرم وشرق أوكرانيا، ولا ينفكان يمددانها، ونتيجة لذلك تنامى الضغط الذي يواجهه الاقتصاد الروسي، بعدما كان قد غرق في مرحلة من الركود من جراء الانخفاض الكبير في أسعار النفط نحو منتصف عام 2014، وفي محاولة ماكرة للحصول على مقعد على طاولة المفاوضات مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، تدخلت روسيا في الصراع في سورية، لكن هذه الاستراتيجية أخفقت حتى اليوم في منح موسكو الصفقة الكبرى التي ترجوها في مسائل مثيرة للجدل، مثل الصراع في أوكرانيا، لكن عام 2017 سيحمل مرحلة جديدة من المواجهة الروسية مع الغرب.

بالنسبة إلى روسيا تمثل مشاكل الغرب التي تلوح في أفق السنة المقبلة فرصةً، فقد عملت موسكو على استغلال التطورات المختلفة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتأثير فيها في بعض الحالات بغية تقويض وحدة الغرب بواسطة الحملات الدعائية، والاعتداءات عبر الإنترنت، والمناورات السياسية، وستسعى روسيا على الأرجح إلى تعزيز هذه الجهود عام 2017، متسببةً بالجزء الأكبر من الخلافات في الغرب بغية تحقيق أهدافها، التي تشمل تعديل نظام عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو إنهاءه بالكامل. بالإضافة إلى ذلك قد يساهم التقدّم الذي أحرزه أتباع النظام في سورية في تحسين موقف الكرملين خلال مفاوضاته مع إدارة ترامب بشأن مجموعة من المسائل.

إحراز التقدّم

في المحيط الروسي ستتيح هذه التغييرات لموسكو أن تستعيد جزءاً من نفوذها في مدار الاتحاد السوفياتي السابق،

علاوة على ذلك ستكتسب موسكو نفوذاً أكبر في دول مثل أذربيجان وأوزبكستان، اللتين حافظتا على حيادهما تجاه روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ووقّعت موسكو أخيراً اتفاقات تهدف إلى توسيع تعاونها العسكري مع كل من هذين البلدين، صحيح أن هذه الصفقات لا تعني إعادة اصطفاف استراتيجي بالنسبة إلى باكو وطشقند، إلا أنها تعزز رغم ذلك تأثير روسيا في هاتين الدولتين، كذلك ستحاول موسكو الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في ضمان أمن آسيا الوسطى في السنة المقبلة، بما أن هذه المنطقة المستقرة تاريخياً تواجه راهناً مجموعة من التحديات.

حتى دول الاتحاد السوفياتي السابق التي تؤيد روسيا راهناً، مثل روسيا البيضاء، وأرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجكيستان، ستزيد على الأرجح تعاونها مع روسيا في السنة المقبلة، فقد وقّع عدد من هذه الدول اتفاقات مع موسكو تهدف إلى تعميق التكامل في المجال الأمني. بالإضافة إلى ذلك سيثني تنامي الخلاف مع الاتحاد الأوروبي دولاً مثل روسيا البيضاء وأرمينيا عن السعي إلى توطيد العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي. نتيجة لذلك قد يزداد نشاط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (كتلتا روسيا الرئيستان) في عام 2017 بعد التباطؤ الذي شهداه خلال السنتين الماضيتين.

بروز محدود

رغم الوعود التي تحملها السنة الجديدة لموسكو، لا يُعتبر نهوض روسيا مجدداً مضموناً، وبما أن من المستبعد أن تنسحب الولايات المتحدة والناتو بالكامل من المناطق الحدودية، فلن تنعم روسيا بحرية مطلقة في أوراسيا، فضلاً عن ذلك ستعارض أطراف عدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو أو إلغاءها، كذلك قد تسعى أوكرانيا وجورجيا عند مواجهتهما احتمال تراجع الدعم الغربي، إلى بناء كتلهما الخاصة مع دول مجاورة مثل بولندا وتركيا بغية تعزيز تصديهما لموسكو. في المقابل ستحرص موسكو على عدم التصرف بعدائية مفرطة في مناطقها الحدودية، فيما تواصل تخبطها وسط المشاكل الاقتصادية والسياسية في الداخل.

إذاً، ستمنع هذه العوامل روسيا من الاستفادة بالكامل من الفوضى وعدم الاستقرار في الغرب، في حين تمتد المواجهة بينهما إلى السنة الجديدة. مع ذلك قد يحقق هذا البلد تقدّماً كبيراً في مفاوضاته مع الغرب وفي مدار نفوذه السابق في عام 2017.

موسكو ستحاول الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في ضمان أمن آسيا الوسطى في السنة المقبلة
back to top