الهند تخطّط لأطول نهر... وعلماء البيئة متخوّفون

نشر في 09-12-2016
آخر تحديث 09-12-2016 | 00:00
No Image Caption
لا يمكن لأي مشروع هندسي أن يتفوّق بضخامته على مشروع يبدأ العمل عليه قريباً، سيربط أنهار الهند بعضها ببعض بغية تحويل المياه من المناطق المعرضة للفيضانات في الشرق والشمال إلى تلك المهددة بالجفاف في غرب البلاد ووسطها.
لكن للأسف هذه الخطة قد تشكّل كارثة بيئية، حسبما يذكر علماء الجيولوجيا والبيئة.
ستؤدي خطة ربط الأنهار في الهند، التي يشير مسؤولو الحكومة إلى أنها ستحظى بالضوء الأخضر من وزارة البيئة الهندية {في القريب العاجل}، إلى إنشاء شبكة مائية طولها 12500 كيلومتر، أي أطول بنحو الضعف مقارنة بأطول نهرَين في العالم النيل والأمازون.

ستعمل الهند على ربط نحو 14 نهراً في شمال الهند و16 في أجزاء البلد الغربية، والوسطى، والجنوبية عبر 30 قناة ضخمة و3000 سدّ تبلغ تكلفتها 168 مليار دولار. كذلك ستوّلد هذه العملية 35 مليون هكتار من الأراضي الجديدة الصالحة للزراعة، فضلاً عن تأمين الوسائل الضرورية لتوليد 34 ألف ميغاوات إضافية من الطاقة المائية. طرح هذا المشروع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأعدت وكالة الماء في البلد خططاً مفصلة لقنوات الربط الثلاث الأولى.

لكنّ باحثين كثراً يشككون في الأسس العلمية التي تستند إليها هذه الخطة. يقولون إننا لا نستطيع الفصل ببساطة بين أحواض الأنهر التي تحمل قليلاً من الماء وبين تلك التي تحتوي على كثير منه، فضلاً عن أن التغيّر المناخي أدى إلى تبدلات في أنماط تساقط المطر قد تكون لها تأثيرات لا يمكن توقعها في تدفق المياه في المستقبل.

يذكر ساشين غونثي، باحث من المعهد الهندي للتكنولوجيا في مادراس وضع فريقه نموذجاً عن التبدلات في تساقط الأمطار التي يسببها تغير المناخ: {من الممكن لما يبدو نقصاً في الماء اليوم أن يتحوّل إلى فائض فيه مستقبلاً بسبب تغيّر المناخ. إذاً، كيف نبرر ربط المجاري المائية؟}.

يعرب علماء الجيولوجيا أيضاً عن قلقهم. خلال آلاف السنين، تطوّر المشهد الهندي تدريجياً مع تدفق الماء الطبيعي. يوضح فيدهارامان راجاماني من جامعة {جواهر لال نهرو} في نيودلهي: {يتغذى معظم الأنهار من مياه الأمطار الموسمية، ما أدى إلى تطويرها سهول فيضانات ودلتات على مرّ السنين. لكنّ التلاعب في مجاري الأنهار يحدث خللاً في إمداد الرواسب والمواد المغذية نحو مصب النهر}.

يضيف مؤكداً أن هذا المشروع قد ينعكس سلباً على الزراعة، لأن الأراضي الزراعية انتشرت على مرّ القرون في سهول الفيضانات وقرب دلتات الأنهر. {وتعيد الأخيرة ملء طبقات الماء الجوفية قرب الأراضي الزراعية}، وفق راجاماني.

علاوة على ذلك، يتجاهل أحد أهداف هذه الخطة الرئيسة (القضاء على ظاهرة الفيضانات في بعض أجزاء الهند) أهمية الفيضانات الطبيعية. على سبيل المثال، تحمل مياه الفيضان كمية كبيرة من الطمي التي تحدّ من تآكل الشاطئ.

رواسب

يشير تشيتنيباتو راجندران من مركز {جواهر لال نهرو للبحوث العلمية المتقدمة} في بنغالور: {لا يشكّل النهر مجرد أنبوب طبيعي يجري فيه الماء، بل يحمل أيضاً الرواسب. إلا أن السدود تحتجز هذه الرواسب المهمة لبيئات الحياة المختلفة مع تقدم النهر نحو مصبه}.

يتابع راجندران موضحاً أن السدود التي تشملها الخطة ستفاقم أيضاً الضغط على قشرة الأرض، ما يعزّز الإجهاد الذي تتعرّض له ويزيد خطر الهزات الأرضية في منطقة الهيمالايا المعرضة أساساً للزلازل.

علاوة على ذلك، سيؤدي بناء السدود وخزانات الماء الضخمة، التي تهدف إلى ضبط الماء وتخزينه، إلى تهجير مئات آلاف المواطنين في بلد يحفل سجله بالإخفاقات في مجال إعادة التوطين، وفق سونيتا نارين، مديرة مركز العلوم والبيئة (منظمة غير حكومية مقرها في دلهي). كذلك تعتبر هذه الباحثة عملية ربط الأنهار {وسيلة إلهاء كبيرة} عن مشاكل أكثر إلحاحاً مثل تردي الأوضاع البيئية.

يشعر علماء البيئة بالقلق أيضاً. يشمل أحد المشاريع الأولية، التي حصلت على موافقة الحكومة في شهر سبتمبر، ربط النهرَين كين وبيتوا في وسط الهند وشمالها. لكن هذا المشروع سيقضي، وفق التقديرات، على مساحة 4100 هكتار من الغابات، من بينها 58 كيلومتراً مربعاً من محمية بانا للنمور، علماً بأن هذه المساحة تعادل نحو 10 % من المحمية.

رغم ذلك، ما زالت الحكومة ملتزمة بالفكرة. يعلن فيجاي غويل، مساعد وزير الموارد المائية، أن خطة ربط الأنهار تمثل محاولة لتعزيز إمداد الماء إلى الولايات المحتاجة.

back to top