مع حلب... دون تدمير البلد

نشر في 25-12-2016
آخر تحديث 25-12-2016 | 00:15
No Image Caption
حسناً فعلت وزارة الداخلية، بموافقتها على عقد تجمُّع إنساني عبَّر فيه المجتمعون عن غضبهم المستحق أمام السفارة الروسية من مساهمة موسكو في استمرار نزيف الدم في سورية، وعرقلتها التوصل إلى أي حل أو إدانة للنظام السوري في مجلس الأمن.

ورغم أن التجمع، بغض النظر عن ضعف ما قيل فيه، ظاهرة حضارية، فكل الخشية أن تتفتح أبواب لا مصاريع لها، لنقلِ جذوة الانفلات والتوتر إلى بلدنا الصغير، لاسيما بعد أن تفوه بعض المشاركين في ذلك التجمع بألفاظ تجرح لحمة البلاد وتوهن نسيجها الوطني.

نفهم جيداً أن تكون الأعصاب متوترة، كما نستوعب ونتفهم جيداً تلك الغضبة الإنسانية، ونساند كل جهد يوقف نزف الدماء في سورية، ويحمي المدنيين، لكننا في المقابل لا نتفهم ولا نقبل نزوع البعض إلى لغة تخوين شرائح من أهل البلد، في تعميم جائر يضر بتماسكنا هنا، ولا ينفع المنكوبين هناك.

كما أنه ليس مقبولاً أن يتحدث نفر من المغامرين عن طرد سفراء ترتبط الكويت مع دولهم باتفاقيات ومصالح مشتركة ضاربة في العمق، دون أن يدرك هؤلاء أن علاقة بلادنا بالمنظومة الدولية علاقة استراتيجية، من خلالها يتشكل مفهوم الأمن القومي الكويتي، وما تجربة الغزو منا ببعيدة، فقد أثبتت تلك التجربة المرة أن مصلحة الكويت مرتبطة بحسن علاقاتها الخارجية بالدول الكبرى، وأن تلك الارتباطات عنصر أساسي لأمن البلاد واستقرارها، وأي استهتار أو سعي للإساءة إليها، إنما يصب حتماً في مسعى الإضرار بالبلاد وتخريبها وتفتيتها، فهل ينتبه أولئك المغامرون إلى خطورة هذا الطرح وانعكاساته على أمن البلاد؟ فالكويت، شئنا أم أبينا، بلد صغير محدود القدرات يبني من علاقته بالمنظومة الدولية والدول الكبرى صمام أمان لبقائه واستمراره في منطقة متلاطمة الأمواج، تكسرت على وقعها دول كبيرة.

وعلى جبهة أخرى، ووسط الأجواء المشحونة والمفتعلة التي ينفخون في نارها، يبدو أن هناك من تناسوا ما تقوم به الكويت من مساعٍ نبيلة لمساعدة شقيقاتها العربيات، وأنهم ينتمون إلى بلد حاز لقب مركز العمل الإنساني، ويوجه دفته قائد العمل الإنساني سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي لم يألُ جهداً في سبيل نصرة الشعب السوري، ولم يدخر وسعاً لاستضافة مؤتمرات المانحين لهم، كما تناسوا ما قامت به جمعية الهلال الأحمر الكويتي من رفع شعلة العمل الخيري الكويتي في مشارق الأرض ومغاربها والتي ظل جنودها المجهولون ومتطوعوها، من كل الأجناس والأعمار والفئات، يعملون على مدى خمسة عقود من الزمن بدأب وفي ظروف صعبة، دون تسييس فئوي أو طائفي، تناسوا كل ذلك فصوبوا سهامهم المسمومة إلى التشكيك في تلك الجمعية عبر هجوم قميء من منفلتي العقل والإدراك، وكذلك الأخلاق، في تسييس ظالم لا يرى قيمة لذلك التاريخ الناصع.

وها نحن في انتظار جلسة مجلس الأمة التي تقرر عقدها الأربعاء المقبل لمناقشة مأساة حلب، وهو أمر محمود ومطلوب، إلا أننا نحذر هواة المغامرة من النواب من الخروج عن المبادئ العامة، ونقل الصراع إلى بلادنا الصغيرة، ونناشد الحكومة والمجلس، مجتمعَين، والنواب فرداً فرداً، أن يتقوا الله في بلادهم، وأن يوجهوا نقاشهم للأزمة والمأساة الحقيقية في سورية، وألا ينقلوا تلك المأساة إلى الكويت التي ظلت رغم كل العوادي والمحن واحة للأمن والأمان.

ادرأوا الفتنة ولا تشعلوها، حافظوا على استقرار بلادنا وأمنها، ليكن تعاطفنا ومؤازرتنا لأهالي حلب والشام موقفاً وطنياً نقياً صافياً بعيداً عن المزايدات والتكسب، ولنقف في وجه أولئك الذين يريدون نقل المأساة من الشام إلى الكويت، عبر نفخهم في نار الطائفية والفتنة على حساب إنسانية القضية، ومعاناة أهلها.

الجريدة

back to top